العجارمة يوضح حول الضوابط القانونية للإستقالة من المنصب العام

مدار الساعة ـ نشر في 2021/06/03 الساعة 21:24

مدار الساعة - كتب: رئيس ديوان التشريع والرأي السابق نوفان العجارمة

 الضوابط القانونية للإستقالة من المنصب العام – وجهة نظر قانونية.
1.    المركز القانوني لكل من يشغل منصب عام كالوزير والموظف هو مركز قانوني عام أو تنظمي، ومؤدى الفكرة التنظيمية أن القوانين والأنظمة هي التي تنشيء الوظيفة، وهي التي تحدد شروط شغلها ومسئولياتها وحقوقها وواجباتها، وذلك بصرف النظر عمن يشغلها، والذي يعد – والحالة هذه – في مركز تنظيمي أو لائحي. ولهذا فإن قرار التعيين لا ينشيء لهذا الموظف مركزا ذاتيا خاصا به، فهذا المركز موجود في الواقع وسابق على قرار التعيين بمقتضى القوانين والأنظمة. ومعنى ذلك أن قرار التعيين لا يخلق الوظيفة، وإنما يعنى التحاقه الشخصي بهذه الوظيفة. ولذا فإن قبول الموظف لهذا القرار، أي قبوله شغل الوظيفة، يعد قبولا لكافة الأحكام التي تنظمها هذه القوانين وتلك الأنظمة بما تتضمنه – بطبيعة الحال – من اختصاصات ومسئوليات، وكذلك من حقوق وواجبات، بما في ذلك المسائل المتعلقة بالاستقالة او التنحي (عادة يستخدم اصطلاح التنحي للمناصب السياسية الرفيعة). ويترتب على تكييف علاقة الموظف بالدولة بأنها علاقة تنظيمية أو لائحية  عدة نتائج يأتي على رأسها إن من يشغل المنصب العام ملتزم بضمان سير المرافق العامة بانتظام واضطراد، ولذا فإن صلته بالدولة لا تنقطع بمجرد أن يتقدم باستقالته للسلطة المختصة، إذ يجب عليه الاستمرار – رغم ذلك – في أداء واجباته الوظيفية لحين صدور قرار بقبول تلك الاستقالة.
2.    وتترجم الاستقالة رغبة شاغل المنصب العام -كالموظف العام أو من في حكمه-في ترك الخدمة العامة بالدولة نهائياً، أو في قطع العلاقة الوظيفية التي تربطه بذلك الجهاز قبل انتهاء مدى عمله، ومع أن الاستقالة حق للشخص، إذ ليس من المنطقي أن يجبر على البقاء في عمل تقدم إليه هو بإرادته ثم رغب في تركه، إلا أنها لا تنتج مع ذلك أثرها إلا بصدور قرار من الجهة التي يحددها النظام القانوني في الدولة.
3.    والحكمة من ذلك تكمن في رغبة المشرع في التوفيق بين أمرين قد يكونان متعارضين: الأمر الأول: ويتمثل في ضرورة احترام إرادة شغال المنصب العام وحريته في البقاء أو عدم البقاء بالخدمة العامة.  أما الأمر الثاني فيتمثل في ضرورة الحفاظ على المصلحة العامة وذلك بضمان استمرار سير المرافق العامة بانتظام واطراد دون أي خلل من شأنه ان يؤثر على المصلحة العامة.
4.    والقاعدة أن الاستقالة يجب أن مكتوبة وتتضمن تعبير صريح من صاحب الشأن عن إرادته في ترك الخدمة، أي أن يتقدم الشخص بطلب إلى السلطة المختصة، يعبر فيه عن رغبته الصريحة في ترك العمل بالخدمة العامة بشكل نهائي، وهذا الطلب يجسد في واقع الأمر ركن السبب في القرار الصادر بقبول الاستقالة وإنهاء الخدمة. ولذا فإن الشخص إذا لم يفصح عن رغبته في ترك العمل نهائيا، فإن هذا الركن يكون قد تخلف، ويصبح قرار الموافقة على قبول الاستقالة وإنهاء الخدمة غير صحيح. فالكتابة تعطي الشخص المستقيل فرصة للتروي والتفكير قبل أن يقدم على هذا التصرف الذي قد لا يكون مدركاً لمدى الخطورة التي ينطوي عليها. بل وحتى لا يؤخذ ذلك الشخص بفلتة من لسانه تحت تأثير نزوة طائشة أو نتيجة انفعال أو غضبة عارضة. ومع ذلك فإن اشتراط الكتابة لا يعني أن تتقيد الاستقالة بصيغة أو بألفاظ معينة، بل يعبر عن الرغبة في الاستقالة من أي عبارة تدل على رغبة ذلك الشخص في اعتزال الخدمة بصفة جدية.
5.    ويجب ان تكون الاستقالة خالية من أي قيد او شرط: إن استلزام خلو الاستقالة من تعليقها على شرط أو قرنها بقيد إنما يرجع إلى اعتبارين: الأول: أن تقديم الاستقالة المقترنة بقيد أو المعلقة على شرط يثير اللبس في جدية الرغبة التي يبديها الشخص المستقيل في الاستقالة، إذ قد يكون هدفه الحقيقي من طلب الاستقالة السعي إلى حث جهة الإدارة على تحسين حاله بإجابته إلى طلبات غير اعتزال الخدمة.  الثاني: أن الشرط الذي تعلق عليه الاستقالة قد يثير منازعات بشأن إجابة المستقيل إليه – منازعات رأي المشرع أن يتجنب الدخول فيها، مستلزماً ان تكون الاستقالة خالصة من كل شرط قد يثير أخذا ورداً بين الدولة والعاملين لديها.
6.    واخيراً، يجب أن تكون الاستقالة صادرة عن إرادة صحيحة: بمعنى أن يكون طلب الاستقالة معبرا بصدق عن رغبة حقيقية لدى الشخص المستقيل في ترك الخدمة نهائياً. وعلى ذلك إذا شاب هذه الإدارة عيب من عيوب الرضا كالإكراه مثلاً، بطل طلب الاستقالة. فهذا الطلب إذن – باعتباره مظهراً من مظاهر تلك الإرادة – يجب أن يصدر برضاء صحيح، أي رضاء غير فاسد

مدار الساعة ـ نشر في 2021/06/03 الساعة 21:24