عصابات الهاغاناه.. قصّة النواة الأولى التي شكّلت جيش إسرائيل و”خرّجت” أبرز سياسييها
مدار الساعة ـ نشر في 2021/06/01 الساعة 14:56
مدار الساعة - الهاغاناه هي عصابة إسرائيلية مسلحة، ارتكبت العديد من المجازر ليس فقط ضدّ الفلسطينيين والعرب، بل إنّ بعض العصابات المتفرّعة عنها اغتالت وقتلت شخصيات أوروبية اعتبارية، وقفت بشكلٍ ما ضدّ رغبتهم في طرد وتهجير كل الفلسطينيين من أراضيهم. لكنّ المثير أنّ هذه العصابات هي التي كوّنت جيش الاحتلال الإسرائيلي، ربما هذه المعلومة ليست عجيبةً على إسرائيل، لكنّها غريبةً مقارنةً بالجيوش الأخرى في العالم، التي لا تتكوّن عادةً من عصابات.
فلسطين تحت الاحتلال البريطاني
وقعت فلسطين تحت الاحتلال البريطاني عام 1920، بعد الحرب العالمية الأولى وخروج الدولة العثمانية منها مهزومة. وبدأت في هذه الأثناء الهجرات اليهودية إلى فلسطين، جرياً وراء تأسيس إسرائيل على أنقاض حياة الفلسطينيين.
لم تمانع الدول الأوروبية في هجرة اليهود إلى فلسطين، بل بالعكس فهي التي شجّعت ذلك، فقد كان وجود اليهود في أوروبا يشكّل ضغطاً ومشكلةً للدول الأوروبية، وكان هناك دائماً خطط أوروبية لإنشاء وطن قومي يجمع كل اليهود، وكانت هناك اقتراحات أن يكون هذا الوطن القومي في أمريكا اللاتينية أو في إفريقيا، لكن وقع اختيار الأمر في النهاية على فلسطين، بعد وعد بلفور – وزير خارجية بريطانيا- عام 1917 لليهود بتأسيس وطن قومي لليهود.
ومع هذه الهجرة، التي اجتذبت اليهود من كل أنحاء العالم، من فرنسا والمملكة المتحدة وبولندا وأوكرانيا وروسيا، فقد كوّن هؤلاء المهاجرون الذين يسعون لتأسيس "وطن قومي لليهود" جناحاً عسكريّاً، ستكون مهمّته في السنين اللاحقة ارتكاب مجازر بحق الفلسطينيين، بل محاربة القوات البريطانية إذا اختلفت مع الإسرائيليين، وهكذا جاء تأسيس عصابات الهاغاناه والتي تعني في اللغة العربية "الدفاع".
الهاغاناه.. عصابات من وحي الحرب العالمية
تشكّلت عصابات الهاغاناه العسكرية في فلسطين عام 1920 عندما بدأ الاحتلال البريطاني لفلسطين، تحت اسم "هاغاناه وعفوداه" وهي تعني "فرقة الدفاع والعمل"، لكنّ كلمة العمل أسقطت فيما بعد.
كانت أهداف هذه المنظمة مرتبةً على الشكل التالي: الدفاع عن حياة اليهود وممتلكاتهم وشرفهم، بعيداً عن سلطة قوات الانتداب البريطاني. وتدريب الأفراد المنضمين إليها من الفتيان والفتيات اليهود ما بين 15 و18 عاماً، على عمليات الحراسة والدفاع عن المستوطنات الإسرائيلية.
كما شملت أهدافها إنشاء نقاط عسكرية داخل الأراضي الفلسطينية لتجميع الذخيرة والسلاح والمؤن الغذائية، لاستخدامها في حربها على الفلسطينيين والعرب أثناء العمل على إنشاء الدولة الإسرائيلية.
ارتبطت العصابات منذ بدايتها بالمؤسسات الصهيونية غير العسكرية الأخرى ليكتمل العمل، وقد قدمت العصابات المساعدة في تهجير عدد أكبر من اليهود بطريقة غير شرعية إلى فلسطين. وهكذا ساهمت هذه العصابات في إنشاء 50 مستوطنة إسرائيلية في أماكن مختلفة من إسرائيل.
كان اليهود قد أسسوا "الفيلق اليهودي" في الحرب العالمية الأولى، وقد حارب هذا الفيلق إلى جانب بريطانيا في بلاد البلقان عامي 1917 و1918، وما إن انتهت الحرب حتّى حلّته بريطانيا، وما إن حلّته بريطانيا حتّى انضمّ الكثير من أعضاء هذا الفيلق إلى عصابات الهاغاناه.
هكذا أصبح لدى هذه العصابات خبرة كبيرة في التنظيم والتخطيط للاغتيالات والعمليات العسكرية.
