قصة القواعد الأميركية في الأردن
مدار الساعة ـ نشر في 2021/07/15 الساعة 02:12
منذ فترة ليست بالقصيرة يتداول الكثير من الجمهور آراءهم حول قضية بناء قواعد عسكرية أميركية على الأرض الأردنية، وأغلبهم يعارضون ذلك بناءً على قاعدة السيادة الوطنية، وبالطبع السيادة الوطنية للأردن مقدمة على أي مصلحة، ولكن هل كل ما يقال صحيح؟ وهل هناك قواعد لإعادة انتشار القوات الأميركية على أرضنا أم أن القضية جاءت على خلفية معلومات صحفية خارجية وتكهنات لمحللين غير شرعيين عبر قنوات وتلفزة تبحث عن إثارة، ولا نستبعد موضوع الأردن المستهدف كما قال أحدهم، فما القصة، ولماذا لم يخرج علينا أحد لنقل الحقيقة التي ستعطي إجابات تقطع الشك باليقين؟
قبل نقل المعلومات التي أجاب عليها مصدر رسمي، فإن الجميع يعرف أن الأردن مرتبط مع الولايات المتحدة باتفاقيات عديدة وبعيدة الزمن، وعلنّي أذّكر بأن إلغاء المعاهدة البريطانية ١٩٥٧ وجلاء القوات الإنجليزية من مطاري عمان والمفرق وانسحابهم من المشهد الكونيالي على الأرض الأردنية، دعا الأردن آنذاك إلى تشبيك علاقاته مع الولايات المتحدة التي برزت كقوة عظمى ورثت الإمبراطورية الإنجليزية مقابل الاتحاد السوفييتي الذي حاز على نصف أوروبا عقب الحرب العالمية الثانية، وكان الأردن كما بقية دول العرب والعالم ايضا، أخذت كما أخذوا مساراتهم في الاصطفاف مع المعسكرين العالميين، حتى دول عدم الانحياز آنذاك كانت الأمدادات العسكرية تأتيهم من الكتلة الشرقية أو الغربية، والأردن ليس استثناءً، فقد عززت واشنطن منذ ذلك الوقت علاقتها العسكرية مع المملكة، وأكثر من ذلك فقد تحول التدريب والتجهيز والإمداد للجيش الأردني كماركة أميركية مسجلة من بنادق إم ١٦ الى ناقلات الجند «كونتينتال» حتى طائرات إف ٥، واستمر التعاون حتى يومنا هذا، بعدما تخلى الأردن عن طائرات هوكر هنتر، وصناعات سايدلي عموما، وهذا ليس سرا.
وعبر العقود الستين الماضية ظلت العلاقة الأردنية هي الأميز مع أميركا رغم ما تخللها من مناكفات سياسية خصوصا بعد حرب ١٩٦٧ و١٩٧٣، فيما دعم البيت الأبيض استقرار النظام بين تلك الفترتين خلال الأحداث الفوضوية والصدامات المؤلمة، وبعد حرب تشرين تحول الأردن قليلا الى المعسكر السوفييتي ولكن لم تطل العلاقة العسكرية ولا التسليح مع موسكو، كما هو الحال مع مصر وسوريا والعراق وليبيا واليمن الجنوبي والجزائر، وهي التي فتحت أبوابها وأجواءها للكتلة السوفيتية وتعاونت تماما مع الكرملين على أوسع نطاق، فما الذي تغير الآن؟
وفي إجابات للمصدر الرسمي، فإنه من المعلوم للجميع أن هناك اتفاقية دفاع موقعة منذ سنوات طويلة بين عمان وواشنطن، ولكن ما لا يعرف أن أي من الطرفين له الحق بإيقافها كضمانة حق قبل سنة من الإلغاء أو التوقيف، ومعلوم أيضا أن اتفاقيات عسكرية بينية موجودة دائما خصوصا في الحملة العالمية لما يسمى الحرب على الإرهاب، والدفاعية منها من المؤكد أن فائدتها الأكبر هي لحساب القوات الأردنية من تدريب مشترك وتسليح ودعم عسكري معلن يعادل مليار دولار سنويا، فضلا عن الدعم المباشر بسبعمئة مليون دولار إضافية للخزينة، وأي دولة في العالم خصوصا عندما تكون في ضائقة تاريخية كالأردن ستبحث عن قوة عظمى للاتكاء عليها، مع الإشارة إلى أن عمان هي نقطة ارتكاز أساسية للمساعدة في تشخيص ومعالجة العديد من الأحداث التي تعصف بمنطقتنا العربية، وتنخرط في مباحثات مستمرة لإطفاء الحرائق السياسية والصراعات الدامية التي شهدتها دول الطوق الأردني شرقا وجنوبا، ومع كل ذلك فقد واجه الأردن بنظامه وشعبه ملحمة إسقاط «صفقة القرن» وإنقاذ ما تبقى من حظوظ القضية الفلسطينية التي هي ركن أساس في الدبلوماسية الأردنية، وحق دفاع عن القدس ومقدساته والشعب الفلسطيني.
