المعاني الشعبية للديمقراطية
بقدر ما توفره الحياة الديمقراطية لنا من حريات وحقوق واحترام للاختلافات الفكرية والسياسية داخل المجتمع، فانها تهيئ لولادة قوى سياسية واجتماعية، تقيم الأمور بمنطلقات واعية وعلمية، وليست بمقاييس سياسية فقط، أو بنزعات سلطوية بحتة، بينما تستلزم العقلانية نسقا اجتماعيا ديمقراطيا يشمل الجميع ولا يستبعد أحدا. ولما كان العقل التواصلي يقتضي أن يكون هناك تبادلا عقلانيا ما بين أصحاب التصورات والعقائد المختلفة، فإن الفعل التواصلي يدعونا دوما إلى اتباع مبدأ المناقشة العقلانية الحرة نهجا للالتقاء وسياسة للاتفاق، أما الجهات والأطراف المتنازعة فانها تختار اللجوء الى العنف والتطرف أو التحجر والتكبر تجاه الآخرين، نتيجة لاقصائها للفعل التواصلي، وفقدانها لروح التحاور والنقاش.
إن الشعور بالتحسن والنمو على المستوى السياسي والأقتصادي والأجتماعي، هو اليوم عامل مشجع لمراجعة الأنسان لحاله وأوضاعه في أي مكان كان، مما يبعث في الناس جميعا الأمل والتفاؤل ازاء المستقبل، ويحفزهم على العمل، على طريق التقدم، لأن الشعور بتحسن الأوضاع يدفعهم باتجاه ارساء قواعد متينة لتكوين المجتمع المدني المنشود.
إن الابتعاد تدريجيا عن الاستبداد السياسي والانغلاق الاجتماعي والتقوقع الثقافي والكبت الاقتصادي والعنف المجتمعي، ونبذ الحروب، والتمسك بمبادئ حقوق الانسان وقيم التواصل واحترام الاخر او القبول بالمختلف، ورفض الديمقراطية، أو التحاور او روح التسامح وحب الحياة، هو المفتاح لبناء حياة رغيدة حيوية منتجة.
إذ أن الديمقراطية ثقافة بقدر ما هي خبرة يكتسبها الإنسان والمجتمع عبر التاريخ، ومن خلال التجربة والممارسة، وعبر تطور الوعي والوعي الذاتي، انها ثقافة ليس لنا الا ان نفهم أنها غير قابلة لأن تنتج وتبدع عبر القرارات والقوانين، أو انها تتكون في إطار الخبرة. والديمقراطية ليست ساحة هادئة يستحيل وضعها في بؤرة معينة، أو تقييدها في إطار ضيق، بل هي إطار شامل تمارس في ظله كل تلك المثل والقيم والمفاهيم السامية، كأدوات لتنظيم المجتمع والدولة وادارة الحياة، وهي معلم رئيسي لبناء الاختلافات الفكرية الخلاقة أو التعددية السياسية البناءة، أو لاستنهاض البلاد من التضيق الفكري الذي يسببه غياب الثقافة الديمقراطية، وانعدام الخبرة التاريخية وممارسة العمل الديمقراطية، وبالتالي تركيب وإبداع المعايير والمفاهيم الفكرية الناجعة سياسيا واجتماعيا، تستقطب الجميع وتحتضن المختلفين، وتنهي طغيان آيدويولوجية الاستبعاد والاستعباد، وتعيد الثقة بما كان مجرد شعار.
كما أن الحكومة القوية لا تبنى على لغة الإكراه السياسي، وانما تتحقق من خلال الالتزام بمفهوم المواطنة والحرية السياسية، وتوزيع الثروة والسلطة في البلاد توزيعا عادلا يشمل جميع الشرائح الاجتماعية، كما أن مثل هذه الحكومة تكمن في مدى محاربتها لظواهر الفساد وانهاء مأزق البطالة والتحقيق في حالات الغنى الفاحش، وعلى صعيد آخر تقوي قدراتها الدبلوماسية والسياسية، وتحتل مكانة مرموقة ومهيبة في الأسرة الدولية، وتشكل شبكة مصالح قوية مع الدول الشقيقة والصديقة.
dfaisal77@hotmail.com
الرأي