تهجير الفلسطينيين وارتكاب المجازر.. واغتيال مبعوث أممي
تراوحت العلاقة بين عصابات الهاغاناه وقوات الاحتلال البريطانية بين التعاون وهذا هو الأغلب، ولكن شهدت العلاقة بينهما أيضاً لحظات من النزاع.
وخلال الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936، كلّفت سلطات الاحتلال البريطاني أحد ضباطها بتشكيل سرايا ليلية من الإسرائيليين للقضاء على الثورة الفلسطينية. وسُمح للهاغاناه في تلك الفترة بتشكيل قوة من الشرطة عرفت حينها باسم "نوطريم"، وكان قوامها 22 ألف مسلّح.
وفي عام 1941 ساهمت قوات الاحتلال البريطاني في تشكيل قوة "البالماخ" وهي قوات الصاعقة الإسرائيلية. وقد كان من ضمن أفرادها ساسة وقادة إسرائيليون لاحقون، مثل موشيه دايان وإسحاق رابين.
كما أنّ الهاغاناه قد حاربت في الحرب العالمية الثانية ضدّ النازيين. فقد أرسلت عدداً كبيراً من أفرادها إلى البلدان الأوروبية الواقعة تحت الاحتلال النازي الألماني، لدعم حركات المقاومة اليهودية، كما لتهجير اليهود إلى فلسطين أيضاً.
لكنّ عصابات الهاغاناه كانت تعرف هدفها جيداً، ولن تسمح حتّى للسلطات البريطانية بأن تقف في سبيلها. وكانت إحدى نقاط الاختلاف عام 1939 عندما تظاهرت بريطانيا بتلبيتها بعض المطالب الفلسطينية. كانت هذه مناورة سياسية محسوبة، فبريطانيا تريد أن تتفرّغ للحرب العالمية دون مشاكل داخلية كثيرة في مستعمراتها، وهنا وقفت عصابات الهاغاناه ضدّ القرارات والمناورات السياسية البريطانية.
وفي الثلاثينيات انشقّت مجموعة عن الهاغاناه وكوّنت تنظيماً عسكرياً جديداً، أكثر تطرفاً ووحشية، اسمه "الأرغون"، والذي كان رئيسه رئيس وزراء إسرائيل الأسبق مناحم بيغن، والذي تقاسم جائزة السلام مع الرئيس المصري محمد أنور السادات. وقد كانت منظمة الأرغون أكثر تطرفاً ووحشية من الهاغاناه.
كانت الهاغاناه والأرغون مختلفتين ظاهرياً، لكن يبدو أنّ التنسيق بينهما كان مستمراً. فقد كانت عصابات الهاغاناه تصدر بيانات بين الحين والآخر تستنكر فيها بعض عمليات الأرغون الوحشية، لكنّ بيغن أكّد لاحقاً في كتاباته أن هناك تنسيقاً عسكرياً بين المنظمتين، وأنّهما اقتسمتا الأدوار بينهما فقط. وفقاً لما ذكره موقع الجزيرة نت.
بالتنسيق مع منظمة شتيرن اغتالت منظمة الأرغون الكونت فولك برنادوت، وهو من العائلة المالكة السويدية. كانت الأمم المتحدة قد اختارته وسيطاً بين العرب والإسرائيليين عام 1948، وقد قدّم اقتراحات للأمم المتحدة تضمّنت الحدّ من هجرة اليهود إلى فلسطين، ولهذا فقد اغتالته منظّمتا الأرغون وشتيرن في 17 سبتمبر/أيلول عام 1948.
أمّا عن أبرز مجازر عصابات الهاغاناه ضد الفلسطينيين، فيمكننا ذكر مذبحة بلد الشيخ عام 1947 التي قتلت فيها 600 فلسطيني، كما أنّ أشهر مجزرة هي مجزرة دير ياسين عام 1948 التي قتل فيها كلّ سكّان القرية.
وما إن أعلن عن قيام إسرائيل عام 1948 حتّى كانت عصابات الهاغاناه هي أقوى العصابات الإسرائيلية المسلحة والأكبر بينها. فأصدر ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل ووزير الدفاع حينها قراراً بحلّ عصابات الهاغاناه والعصابات الصهيونية الأخرى وتحويلها إلى جيش الدفاع الإسرائيلي.
وهكذا، أصبح الجيش الإسرائيلي هو الجيش الوحيد في العالم الذي تأسّس من مجموعة عصابات. وقد شغل عدد كبير من ضباط عصابات الهاغاناه مناصب قيادية في إسرائيل. على سبيل المثال موشيه ديان رئيس أركان الجيش وشمعون بيريز رئيس الوزراء وكذلك رئيسا الوزراء إسحاق رابين ومناحم بيغن.
مدار الساعة ـ نشر في 2021/06/01 الساعة 14:56