تأثير الثقافة الرقمية على الأطفال والتعليم

مدار الساعة ـ نشر في 2021/06/22 الساعة 14:20
مدار الساعة - ساهم استخدام الواسع للتكنولوجيا الالكترونية الجديدة في إيجاد أساليب جديدة لأنماط حياة جديدة بعد أفول الثقافات التقليدية، وصعود و بلورة معطيات ثقافية جديدة أصبح يطلق عليها الثقافة الرقمية، خاصة وأن ثقافة الجيل الجديد بلغت من التعقيد إلى أن أصبحت متعددة المشارب والمفاهيم، ومتفرعة إلى أطر تحكمها عوالم افتراضية، بفعل تكنولوجيا الاتصالات الرقمية تحت مسمى صناعة الثقافة. فما هو تأثير الثقافة الرقمية على الأطفال والتعليم؟ يشهد العالم تحولا رقميا في الحياة بشكل عام، غير الكثير من المشهد الاجتماعي والثقافي والاقتصادي الحديث في الصحة والتعليم والأمن الإعلام..الخ، ومس كل فئات المجتمع بدون استثناء: الصغير والكبير، المتعلم وغير المتعلم، الرجل والمرأة، المثقف وغير المثقف..وجاء ظهور فيروس كورونا ليزيد هذا المشهد انتشارا وتعميما. لذلك دعت الحاجة بأن تكون الثقافة الرقمية محور الاهتمام ومن ضمن الأولويات التي توليها المؤسسات في المجتمعات المختلفة، وذلك من أجل نشر الوعي التقني والاستخدام الأمثل لتلك التقنية في تيسير المهام والعمليات وتقديم الخدمات للمستفيدين بكل جودة وإتقان. وفيما يلي بعض ملامح تأثير الثقافة الرقمية على الأطفال والتعليم. الثقافة الرقمية والأطفال في الوقت الذي تحتوي فيه شبكة الإنترنت على كل ما يريده المستخدم، فإنها في المقابل أيضا تحوي الكثير مما قد لا يريده. وانطلاقا من الأولوية التي توليها العديد من الدول في العالم لقضية السلامة على الإنترنت، فقد ألزمت مؤسساتها المعنية بقطاع الاتصالات بمساعدة الأشخاص في الاستخدام الآمن للإنترنت، مع التركيز بشكل خاص على الأطفال، فعملت مع المدرسين وأولياء الأمور لتثقيفهم حول كيفية حماية سلامة أبنائهم على الإنترنت مع عدم إغفال فضول هؤلاء الأطفال لاستخدام الإنترنت والاستمتاع بما يقدمه. وأطلقت هذه المؤسسات العديد من برامج السلامة التي شكلت مصدرا وموردا ثريا يزخر بالمعلومات والإرشادات والتنبيهات الخاصة بكيفية حماية الأطفال وضمان سلامتهم على الإنترنت، إذ وفرت مجموعة من الألعاب التعليمية والتثقيفية والنصائح وأحدث المعلومات الخاصة بمساعدة أولياء الأمور والمعلمين في قضية حماية الأطفال من المخاطر التي قد تواجههم على شبكة الإنترنت مثل التعدي الإلكتروني، والمواد الغير لائقة، إلى غير ذلك من كافة أشكال الجرائم والانتهاكات الإلكترونية. يحدث هذا في الوقت الذي أصبح فيه الناس يتسابقون على اقتناء الأجهزة الحديثة، والارتباط بالرقميات المعاصرة، كمظهر من مظاهر ما وصلت إليه البشرية من تطور وتقدم في المعلومات، فلم يعد أي عنصر في البيت، صغيرا كان أو كبيرا، يستطيع التخلي عن جهاز رقمي خاص به، وقد يتعدى الأمر لأكثر من جهاز. وهو أمر غير مستغرب، بل المستغرب في هذا العصر، من يعيش في أوج هذه الثورة العلمية وهو غير مبال بوجودها، ولا مرتبط بتعقيداتها ولا بتسهيلاتها. لكن الحديث عن قرار اقتناء هذه الأجهزة، يقودنا أيضا إلى الحديث عن إيجابياتها وسلبياتها خاصة ما يتعلق بسوء توقيت اقتناء هذه الأجهزة والرقميات على المستوى الفردي مثلا، كاقتناء الأطفال لبعض الأجهزة التي لا تتوافق مع سن الطفولة. حيث يكاد الأمر يخرج عن السيطرة من تغليب للعاطفة والخمول على المسؤولية تجاه الطفل، فيأتي المردود السلبي لهذه اللامبالاة في أرقمة الاستخدام، فحين نتحدث عن أجهزة رقمية وتقنيات حديثة، فكذلك ينبغي لنا تهيئة “البيئة العقلية” لنضع تلك التقنيات في مواضعها الصحيحة، حتى لا قد يساء استخدامها فيصير ضررها أكبر من نفعها، وربما يكون هذا الضرر على الفرد أكثر