عبدالهادي راجي في أجرأ مقالاته: هذا ما سيفعله الملك

مدار الساعة ـ نشر في 2021/06/08 الساعة 00:51

مدار الساعة - خاص - كتب: عبدالهادي راجي المجالي
فيما مضى كنت أحضر الحوارات واللقاءات التي يجريها جلالة الملك مع الصحفيين، وكنا نحاور الملك، وفي كل مرة نرفع سقوفنا أكثر، وفي كل مرة ننتقد حكومات الملك.. وسلوك الأجهزة الأمنيّة، والملك كان يفرد لنا حرية الحديث.. وكان يستمع للكل.
هل سنجلس مع الملك مستقبلاً؟ هل ستوجه لي الدعوة لحضور لقاءات جلالة الملك مع الإعلاميين؟ أنا لن ألوم الديوان إذا لم يقم بدعوتي، لقد تعاطفت مع النائب المفصول في البداية.. اعترف بذلك وأكره أن أبدل أقوالي، ولو بدلت أقوالي لما سجنت كثيراً في حياتي، لكني أصرّ على تحمل كلفة الكلمة.. نعم تعاطفت معه وقلت في داخلي إنه يمثل حالة تحدٍ أردنية..
لكن بعد التصريحات الأخيرة، أعيد السؤال على نفسي: ماذا سأقول للملك إذا جلسنا مرة أخرى في حضرته؟ هل أقول إنني تعاطفت مع رجل يريد توجيه رصاصة بين عيونك؟.. هل أكذب وأقول أن الناس فهمتني بالخطأ في محاولات تبرير سخيفة لمشهد كان سخيفا ولم نقرأه جيدا.. السؤال الآخر كيف ستنظر لملك في زمنه تخرج هذا الشاب من المدرسة والتحق بالجيش في زمنه.. واستفاد من مناخ الديمقراطية في عهد عبدالله الثاني وأصبح نائباً في زمنه، وللأسف ختم المشهد بأن أراد تسديد طلقة للملك.. أيضاً في زمنه..
اعترف وأقرّ بأني في البداية تعاطفت معه، وحاولت إقناع أصدقائي في المهنة به.. ولكني صعقت حين تطرق لأمر لم أره حتى في الحلم، حتى في غياب الوعي.. لم أتصور يوما أن يأتيني كابوس.. فيه رجل يريد تسديد طلقة لملك ويقوم بتحديد مكانها..
أسامة لم يصنع المشهد، نحن من صنعناه وقمنا بالتجييش والشحن.. وفي النهاية استفقنا على خطورة هذا الانجراف الذي لم نحمد عواقبه أبدا.. نحن من نلام وليس غيرنا...
إذاً لا تلوموا (عيالنا) في الأمن الوقائي والمخابرات، حين يعتقلون شاباً من شبابنا الآن، فنحن أصلاً لم نترك لهم مجالاً، للتطنيش.. أو غض البصر، لا تلوموا حسين باشا الحواتمة وتتهمونه بأنه ينحاز لقبضة أمنية صارمة.. فيبدو أننا لم نترك له مجالاً حتى للسماح أو طي الصفحة.. لا تلوموا المخابرات أبداً، وأعرف أن أقسى من الصخر على صدورهم أن يعتقلوا أو يسجنوا أردنياً.. لا تلوموا الأمن العسكري أو الاستخبارات؟...نحن الآن من حشرنا الدولة في الحلول الأمنيّة.. نحن من أخذناها لهذه الزاوية وفرضنا عليها أن تتعامل مع أي حدث قادم في إطار الحل الأمني، وحتى لو كانت الكلف عالية..
