في رحيل أبوخالد ورثاء الفن الشعبي

مدار الساعة ـ نشر في 2021/06/19 الساعة 09:53
يوم أمس رحل أبوخالد عبد الرحمن الخطيب مؤسس وأيقونة فرقة معان للفنون الشعبية الذي كنا نراه هذا الشخص الممتلئ الوزن وهو يدبك الدبكة المعانية ويتراقص بالسيف بخفة غزال، وكان يطرب المدرجات في احتفالات المملكة في مناسباتها الوطنية.
أنا من هذا الجيل الذي تفتحت عيونه دائما على الغناء الشعبي والفلكلور، وربما كانت فترة الثمانينات والتسعينات فترة زاخرة لنشوء فرق شعبية وطنية تمثّل الفلكلور الأردني شماله ووسطه وجنوبه، فرقة معان وفرقة الفحيص وفرقة الرمثا، وشكلّت تلك الفرق علامة بارزة في إعادة إحياء الموروث، من الغناء الأردني المحلي والدبكات والرقصات، من الهجيني والحداء والجوفية والمعانية والتراويد والدرازي، والتي تضجّ بها القرى والبوادي الأردنية، سيما أن كل فرقة كانت تشكل لونا مختلفا في النسيج المتنوع للثقافة الأردنية.
من قال إن هذه الفرق والتي كانت تجد الدعم من الهيئات الرسمية الداعمة للثقافة، ترفٌ بل كانت تعبر عن الهوية الوطنية، وشكّل مهرجان جرش في بداياته في الثمانينات فرصة لبث إبداعاتهم، وما زلت أذكر كاتبنا محمود الزيودي -أطال الله عمره- عندما كان يرأس قسم الفنون الشعبية في وزارة الثقافة وهو يلبس عباءته ويقف في الساحة الرئيسية في مهرجان جرش ويشرف على عروض الفرق الأردنية.
اليوم وفي تراجع اهتمام الدولة في الثقافة بشتى أنواعها وبالدعم الهزيل الذي يقدم، إختفت وإنقرضت تلك الفرق الشعبية، لم نعد نسمع بفرفة معان ولا فرقة الفحيص، ربما فرقة الرمثا ما زالت تكافح العيش والبقاء وفرقة نادي الجيل للفلكلور الشركسي، وإتجهت مؤسسات لتأسيس فرق خاصة بها مثل أمانة عمان والملكية الأردنية، ولكن تلك الفرق ليس لها خصوصية فنية أو لون شعبي مثل الفرق السابقة، وأصبحت تعيد نفس الرقصات وتغني كل الأغاني دون أي إشارة للون معين، وبالمناسبة التخصص في اللون الفني ليس عيبا نخجل منه أو أن هناك من يرى أنه يمثل هوية فرعية، بالعكس هذا تمازج فني يُغني التنوع التي اتسمت بها الهوية الثقافية الأردنية.
الاهتمام الرسمي مطلوب في الفرق الشعبية والأغنية المحلية والتي تعبّر عن الثقافة الوطنية، ولا بد من ذكر جهد الصديق الروائي رمضان الرواشدة الذي شكّل لجنة إبان تسلمه إدارة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون لجمع موروث الغناء الأردني وإعادة إنتاجه وعهد بها للراحل حبيب الزيودي والذي إنتهى هذا المشروع برحيله.
في تكريم الدولة للشخصيات الرواد ومنحهم وسام مئوية الدولة، كان رواد الثقافة هم الأقل رغم مساهمة هذا القطاع في تشكيل وصياغة هوية الدولة طوال مئة عام، حيث تم تكريم ثلاثة شعراء ومطربة واحدة وثلاثة فنانين فقط من أصل أكثر من ٣٠٠ شخصية تم تكريمها، ربما يعبر هذا الرقم عن زهد الدولة في صنّاع ثقافتها.
ما زالت القرى والبوادي وصدور كبار السّن عامرة بالغناء والتراث الشعبي الأصيل، والذي يحتاج جهدا ودعما لجمعه والإهتمام به من قبل وزارة الثقافة ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون وكليات الفنون في الجامعات والدائرة الثقافية في أمانة عمان، وما رحيل أبوخالد المعاني وما كتب عنه والذي يعبّر عن قيمته في نفوس الناس، إلا ناقوسا يقرع من جديد يوقظنا عند رحيل أحد الرواد ثم نعود للسبات من جديد.
مدار الساعة ـ نشر في 2021/06/19 الساعة 09:53