بين لجنتي تحديث المنظومة السياسية والحوار الوطني

مدار الساعة ـ نشر في 2021/06/15 الساعة 01:50

تباينت ردود الأفعال السياسية والشعبية على قرار تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، حيث رحّب البعض بالفكرة واعتبرها خطوة مهمة في مسيرة الإصلاح، في ظل الضمانات التي قدمها جلالة الملك بأن حكومته الدستورية ستتبنى التوصيات النهائية، وبأن هناك إطاراً زمنياً معيناً لعمل هذه اللجنة.

في المقابل، فقد استنكر البعض العودة إلى أسلوب الحوار، معتبرين أن ما سيخرج عن هذه اللجنة من مقترحات ستبقى حبيسة الأدراج، ومستحضرين في هذا السياق تجربة لجنة الحوار الوطني في عام 2011، التي يدعون بأن توصياتها قد بقيت «حبراً على ورق»، وبأنها لم تر طريقها نحو التطبيق الفعلي.

إن هذه الإدعاءات قد قادتنا للبحث عما قدمته لجنة الحوار الوطني من نتائج نهائية ومصيرها، حيث ثبت أن ما يقال عن «إهمال كامل» لما جرى الاتفاق عليه بين أعضاء هذه اللجنة فيه نوع من المبالغة، إذ أن العديد من التوصيات التي قدمتها لجنة الحوار الوطني قد جرى تنفيذها على أرض الواقع. فعلى صعيد الحقوق والحريات، جرى تنفيذ مقترح لجنة الحوار الوطني بمراجعة التشريعات ذات الصلة بالحق في الاجتماع، إذ تم تعديل قانون الاجتماعات العامة لصالح إلغاء شرط الترخيص والموافقة المسبقة على عقد الاجتماع العام، والاستبدال به نظام الإشعار ا?مسبق المقدم إلى الحاكم الإداري.

وفيما يخص مقترحات تعزيز استقلال القضاء والتقاضي على درجتين التي أوصت بها لجنة الحوار الوطني، فقد جرى تعديل الدستور بالنص صراحة على أن السلطة القضائية مستقلة، وبأن المجلس القضائي ينشأ بقانون يعطيه الاستقلال المالي والإداري الخاص به. كما تم إنشاء قضاء إداري يتيح فرصة الطعن بالأحكام القضائية ذات الصفة الإدارية إلى محكمة إدارية عليا، وإلغاء محكمة العدل العليا التي كان التقاضي فيها على درجة واحدة.

وعلى صعيد تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، فقد تم إقرار قانون الكسب غير المشروع ليحل محل قانون إشهار الذمة المالية، وذلك بناء على التوصية المقدمة من لجنة الحوار الوطني.

وفي المجال الإعلامي، فقد اقترحت لجنة الحوار الوطني إنشاء هيئة لتنظيم قطاع الإعلام تتمتع بالاستقلالية الكاملة لتلقي شكاوى الأفراد ضد ممارسات وسائل الإعلام. وبالفعل، فقد أنشئت هيئة الإعلام بموجب قانون الإعلام المرئي والمسموع رقم (26) لسنة 2015، والتي تختص بموجب المادة (4/ي) منه بالنظر في الشكاوى المقدمة حول المحتوى الإعلامي.

وعلى صعيد قانون الانتخاب، فقد جرى تنفيذ مقترح لجنة الحوار الوطني بإلغاء نظام الصوت الواحد والأخذ بجزء من النظام الانتخابي المقترح، وذلك فيما يخص الدائرة الانتخابية على مستوى المحافظة دون القوائم على مستوى الوطن. مع الإشارة إلى أن مقترح تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب قد جرى تطبيقه في عام 2013 بإصدار نظام جديد للمجلس النيابي.

ويبقى الجزء الأهم من مخرجات لجنة الحوار الوطني التي جرى تطبيقها، تتمثل بمقترحات التعديلات الدستورية المقدمة منها.

فقد وجه جلالة الملك في رسالة تشكيل اللجنة الملكية لمراجعة نصوص الدستور بضرورة الأخذ بتوصيات لجنة الحوار الوطني حول التعديلات الدستورية. وهذا ما تم بالفعل، حيث جرى تضمين مقترحات اللجنة في التعديلات الدستورية لعام 2011، وذلك فيما يتعلق بنقل الاختصاص في النظر في الطعون المقدمة بصحة عضوية أعضاء مجلس النواب إلى القضاء النظامي، وإلغاء الحق الدستوري لجلالة الملك بتأجيل الانتخاب تأجيلاً عاماً، وإدراج الحكم الذي يلزم الحكومة بالاستقالة بعد حل مجلس النواب.

كما تم تعديل الدستور لصالح إلزام كل حكومة جديدة تؤلف بأن تقدم بياناً وزارياً لمجلس النواب، ومراجعة المادة (94) من الدستور ذات الصلة بالقوانين المؤقتة لصالح تحديد حالات الضرورة التي تبرر إصدارها على سبيل الحصر، وأخيراً النص على إنشاء المحكمة الدستورية. وهذه المقترحات جميعها قد قدمتها لجنة الحوار الوطني في مخرجاتها النهائية.

إن الموضوعية العلمية تقتضي بيان الحقائق بصورة كاملة غير مجزأة. ويبقى الخيار لكل فرد في تكوين انطباعه الخاص به من مجريات الأحداث، وذلك ضمن إطار حرية الرأي والتعبير المكفولة في الدستور.

أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية

laith@lawyer.com
الرأي

مدار الساعة ـ نشر في 2021/06/15 الساعة 01:50