سلْطة المياه.. وأيّ سلْطة
جعفر العقيلي *
أسبوعان من الاتصال ومعاودة الاتصال بخط الشكاوى الموحد التابع لوزارة المياه بشأن عدم وصول المياه إلى بيتي في جرش.
أسبوعان من الرسائل النصّية التي تتضمن كلّ منها رقم شكوى جديدا كل مرة. أما ما الذي يمكن أن تفعله بهذه الأرقام، فلا أحد يعرف. خلّلها مثلا! لأنني حتى اللحظة لم أتلقٌ اتصالا من أي موظف في مكتب سلطة المياه في جرش.
ربما كانت السلطة سلطة بمعناها المطلق. لا يعنيها الاستجابة لشكوى مواطن ولا تأبه له.
المفارقة أن هناك زيارتين قمنا بهما للمكتب إياه.. الأولى قبل تسجيل الشكوى الأولى عبر خط الشكاوى الموحد. والثانية اليوم قبل تسجيل الشكوى الأخيرة.. أي بعد مرور أسبوعين على "اللهاث وراء السلطة".
ورغم أنك تقابل في مبنى المكتب موظفين لخدمة المواطن ومهندسي صيانة وموظفين في الإدارة العليا ومكاتبها، إلا أنك تعود بخفي حنين، إذا ما استثنينا ظفرك برقم الهاتف النقال للمدير الذي لا يرد على الاتصالات ولا يكلف نفسه حتى أن يرسل رسالة من باب المجاملة بأنه سيتصل لاحقا.
طبعا المسؤول له رقما هاتف محنّطان على الموقع الإلكتروني لسلطة المياه. أحدهما خارج الخدمة. والثاني لا يرد أبدا أبدا أبدا. مشاغله كبيرة بالتأكيد. أكبر من إلقاء نظرة تعاطف على مطلب مواطن عادي! يتبرع مدير مكتب مدير الإدارة بوضع رقم هاتفك واسمك على طاولة المدير، أملا في ان يتصل بك بوصفك مواطنا وبوصفه يتلقى راتبه نظير خدمتك. ولا فائدة.
موظف آخر يتبرع بإعطائك رقم أحد مهندسي الصيانة. تكتب له عبر الواتس أب بعد أن تخفق مساعيك في سماع صوته. ثم تسجل له صوتيا وتحذف التسجيل قبل إرساله، تأدّبا. ثم ترسل له تسجيلا صوتيا مجددا لعل قلبه يرقّ وأنت بلا "ماء السلطة" منذ شهرين وأزيد. لكنه لا يتفاعل مع "عطشك"! الموظف الذي تبثه شكواك وانزعاجك في مبنى السلطة يقول إن الحل عند موظف محدد. هذا الموظف لغز هو الآخر. رقمه لا يستجيب أبدا، منذ دهر، رغم أنه يعمل في جهة خدمية بامتياز. هذا الموظف الميداني ليس مهندسا أو خبيرا في السدود. حسبه أن يفتح المحابس لتزويد المواطنين بالمياه كل أسبوعين مرة واحدة ولسويعات محدودات.
ما علينا.
المهم أن موظف المكتب الذي يود أن يساعدك رغم أنه يعرف مسبقا أنك لن تحل مشكلتك يقول لك إن أرقام الشكاوى التي وصلت إليك في رسائل نصية بعد اتصالاتك المتكررة ب"السلطة" يتم تحويلها إلى موظف الميدان.
المهم أنك تغادر مكاتب السلطة وقد قررت أن تضعهم أمام الأمر الواقع. كيف؟ تتخيل مثلا أن تكسر أنبوباً مزوداً للمياه قرب بيتك حتى تفيض المياه بالوديان. لربما تداعوا إلى المكان لإصلاحه. وحينها تغلق الطريق كي لا يغادروا قبل أن يرتوي بيتك العطِش من الماء.
المفارقة أن خط الشكاوى الموحد لا دور له سوى تزويدك برقم شكوى لا يمكن أن تتتبع أمرها -أي الشكوى- في أي مكان. والمفارقة أيضا أنك لا تستطيع التواصل مع أي طرف من الأطراف التي يفترض أن تكون بخدمتك.. وبخاصة أنكم تحتفلون بمئوية الدولة كما يصرٌ التسجيل الصوتي الآلي على تذكيرك بينما أنت تنتظر أن يرد عليك أحد موظفي تسجيل الشكاوى (وهم بالمناسبة مهذبون ويتحملون انفعال المواطن وضيقه بما يجري).
نعم. مئوية الدولة. ولأنها مناسبة بهذا الحجم.. أقترح على رئيس الوزراء أن يجرب تسجيل شكوى مستخدما رقم هاتف لا يشير إليه. لربما مرّ بما مررنا به وشعر هو وطاقمه الوزاري بما يشعر به مواطن عادي بلا امتيازات! وأخيرا.. حين تفكر بالشكوى على سلطة المياه لا تجد سبيلا إلى ذلك. ولا باب مفتوحا أمامك. ألم أقل لكم إنها "سلطة" عن حق وحقيق.
* كاتب وصحفي أردني
وتاليا صورة معبرة للشكاوى وأرقامها