الصيدلاني الحاذق
كتب: بلال حسن التل
كلما برزت الحاجة إلى المسؤول صاحب الرأي القادر على المواجهة برز اسم دولة الدكتور عبد الرؤوف الروابدة،الرجل الذي لا يستطيع المرء المنصف إلا أن يرفع القبعة له، كلما استمع إليه محاضراً أو محاوراً، ففي كل مرة يتعزز لدى المستمع أنه أمام قامة جمعت بين ثراء التعليم، وثراء الثقافة، وثراء التجربة في العمل الرسمي، وثراء العمل في القطاع الأهلي، ممزوجاً ذلك كله بالجرأة اولا وبعلم الصيدلاني الحاذق الذي يعرف قيمة الملغرام من مكونات الدواء الذي يركبه ثانيا. لذلك فانه
في احاديثه لا يكتفي الروابدة بتشخيص مانعاني منه من "أدواء" بل يصف وببراعة الصيدلاني الخبير الدواء الشافي لكل داء من هذه الأداء، فعندما يتحدث عن مشكلات الإدارة الأردنية لا يتردد بأن يضع أصابعه على مواطن أدواء هذه الإدارة، وأن يقول وهو الأكاديمي العريق، الذي تخرج بتفوق من الجامعة الأمريكية قبل أن يولد الكثيرين مما يتباهون علينا بأسماء الجامعات التي تخرجوا منها، ليتمترسوا خلف هذه الأسماء فيمارسون علينا التنظير في الفراغ الذي انعكس تدميراً للإدارة الأردنية، أقول أن دولته لا يتردد بالقول أن "الأكاديميا" المجردة من التجربة صارت سبباً رئيساً من أسباب خراب إدارتنا العامة، التي توسدها وقد سمعته في احد حوارته يقول "من ليس أهلاً لها، وبات يتحدث بالإدارة أكاديمي تخرج في جامعات بالخارج، بالرغم من أن الأكاديميا ضرورة واجبة، لأنها تعلمنا الأسس الحقيقة، ولكن ترجمتها إلى واقع الناس يحتاج إلى التعامل مع الناس" وعندي أن المزج بين الأكاديميا والتعامل مع الناس هو سر تفوق الإدارةالأردنية الذي صنعه البناة الأوائل ومن سار على دربها، كخليل السالم ووصفي التل وقاسم الريماوي ويعقوب أبوغوش وعبد الرؤوف الروابدة وعلي السحيمات وغيرهم من أعلام الإدارة الأردنية التي كانت نموذجاً على مستوى المنطقة.
في حديثه عن الإدارة الأردنية، وأسباب انهيارها يضع الروابدة أصبعه على الأدواء الحقيقة التي صارت تعاني منها هذه الإدارة، وأولها الهبوط بالمظلات على قمم مؤسساتها من قبل الذين لم ينموا في داخلها، مثلما أشار إلى خطر المؤسسات المستقلة وما تمثله من عبء مالي على الدولة، وكيف صارت دولة داخل دولة، عندما نالت ما يشبه الحكم الذاتي، مثلما أشار اكثر من مرة إلى وصولنا لمرحلة الرعب الإداري إذا أصبح ولاء القائد الإداري لأكثر من جهة، وما نجم عن هذه الحالة من عجز عن اتخاذ القرار، أو عدم معرفة مصدر القرار المتخذ.
ومثلما يحلق الروابدة في تشخيصه لواقع الإدارة الأردنية وأدوائها وأدويتها، فإنه يفعل ذلك عندما يتحدث عن الانتخابات النيابية واحتمالاتها، ورأيه فيها بعقلية المشرع والخبير الدستوري وصاحب التجربة العملية الطويلة في الانتخابات والعمل البرلماني.
على أن اهم مايميز الروابدة جرأته في قول المسكوت عنه بوضوح وصراحة.
طويلة ومتشعبة قائمة حوارات الروابدة فمن صفقة القرن إلى الديمقراطية والبرلمان إلى الإدارة المحلية ولكنه في كل الأحوال ممتع ليس لأسلوب الروابدة الرصين في الحديث فقط، بل لأنه يضعك أمام تجربة وطنية ثرية يمكن لمن أراد أن يتعلم منها ان ينهل الكثير, وهي تجربة تؤكد أن في بلدنا رجالاً قادرين على تحمل المسؤولية.
Bilal.tall@yahoo.com