ثقافة الحكومة البرلمانية
مدار الساعة ـ نشر في 2021/06/17 الساعة 02:39
كد جلالة الملك خلال لقائه أعضاء اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية على ضرورة أن يكون الهدف النهائي من عملية التطوير السياسي الوصول إلى حكومات برلمانية وحياة حزبية تعزز مسيرة الأردن الديمقراطية. ولهذه الغاية، ستعمل اللجان الفرعية المنبثقة عن اللجنة الملكية على اقتراح التعديلات الدستورية والتشريعية المناسبة التي تضمن البدء في عملية الانتقال الديمقراطي من تعيين الحكومات، إلى اختيارهم من ممثلي الأحزاب السياسية الذين سيصلون إلى السلطة التشريعية من خلال صناديق الاقتراع.
وقد شاءت الأقدار أن تتصادف رؤى وأفكار جلالة الملك الإصلاحية مع واقعة دستورية هامة حصلت في بريطانيا قبل أيام، حيث هاجم رئيس مجلس العموم المنتخب ليندسي هويل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بسبب تجاوزه البرلمان وإدلائه بتصريحات حول تأجيل عودة الحياة إلى طبيعتها إلى الصحافة البريطانية. فقد تم توجيه اللوم والانتقاد الشديد للرئيس جونسون بسبب تجاهله البرلمان الذي يمثل الشعب البريطاني، وإعلانه عن تغيير الموعد الزمني المقترح لفتح القطاعات التجارية إلى الصحافة البريطانية قبل مجلس العموم المنتخب.
واللافت للأمر أن من أثار هذه الواقعة هم نواب من حزب المحافظين الحاكم الذي ينتسب إليه الرئيس جونسون. وهذا ما يعزز من المبدأ الدستوري بأن معارضة الحكومة البرلمانية تبدأ من أعضاء الحزب أنفسهم، وبأنهم الأحرص من حزب المعارضة وحكومة الظل على الالتزام بالأصول الدستورية التي تحكم علاقة الحكومة المنتخبة بالمجلس النيابي، وذلك من أجل ضمان بقائهم في السلطة.
إن هذه الحادثة تؤكد على أن الحكومة البرلمانية هي ثقافة وفهم دستوري عميق أكثر منها نصوص قانونية وتشريعية تلزم الحاكم باختيار رئيس الحزب الفائز في الانتخابات رئيسا للوزراء. فروح الحكومة البرلمانية قائمة على أساس احترام السلطة التنفيذية للنواب المنتخبين، الذين اختارهم الشعب ممثلين عنهم ليمارسوا السلطة باسمهم ونيابة عنهم.
إن روح وثقافة الحكومة البرلمانية غائبة تماماً في المنظومة الدستورية الأردنية. فحتى في ظل الوضع البرلماني السائد القائم على أساس الفردية في العمل وغياب العمل الكتلوي والحزبي، فإنه يجب أن لا يغيب عن بال السلطة التنفيذية بأن النواب هم ممثلو الشعب الذين جرى اختيارهم في انتخابات يلزم الدستور الوطني إجراءها في مواعيد محددة، وبأن التمثيل الشعبي يجب أن يُحترم بصرف النظر عن أي اتهامات أو تأويلات حول نزاهة العملية الانتخابية. فالسيادة للأمة وهي مصدر السلطات في الدستور الأردني.
إن الرقابة السياسية التي تثبت لمجلس النواب على الحكومة في النظام النيابي يجب أن لا تُفهم على أنها مجرد توجيه الأسئلة والاستجوابات وطرح الثقة برئيس الوزراء والوزراء، بل أن نطاقها يمتد ليشمل التأكيد على احترام كينونة مجلس النواب، وبأن السلطة التنفيذية يجب أن لا تعمل بمعزل عنه، وأن لا تتجاهله فيما تصدره من قرارات تتعلق بإدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية.
إن تنمية ثقافة الحكومة البرلمانية لا تقل أهمية عن صياغة قواعد قانونية ودستورية تضع قيودا على اختيار رئيس الوزراء في السلطة التنفيذية. فالنصوص ذات الصلة تبقى جوفاء ما لم يقابلها فهم عميق لمدلولاتها الدستورية.
أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com
الرأي
وقد شاءت الأقدار أن تتصادف رؤى وأفكار جلالة الملك الإصلاحية مع واقعة دستورية هامة حصلت في بريطانيا قبل أيام، حيث هاجم رئيس مجلس العموم المنتخب ليندسي هويل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بسبب تجاوزه البرلمان وإدلائه بتصريحات حول تأجيل عودة الحياة إلى طبيعتها إلى الصحافة البريطانية. فقد تم توجيه اللوم والانتقاد الشديد للرئيس جونسون بسبب تجاهله البرلمان الذي يمثل الشعب البريطاني، وإعلانه عن تغيير الموعد الزمني المقترح لفتح القطاعات التجارية إلى الصحافة البريطانية قبل مجلس العموم المنتخب.
واللافت للأمر أن من أثار هذه الواقعة هم نواب من حزب المحافظين الحاكم الذي ينتسب إليه الرئيس جونسون. وهذا ما يعزز من المبدأ الدستوري بأن معارضة الحكومة البرلمانية تبدأ من أعضاء الحزب أنفسهم، وبأنهم الأحرص من حزب المعارضة وحكومة الظل على الالتزام بالأصول الدستورية التي تحكم علاقة الحكومة المنتخبة بالمجلس النيابي، وذلك من أجل ضمان بقائهم في السلطة.
إن هذه الحادثة تؤكد على أن الحكومة البرلمانية هي ثقافة وفهم دستوري عميق أكثر منها نصوص قانونية وتشريعية تلزم الحاكم باختيار رئيس الحزب الفائز في الانتخابات رئيسا للوزراء. فروح الحكومة البرلمانية قائمة على أساس احترام السلطة التنفيذية للنواب المنتخبين، الذين اختارهم الشعب ممثلين عنهم ليمارسوا السلطة باسمهم ونيابة عنهم.
إن روح وثقافة الحكومة البرلمانية غائبة تماماً في المنظومة الدستورية الأردنية. فحتى في ظل الوضع البرلماني السائد القائم على أساس الفردية في العمل وغياب العمل الكتلوي والحزبي، فإنه يجب أن لا يغيب عن بال السلطة التنفيذية بأن النواب هم ممثلو الشعب الذين جرى اختيارهم في انتخابات يلزم الدستور الوطني إجراءها في مواعيد محددة، وبأن التمثيل الشعبي يجب أن يُحترم بصرف النظر عن أي اتهامات أو تأويلات حول نزاهة العملية الانتخابية. فالسيادة للأمة وهي مصدر السلطات في الدستور الأردني.
إن الرقابة السياسية التي تثبت لمجلس النواب على الحكومة في النظام النيابي يجب أن لا تُفهم على أنها مجرد توجيه الأسئلة والاستجوابات وطرح الثقة برئيس الوزراء والوزراء، بل أن نطاقها يمتد ليشمل التأكيد على احترام كينونة مجلس النواب، وبأن السلطة التنفيذية يجب أن لا تعمل بمعزل عنه، وأن لا تتجاهله فيما تصدره من قرارات تتعلق بإدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية.
إن تنمية ثقافة الحكومة البرلمانية لا تقل أهمية عن صياغة قواعد قانونية ودستورية تضع قيودا على اختيار رئيس الوزراء في السلطة التنفيذية. فالنصوص ذات الصلة تبقى جوفاء ما لم يقابلها فهم عميق لمدلولاتها الدستورية.
أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com
الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2021/06/17 الساعة 02:39