العرب وإيران.. متى يحلان معضلة الجِوار والتاريخ؟
لماذا لم يستطع العرب والإيرانيون تجاوز آثار قرون من الريبة والشك والدماء، رغم التجاور الذي يفترض أن يغير المسار نحو مسار جديد عنوانه المصالح بين الدول والشعوب؟.
هل إيران الفارسية هي ذاتها إيران المذهبية بالنسبة للعرب؟ الإشكالية صعبة مليئة بالعُقد التي تحتاج إلى تفكيك يستبعد رواسب تجاوزها الزمن ويعترف بحقائق يفرضها الحاضر والمستقبل.
في البحث عن أسباب الخلاف بين إيران والعرب هناك عوامل ذاتية من صنع الطرفين، وعوامل خارجية تؤجج الخلاف وتغذيه لضرب أي تعاون بين أُمتين تحتلان مواقع استراتيجية وثروات هائلة، ترفعهما إلى مصاف الدول التي تشارك في صنع القرار الدولي وتقرير مصير ومسار دول الإقليم بالذات، وهنا تبرز خطورة مثل هذا التعاون بالنسبة لكيان دخيل زُرِعَ في قلب المنطقة، ليكون حارس مصالح الدول الاستعمارية ذات الأطماع الدائمة والرغبة بالتحكم بالعالم انطلاقاً من مبدأ الحفاظ على التفوق والقيادة.
العرب من جانبهم لا يريدون من إيران سوى حسن الجوار واثبات حسن النوايا ويسعون للحصول على الأمن والأمان بشتى الوسائل، لكن سعيهم لتحقيق هذا الهدف ينتهج أسلوب الكسالى الذين ينتظرون من الغير أن يدافع عنهم أو يتوسلون مصدر الخطر لكف شره عنهم، دون ان يكلفوا انفسهم العمل لتأمين قوتهم الذاتية اعتماداً على الثروة التي بين أيديهم.
إن مثل هذا السلوك في السعي للحصول على الأمان والاطمئنان لا يحقق الهدف بل يوقع أصحابه في الارتهان إلى الخارج وقبول شروطه والبقاء في حالة من القلق والضعف واستلاب الإرادة الوطنية الى ما لا نهاية.
المشهد بهذه المكونات والعناصر يُعجب طرفاً واحداً له مصلحة في بقائه على حاله، هذا الطرف المستفيد لا يتوقف عن تأجيج الصراع بين العرب وإيران، اللذين رغم معرفتهما بما يضمره الكيان الصهيوني لهما من شرور، لم يتقدما وبكل أسف بخطوة واحدة لإنهاء اللعب على خلافاتهما واستغلالها بأبشع تعابير الأفعال والأقوال الضارة بهما أولاً وآخراً.
إن إعادة نظر الإيرانيين والعرب لبعضهما بعضا من زوايا مختلفة ومواقف تخالف المواقف السابقة التي كلفت الطرفين ضحايا وخسائر منعتهما من التقدم نحو الحياة الأفضل لشعوبهما، قد تكون مهمة لسحب البساط من تحت أقدام الأعداء المستفيدين من بقاء الصراع والعِداء قدراً لا إنفكاك منه ومن ويلاته.
كما إن إعادة تقييم العلاقة من منظور مراعاة كل طرف لمصالح الآخر التي لا تتعارض مع مصالحه هو ما يجب البدء به للخروج من دوامة العِداء والاتهامية.
على العرب أن لا ينضموا الى الدول المعادية لإيران بسبب سعيها لامتلاك سلاح نووي أو صواريخ باليستية بعيدة المدى طالما أن دولة الكيان الصهيوني عدوهم التاريخي يسعى كل يوم لتطوير أسلحته وامتلاك كل أنواع أسلحة الدمار الشامل الموجهة ضدهم كما يعلن هو دون مواربة أو إخفاء، وعلى إيران بالمقابل طمأنة العرب بشكل صريح وواضح بإعلان عدم استهداف دولهم والكف عن التدخل بشؤونهم الداخلية بحجة الدفاع عن معتنقي المذهب الشيعي، ولا مجال أمام إيران سوى الإقرار بأن المواطنين في الدول العربية هم عرب بغض النظر عن كونهم من أتباع المذهب السُني أو الشيعي، وهم بالتالي يخضعون لأنظمة وقوانين الدول التي ينتمون إليها، وإن استمرار إيران باعتبار نفسها مسؤولة عن الشيعة في أي مكان في العالم، يعطي المبرر لدولة الكيان الصهيوني التي تعتبر نفسها مسؤولة عن اليهود أيضاً في أي مكان في العالم، وترسيخ وشرعنة انموذج الدول التي تقوم على مبدأ الدين لا على مبدأ القومية وحق الشعوب في إقامة دولها على أراضيها التاريخية.
إن استمرار التدخل الإيراني في الشأن الداخلي لعدد من دول الجوار العربي ينبئ بأن سياسة الهيمنة على مقدرات هذه الدول والعبث بمكوناتها ما زال أحد ثوابت الدولة الإيرانية الذي يشكل العائق الأكبر أمام تحسن العلاقات بين كل العرب وليس بين الدول المتضررة مباشرة من هذه النوايا فقط.
آن الأوان لإيران أن تدرك أن استعادة مفاتيح الأبواب المغلقة في وجه التعاون بينها وبين العرب من يد الأجنبي إلى أيدي أصحاب الدارين الجارين التاريخيين تحتاج إلى خطوات شجاعة من كلا الطرفين ولا سيما من الجانب الإيراني الذي يجب أن تكون البداية من عنده، دون ذلك سيظل الطرفان تحت مطرقة التهديد والاستغلال الخارجي.
فتح صفحة جديدة اليوم يبدأ بخطوة أو كلمة أو حتى ايماءة، ثم تنطلق المسيرة، أما العتاب والحساب فإن أُعتُمِدَ كمقدمة وشرط لبناء المستقبل فلن يوصل الى حل بل سيعمِّق الخلاف بالنظر لعمق الجرح الذي احدثه كل طرف في جسد الطرف الآخر لأسباب معروفة يفترض أن يتجنب الطرفان الوقوع في شباكها مرة أُخرى.
الرأي