مترجم: هل تستطيع فرنسا وألمانيا الفرار من شبح مذابح الاستعمار في أفريقيا؟

مدار الساعة ـ نشر في 2021/06/02 الساعة 15:32
مدار الساعة - نشرت مجلة «بوليتيكو» الأمريكية تقريرًا للكاتب سيمون ماركس تناول فيه أبعاد اعتراف فرنسا وألمانيا بمسؤوليتِهما عن قتل مئات الآلاف في أفريقيا. ويستهل الكاتب تقريره بالقول إن فرنسا وألمانيا ترغبان في تجاوز شبح ماضيهما في قارة أفريقيا، لكن يبقى أن نرى هل بإمكانِهما فعل ذلك حقًا. ولفت الكاتب إلى أن فرنسا وألمانيا اعترفتا هذا الأسبوع بمسؤوليتِهما عن دورهما في قتل مئات الآلاف من الأشخاص على مدار القرن العشرين في رواندا وناميبيا، وهو قرار قال محللون إنه يعكس جهدًا في أوروبا لإعادة العلاقات مع الشركاء الرئيسين في أفريقيا. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام جمهور في رواندا إنه يجب على بلاده «النظر في التاريخ بجرأة، والاعتراف بدورها في المعاناة التي يتكبَّدها الشعب الرواندي». وأشار الكاتب إلى أنه خلال السنوات الـ27 التي مضت منذ مقتل ما يقرب من 800 ألف من أقلية التوتسي في مذبحة وقعت على مدار 100 يوم فقط، لم تُبدِ فرنسا أي اعتذار عن دعمها القوي للحكومة التي يقودها الهوتو والمسؤولة عن الجريمة. ولم يصدر يوم الخميس أي اعتذار رسمي من الرئيس الفرنسي. ولم تكد تمضي ساعات على تصريح ماكرون حتى أشار وزير الخارجية الألماني هايكو ماس بصراحة إلى أن بلاده مسؤولة عن القتل الجماعي لعشرات الآلاف من الأشخاص من أقليَّتي هيريرو وناما في ناميبيا خلال احتلالها الاستعماري للبلاد في أوائل القرن الماضي. وقال ماس في بيان: «ليس لدينا سوى كلمة واحدة لما ارتكبه الاحتلال الاستعماري الألماني في ناميبيا بين عامي 1904 و1908: الإبادة الجماعية»، مضيفًا أن ألمانيا وافقت على تقديم 1.1 مليار يورو على مدار الثلاثين عامًا القادمة لتمويل المشاريع في قطاعات مختلفة مثل الزراعة والصحة. وجاء اعتراف فرنسا مع ظهور ماكرون إلى جانب الرئيس الرواندي بول كاغامي في العاصمة الرواندية كيغالي. وكان قد أغضب الحكومة الرواندية إحجام باريس عن الاعتراف بأنها تجاهلت، من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية مع القادة في مختلف أنحاء أفريقيا مع حصول بلدانهم على الاستقلال، انتهاكات حقوق الإنسان الصارخة على أرض الواقع. وفي وقت سابق من هذا العام نشرت الحكومة الرواندية تقريرًا مكونًا من 592 صفحة يشرح بالتفصيل الدور الذي لعبته فرنسا في الإبادة الجماعية في رواندا. وفي تسعينات القرن الماضي وجدت فرنسا في رواندا فرصة لمواجهة نفوذ الدول الناطقة بالإنجليزية، مثل أوغندا، وكينيا، وتنزانيا، بسبب سكانها الناطقين بالفرنسية. وفي ذلك الوقت قدَّمت باريس الدعم الثابت لنظام الهوتو القومي المتشدد بقيادة جريجوار كايباندا، الذي تولى السلطة في عام 1962، وأشرف على مذابح التوتسي على مدى السنوات التي تلَت ذلك. إصلاح العلاقات مع رواندا ونقل الكاتب عن مايكل جينينغز، الباحث في التنمية الدولية في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية (SOAS) بجامعة لندن، قوله: إن «تصريح ماكرون بشأن مسؤولية فرنسا في الأحداث المتعلقة بالإبادة الجماعية في رواندا لا يتعلق بسياسة أفريقيا عمومًا بقدر ما يتعلق بإصلاح الأضرار بين فرنسا ورواندا على وجه التحديد»، مشيرًا إلى قلق باريس منذ مدة طويلة بشأن تحول النفوذ بعيدًا عن فرنسا مع انضمام رواندا إلى مجموعة الكومنولث، على الرغم من عدم وجود روابط تاريخية مع المملكة المتحدة. ونوَّه الكاتب إلى أن ما يُزِيد من الشعور بالإلحاح في فرنسا هو التنافس على النفوذ من القوى الكبرى الأخرى؛ ففي السنوات الأخيرة بذلت روسيا جهدًا كبيرًا ومتسارعًا في البلدان التي كانت تهيمن عليها منذ أمد بعيد القوى الاستعمارية الأوروبية السابقة لبيع الطائرات والأسلحة ومشاريع التعدين الآمنة. ولم يزل إقراض الصين للدول الأفريقية أمرًا يُميِّزها: حتى أن بكين بنت مقر الاتحاد الأفريقي الجديد الفاخر في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. ومع ذلك يرى المحللون أن خطوة ماكرون كانت في الأساس انتصارًا دبلوماسيًّا لكاجامي، الذي تعرَّضت حكومته لانتقادات متزايدة بسبب استبدادها المتزايد في أعقاب اعتقال بول روسسابجينا، بطل الفيلم المرشح لجائزة الأوسكار «فندق رواندا»، والذي يواجه الآن تهم الإرهاب في بلاده. وقال جينينغز: إن رواندا تأمل في أن تؤدي الرغبة الفرنسية في الحفاظ على علاقات جيدة إلى لعب دور داعم في إبعاد انتقاد المانحين للجبهة الوطنية الرواندية الحاكمة. السعي لدور في أفريقيا جنوب الصحراء وتطرَّق الكاتب إلى اعتراف ألمانيا بدورها عن الإبادة الجماعية في ناميبيا وأوضح أن الاعتراف يأتي في الوقت الذي تسعى فيه برلين إلى توسيع دورها في أفريقيا جنوب الصحراء من خلال زيادة أموال المساعدات والإسهام بمزيد من القوات في بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مالي. لكن هناك تساؤلات داخل ناميبيا تتعلق بالاعتراف والتعويضات الألمانية التي يجب أن تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك. إذ رفضت سلطة أوفاهيررو التقليدية (OTA) ورابطة قادة ناما التقليديين (NTLA)، وهما مجموعتان تمثلان الأقليات التي أبادتها القوات الألمانية، هذا الأسبوع تسوية التعويضات التي قدمتها برلين. ويقولون إن التسوية كانت تهدف إلى دعم منظمة جنوب غرب أفريقيا الشعبية (سوابو)، التي هيمنت على السياسة منذ الاستقلال في عام 1990 وتسيطر عليها مجموعة أوفامبو العِرقية. وصرح فيكوي روكورو، رئيس سلطة أوفاهيررو التقليدية، لصحيفة ذا ناميبيان قائلًا: إن «التعويض البالغ 1.1 مليار يورو لم يكن كافيًا على الإطلاق»، مشددًا على أن «هذا لا يكفي للتعويض عن دماء أسلافنا. سنُكابد الأمرين ونتحمل الصعاب مهما تكن إذا كان ذلك هو ثمن استعادة ما نستحقه»، حسب ما تختم المجلة الأمريكية تقريرها.
مدار الساعة ـ نشر في 2021/06/02 الساعة 15:32