منه على الشركات والدوائر والإدارات، فهذه الشركات والإدارات تقل فيها عشوائية الاستخدام إلى درجة كبيرة نظرا لما عندها من استعداد ودراسات ومتخصصين يؤطرون العمل الرقمي والتقني في لوائح ونظم تحفظ الحقوق وتحمي المستخدمين إلى حد كبير. ويسلط أدريان ميلز، وهو مدير الأعمال والتخطيط في هيئة الاذاعة البريطانية للأطفال “BBC Children”، الأضواء على “CBeebies” و”CBBC” التابعة للبي بي سي “BBC” كأمثلة على نوعية المحتوى الرقمي التي يمكن أن تساعد على تعزيز الثقافة الرقمية بين أوساط الشباب. وهو يشجع الآباء على عدم الافتراض أن أبناءهم هم على دراية بالرقمية فقط لأنهم يعلمون استخدام بعض الوسائط التكنولوجية. ويضيف ميلز: “قد يفهمون ما هية التكنولوجيا، ولكنهم ليسوا على دراية بتوابعها مثل إدراج محتوى على شبكة الإنترنت. يمكننا إيجاد أوساط آمنة للأطفال على شبكة الإنترنت، إلا أنه يتوجب على الأهل والمعلمين تعليمهم مهارات استخدام تلك الوسائط بشكل آمن”. وترى تيسا جولز، وهي رئيسة مركز الثقافة الإعلامية، الثقافة الرقمية على أنها شيء يستلزم تدريسه للأطفال في المدارس، وتساعد منظمتها في إيجاد نهج وطرق لتعليم المعلمين حول الكيفية التي يمكن بها تناول الموضوع”. وتضيف جولز: “نريد التلاميذ على أن يتعلموا طرق البحث والاستكشاف”. وفي المناهج الدراسية التي وضعها مركز الثقافة الإعلامية، كان التركيز على تعليم الأطفال طرح الأسئلة الخمسة التالية: من الذي أوجد هذه الرسالة؟ ما هي الطرق المبتكرة التي تم استخدامها لجذب الانتباه؟ كيف يمكن للأشخاص المختلفين فهم هذه الرسالة بطرق مختلفة؟ ما هي المزايا وأنماط الحياة ووجهات النظر الموجودة، أو التي تم حذفها من هذه الرسالة؟ لماذا تم إرسال مثل هذه الرسالة؟ الثقافة الرقمية والمنظومة التعليمية عندما نتحدث عن الثقافة الرقمية التعليم، يجب أن نهمل الأساس الأول الذي شكل ثقافة تلاميذنا وطلابنا ومجتمعنا عموما قبل ظهور العالم الرقمي وظهور ثقافته، ونقصد به الثقافة المكتوبة أو المطبوعة، فالكتاب بأنواعه المختلفة وبتخصصاته المتعددة قدم رقيا فكريا وحضاريا. لكن الملاحظ اليوم أن نسبة الثقافة المكتوبة قد تضاءلت بشكل لافت للانتباه فثقافة المطالعة كقيمة معرفية وإنسانية تشهد تراجعا مؤلما في نسبة القراءة بين الكبار والصغار بشكل خاص، كما تعاني المجتمعات عامة من قلة الوعي والتثقيف لأهمية القراءة والمطالعة، وقد أقر بهذا باحثون ومختصون في كل أرجاء العالم، حيث أشار الكثير من الباحثين وعلماء الاجتماع إلى أن علاقة الطفل بالكتاب أصبحت علاقة مخيبة للآمال ومحبطة، لا بل تكاد تكون ثقافة معدومة”. والسبب في ذلك دون أدنى شك هو سيطرة الثقافة الرقمية بكل ما تحويه من إيجابيات وسلبيات على فكر وسلوك الأطفال والشباب، فأصبحت تشكل إدمانا رهيبا لم يعد بإمكان هذا المتلقي التخلص منه، و”المدمن عبر الإنترنت لن يستطيع التوقف عنه، وذلك لأنّه علق في مصيدة الإدمان.. ورغم أن تأثير ذلك قد يكون فظيعاً على حياة المدمن، فإنّه لا يستطيع التوقف عن ممارسته الإدمانية”. ولكن مهما كانت السلبيات، فنحن أمام ظاهرة صحية هي الثقافة الرقمية، التي أصبحت ضرورة في عصر يطلق عليه العصر الرقمي قاد المجتمعات إلى تطورات كبيرة في مجالات مختلفة. وفيما يلي إيجابيات هذه الثقافة الرقمية عند التلميذ والطالب باعتبارهما صورة للمنظومة التعليمية والتربوية. التحام التلميذ والطالب بالثقافة الرقمية التحاما وثيقا، لأن هذه الثقافة في تطور سريع وتقدم يوميا مكتسبات جديدة. توسيع خبرات المتعلِّم وتذليل له طريق لبناء المفاهيم، فيتجاوز بذلك الحدود الجغرافية المكانية والزمنية تنويع المتعلِّم في معلوماته فعالم الثقافة الرقمية مفتوح