وفي الحديث عن وجود قواعد، فليس هناك قواعد مملوكة، بل هي مجموعات عسكرية دائما ما كانت موجودة، فليس سرا أن نرى قوات أجنبية في أي دولة عربية ضمن الاتفاقات الدفاعية أو التدريب المشترك، وقد ذكرني ذلك شخصيا بما رأيناه من العمليات الجوية برفقة زملاء يعملون للتلفزة الأميركية، ورأينا أعدادً من الطائرات ضمن التحالف الدولي بمشاركة الأردن والإمارات، للحرب على داعش، وقدمنا شهيدا عز نظيره، البطل معاذ الكساسبة، ولم نسمع من أحد انتقادا عن التعاون العسكري، حتى أعلنت الولايات المتحدة مؤخرا نقل مجموعة بطاريات باتريوت من بعض الدول، ثم الحديث عن إسكان عدد منها على الأرض الأردنية التي يتخذ منها الجيش الأميركي مأوى، ملتزما بنص الاتفاقية التي تنص على عدم تضارب المصالح.
وباعتقادي أن تضخم القصة قد بدأ منذ خرجت معلومات لا ندري مدى صحتها من عدمها، وأثارت تساؤلات حول الاتفاقية الدفاعية، ثم إقامة قواعد خاصة، وإعادة ترحيل القوات الأميركية للأردن، علما أن القصة كلها مرتبطة بالدفاعات المنصوص عليها باتفاقيات، تماما كما كانت في تركيا وقطر والسعودية والعراق، واليوم في سوريا دون أي اتفاقية أو طلب إذن.
ما نعرفه بالتأكيد أن ليس هناك حربا ضد إيران، وحتى إن حدث فلن تكون الأرض الأردنية منطلقا لها، ولكن الخطر الداهم في أي لحظة وسيهدد أمن الأردن والأمن المدني في سوريا أيضا، لن يكون من عندنا بل من قوات تابعة لدول وحدت في الصراع السوري ساحة مفتوحة للعبث بها ومحاولة تمدد أبعد من حماية النظام السوري، وأي ضرب في اللحمة ما بين الجيش الوطني الأردني وعروبته ووطنيته، ليس سوى ضربا من فشل عقليات لا تزال تعيش في الظلام لإبقاء المعنوية لدى الشعب الأردني في أدنى مستوى لها، وهذا لا يخدم المصلحة الوطنية ولا يعبئ جيوب الباحثين عن خراب الديار الكريمة، فجيشنا تحت أي ظرف سيبقى جيشا باسلا ومدافعا عن ثرى الوطن ويقظاً بعينه التي لاتنام لدفع أي تسلل أو عبث في استقرار وطنكم، الذي وإن ظن علينا بعضهم سيبقى في المآقي وطن الشعب العربي الواحد.
الرأي
قبل نقل المعلومات التي أجاب عليها مصدر رسمي، فإن الجميع يعرف أن الأردن مرتبط مع الولايات المتحدة باتفاقيات عديدة وبعيدة الزمن، وعلنّي أذّكر بأن إلغاء المعاهدة البريطانية ١٩٥٧ وجلاء القوات الإنجليزية من مطاري عمان والمفرق وانسحابهم من المشهد الكونيالي على الأرض الأردنية، دعا الأردن آنذاك إلى تشبيك علاقاته مع الولايات المتحدة التي برزت كقوة عظمى ورثت الإمبراطورية الإنجليزية مقابل الاتحاد السوفييتي الذي حاز على نصف أوروبا عقب الحرب العالمية الثانية، وكان الأردن كما بقية دول العرب والعالم ايضا، أخذت كما أخذوا مساراتهم في الاصطفاف مع المعسكرين العالميين، حتى دول عدم الانحياز آنذاك كانت الأمدادات العسكرية تأتيهم من الكتلة الشرقية أو الغربية، والأردن ليس استثناءً، فقد عززت واشنطن منذ ذلك الوقت علاقتها العسكرية مع المملكة، وأكثر من ذلك فقد تحول التدريب والتجهيز والإمداد للجيش الأردني كماركة أميركية مسجلة من بنادق إم ١٦ الى ناقلات الجند «كونتينتال» حتى طائرات إف ٥، واستمر التعاون حتى يومنا هذا، بعدما تخلى الأردن عن طائرات هوكر هنتر، وصناعات سايدلي عموما، وهذا ليس سرا.