أنا خجل من الملك فعلاً، ومن أساسيات انسجام الصحفي مع ذاته أن يعترف ولا يبرر.. نعم في البداية قلنا إن الشاب ظلم، وحين حاول الأمنيون من شبابنا, ومن هم في مواقع المسؤولية إفهامنا أن القصة فيها جنون واستعادة لزمن الجاهلية.. كذبناهم، وتبين فيما بعد أن قلوبنا هي الكاذبة.. وتبين فيما بعد أيضاً أننا انجرفنا في تيارات لم تحكم العقل بقدر ما حكمت العصبية والجاهلية.. والانتقام، صحيح أنها تيارات كانت تعاني من الفقر والتهميش والإقصاء وانسجمت مع المشهد لكنها صدمت.. حين أقفلت الستارة على الدم والرصاص بين العيون.. وأخلي المسرح تماما... وانسحبت، بعدما اكتشفت أن العرض كان خدعة.. وكان اختطافا للعقول...
لا تلوموا الملك أبداً، ولو أن أن ملكاً في هذه الدنيا.. هُدِّد بما هُدِّد به الملك عبدالله الثاني، لتحركت الجحافل والألوية، ولكانت عمليات الاعتقال والمداهمة مثل نسمة الصيف عابرة وعليلة لا تترك أثراً... ولكنه صمت، وترك لنا أن نحكم نحن ضمائرنا.. ببساطة ما فعله الملك بصمته هو أنه قال لنا: هذا هو المشهد واتركوا لضمائركم الحكم...
نحن الآن لا نحتاج لحديث في الإصلاح، ولكننا نحتاج لمراجعة الصفحة ومناقشتها.. وتحديد مكامن الخلل، حتى لا تكرر.. ونحتاج إلى وثيقة عشائرية يتداعى لصياغتها كل أبناء العشائر.. تحصن القبيلة أو العائلة أو الحمولة.. من أي توظيف أو جرّ لمشهد تصادمي مع الدولة..
كم كنت أتمنى أن نعقد مؤتمراً عشائرياً في هذا المجال يتداعى له الشيوخ والوجهاء.. ونوقع عليه جميعنا... يحصِّن أسماء أهلنا، ويحصِّن مجتمع القبيلة.. ويمنع توظيفها أو جرّها خارج نطاقات القانون والدولة والدستور...
الشعوب هي المحاكم الحقيقية، وقلوب الناس هي القرار.. وأنا لا أكتب للسلطة بل أكتب لمحكمة الشعب للأردنيين، فهم المحاكم وقلوبهم هي القرار.. وأجزم أن الإعتراف بما جنته علينا قلوبنا.. ضرورة وطنية، وأجزم أن العبء الثقيل القادم.. لن يكون على من صفقوا أو أيَّدوا النائب أو مشوا في مساره.. أو جاءوا لمبايعته.. فهؤلاء لهم أنفس تعاتب، ولكن العبء والثقل سيكون على مؤسساتنا الأمنيّة.. التي ظلمناها وهاجمناها.. ونسينا في لحظة أنها هي من يجرح أكثر منا.. وهي من يتحمل النزف حين يصان دمنا، وهي من تسهر حين ننام.. وهي من تصمت حين يعلو صوت رفضنا عبر الفيس بوك..
المؤسسات الأمنيّة ظلمت وظلمت كثيراً.. فقد هوجمت وحوصرت واتهمت...
أما أنت أيها الملك.. أعرف أنك ستسامح وستمضي، ولو شاهدته بأم عينك ستبتسم.. لقد فجعت بما هو أقسى من ذلك.. فجعت بأولادك: معاذ الكساسبه ومعاذ الدماني وراشد الزيود وسائد المعايطة.. وغيرهم من قوافل الشهداء.. وأعرف أن الموت أكبر فجيعة.. وأن الكلام في النهاية.. كما وصفه درويش، هو عابر.. لكنك ستمضي مثل حصان لا تثنيه وعورة الميدان عن مداهمة الريح بكبرياء..
سلمك الله.. وتأكد أن عشرات الألوف من جيشك وأمنك.. ستتلقى ألف طلقة.. ولا أن يمسّ وجهك.. بنسمة تمردت وأسرعت.. إلى الخد، حتى لو كانت عليلة وعذبة...

مدار الساعة ـ نشر في 2021/06/08 الساعة 00:51