أمامه على مصراعيه و الإنترنت يسهل الحصول على المعلومات حول جميع المواضيع. يستفيد الأطفال والراشدون إلى درجة كبيرة من الإنترنت، وذلك على مستوى التعليم والتعلُّم، بالإضافة إلى كونه وسيلة ترفيهية رائعة. ومن خلال نسبة المتعلمين الذين احتكوا بهذا العالم الافتراضي احتكاكا إيجابيا، اتضح تنوع معارفهم، فهم غير مرتبطين بحقل معرفي واحد، وهذا التنوع قد سمح بخلق جو من الحيوية والنشاط في قاعة الدرس، لكن اتضح أن العملية التعليمية لا تقوم على المتعلِّم فقط، بل تتأسس مع المعلِّم أيضا، الذي يعيش هو الآخر عصر العولمة، فإذا أسّس معارفه الأولى من الثقافة المكتوبة، فعليه أن يطوّر معارفه هذه ويُنوعها من خلال تواصله مع جديد الثقافة الرقمية.. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل يمكن أن يُلغى التعليم النظامي ويُعوض بالتعليم الإلكتروني، فالكثير من الدراسات التربوية اليوم تُشيد بالنوع الثاني للإيجابيات المرتبطة به، و”من إيجابيات هذا النوع من التعليم حصول المتعلِّم على تغذية فورية والاستغناء عن الذهاب لمقر الدراسة”؛ لكنّنا مع الأسف مازلنا بعيدين جدّاً عن تمثيل هذه الحضارة، والسبب هو استمرارية تقديم الدروس بالطُّرُق التقليدية. الثقافة الرقمية وكورونا كان ظهور وباء كورونا الحدث الأكثر هيمنة على العالم خلال السنتين الأخيرتين، والأكثر تأثيرا على عادات البشر في كل الأمكنة الأزمنة، وأكدت الفعاليات الثقافية في العالم، من خلال الجلسات الافتراضية وغيرها من البدائل، أهمية كبيرة في مواجهة أزمة كورونا، التي تركت آثارها السلبية الواسعة على مختلف مجالات الحياة في العالم، وقد أثبتت المواقع الإلكترونية فوائدها كوسائط اجتماعية بديلة عن اللقاءات المباشرة في الحوار وتبادل الآراء. ولا أحد يشكك اليوم في تأثير الثقافة الرقمية على الأطفال والتعليم الذي تتعرض له المجتمعات في العالم أثناء تفشي وباء كورونا الذي غير كل الموازين. وتجاوزت منصات الحوار والتبادل الثقافي في العالم كل التحديات بفضل المبدعين من كتاب وفنانين وقراء، الذين شكلوا خطوطا خلفية فاعلة في المشهد الفكري والاجتماعي، داعمة لخط الدفاع الأول في مجال التعليم والطب والرعاية الصحية. ولا تزال العديد من الدول في العالم تواصل العمل في كل المجالات الثقافية والفكرية التي تترك آثارها الإيجابية في جميع مناحي الحياة. وشكل هذا الوضع الخاص الذي عاشه العالم بسبب تفشي وباء كورونا مفهوما جديدا للثقافة الرقمية أدى في الأخير إلى تسيير هذه المرحلة الانتقالية بشكل ملائم اصة في مجال التعليم وقطاع الخدمات، كما أدى أيضا إلى استعراض أبرز التجارب التي نجحت، عربيا وعالميا، في الإفادة من الثورة الرقمية في تسويق وترويج المناهج الثقافة. وفي العموم فقد وضعنا فيروس كورونا أمام مرآة عاكسة لحقيقة المجتمعات التي تعودت على الاستهلاك وعدم التفكير أو الاكتفاء باجترار ما توصل إليه مفكرون لقرون خلت. ربما يكون هذا الفيروس الفرصة لإيجاد فلسفتنا الخاصة حتى تخرجنا من المأزق الفكري والبحثي بعودة مخابرنا لإيجاد تصورات ونظريات جديدة قادرة على تسيير نمط الحياة الجديدة. وفي المحصلة، فالجميع مطالبون للمشاركة في إنشاء وتهيئة مجتمع وأجيال تتعامل مع الثورة التقنية بعقلية مستوعبة لعظمة مثل هذا الجهاز الصغير الذي نقلبه بين أصابعنا، حتى يتم – على الأقل – التقليل من حدة تأثير الثقافة الرقمية على الأطفال والتعليم ، و لتكون الثقافة الرقمية ليست مجرد امتلاك أحدث الأجهزة، بل هي امتلاك المعلومة وحسن التعامل بها مع أي جديد ينتجه العقل.. إلا نفعل تكن فتنة وفساد كبير.. هذا، والله من وراء القصد. المصدر : مصادر متعددة
مدار الساعة ـ نشر في 2021/06/22 الساعة 14:20