وعبر العقود الستين الماضية ظلت العلاقة الأردنية هي الأميز مع أميركا رغم ما تخللها من مناكفات سياسية خصوصا بعد حرب ١٩٦٧ و١٩٧٣، فيما دعم البيت الأبيض استقرار النظام بين تلك الفترتين خلال الأحداث الفوضوية والصدامات المؤلمة، وبعد حرب تشرين تحول الأردن قليلا الى المعسكر السوفييتي ولكن لم تطل العلاقة العسكرية ولا التسليح مع موسكو، كما هو الحال مع مصر وسوريا والعراق وليبيا واليمن الجنوبي والجزائر، وهي التي فتحت أبوابها وأجواءها للكتلة السوفيتية وتعاونت تماما مع الكرملين على أوسع نطاق، فما الذي تغير الآن؟
وفي إجابات للمصدر الرسمي، فإنه من المعلوم للجميع أن هناك اتفاقية دفاع موقعة منذ سنوات طويلة بين عمان وواشنطن، ولكن ما لا يعرف أن أي من الطرفين له الحق بإيقافها كضمانة حق قبل سنة من الإلغاء أو التوقيف، ومعلوم أيضا أن اتفاقيات عسكرية بينية موجودة دائما خصوصا في الحملة العالمية لما يسمى الحرب على الإرهاب، والدفاعية منها من المؤكد أن فائدتها الأكبر هي لحساب القوات الأردنية من تدريب مشترك وتسليح ودعم عسكري معلن يعادل مليار دولار سنويا، فضلا عن الدعم المباشر بسبعمئة مليون دولار إضافية للخزينة، وأي دولة في العالم خصوصا عندما تكون في ضائقة تاريخية كالأردن ستبحث عن قوة عظمى للاتكاء عليها، مع الإشارة إلى أن عمان هي نقطة ارتكاز أساسية للمساعدة في تشخيص ومعالجة العديد من الأحداث التي تعصف بمنطقتنا العربية، وتنخرط في مباحثات مستمرة لإطفاء الحرائق السياسية والصراعات الدامية التي شهدتها دول الطوق الأردني شرقا وجنوبا، ومع كل ذلك فقد واجه الأردن بنظامه وشعبه ملحمة إسقاط «صفقة القرن» وإنقاذ ما تبقى من حظوظ القضية الفلسطينية التي هي ركن أساس في الدبلوماسية الأردنية، وحق دفاع عن القدس ومقدساته والشعب الفلسطيني.
وفي الحديث عن وجود قواعد، فليس هناك قواعد مملوكة، بل هي مجموعات عسكرية دائما ما كانت موجودة، فليس سرا أن نرى قوات أجنبية في أي دولة عربية ضمن الاتفاقات الدفاعية أو التدريب المشترك، وقد ذكرني ذلك شخصيا بما رأيناه من العمليات الجوية برفقة زملاء يعملون للتلفزة الأميركية، ورأينا أعدادً من الطائرات ضمن التحالف الدولي بمشاركة الأردن والإمارات، للحرب على داعش، وقدمنا شهيدا عز نظيره، البطل معاذ الكساسبة، ولم نسمع من أحد انتقادا عن التعاون العسكري، حتى أعلنت الولايات المتحدة مؤخرا نقل مجموعة بطاريات باتريوت من بعض الدول، ثم الحديث عن إسكان عدد منها على الأرض الأردنية التي يتخذ منها الجيش الأميركي مأوى، ملتزما بنص الاتفاقية التي تنص على عدم تضارب المصالح.
وباعتقادي أن تضخم القصة قد بدأ منذ خرجت معلومات لا ندري مدى صحتها من عدمها، وأثارت تساؤلات حول الاتفاقية الدفاعية، ثم إقامة قواعد خاصة، وإعادة ترحيل القوات الأميركية للأردن، علما أن القصة كلها مرتبطة بالدفاعات المنصوص عليها باتفاقيات، تماما كما كانت في تركيا وقطر والسعودية والعراق، واليوم في سوريا دون أي اتفاقية أو طلب إذن.
ما نعرفه بالتأكيد أن ليس هناك حربا ضد إيران، وحتى إن حدث فلن تكون الأرض الأردنية منطلقا لها، ولكن الخطر الداهم في أي لحظة وسيهدد أمن الأردن والأمن المدني في سوريا أيضا، لن يكون من عندنا بل من قوات تابعة لدول وحدت في الصراع السوري ساحة مفتوحة للعبث بها ومحاولة تمدد أبعد من حماية النظام السوري، وأي ضرب في اللحمة ما بين الجيش الوطني الأردني وعروبته ووطنيته، ليس سوى ضربا من فشل عقليات لا تزال تعيش في الظلام لإبقاء المعنوية لدى الشعب الأردني في أدنى مستوى لها، وهذا لا يخدم المصلحة الوطنية ولا يعبئ جيوب الباحثين عن خراب الديار الكريمة، فجيشنا تحت أي ظرف سيبقى جيشا باسلا ومدافعا عن ثرى الوطن ويقظاً بعينه التي لاتنام لدفع أي تسلل أو عبث في استقرار وطنكم، الذي وإن ظن علينا بعضهم سيبقى في المآقي وطن الشعب العربي الواحد.
الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2021/07/15 الساعة 02:12