هذا الصندوق وكيف تعثّر؟
د. زيد حمزة
عامان مضَيا ونقابة الأطباء متوقفة عن صرف رواتب التقاعد المستحقة لأعضائها بعد ان بدا واضحاً ان كل المحاولات التي بُذلت لتفادي هذا المأزق المالي قد باءت بالفشل، وان صندوق التقاعد الذي ولد في سبعينات القرن الماضي كإنجاز كبير.. قد انهار! لكن اللافت ان هذا الانهيار الذي ظنه البعض مدوياً ظهر على حقيقته الهزيلة فلم يُحدث ردود الفعل المتوقعة، لا عند المستفيدين منه اي الأطباء المتقاعدين حالياً فلم نرهم يهبّون للدعوة لنجدته، ولا عند المهتمين بالشأن النقابي العام إذ لم يتحركوا لإقالته من عثرته! اللهم إلا ما جرى على ا?تحياء من تبادل بعض الاتهامات فيما بينهم حول أسباب الانهيار، ما وراءها ومن وراءها، وهي بمجملها لا ترقى الى مستوى التحليل المالي الرصين فضلاً عن غياب التحليل الاجتماعي للشرائح المختلفة التي يتباين دخل أفرادها لدرجة فاحشة لكنهم يدفعون للصندوق نفس الاشتراكات، وهم خليط من مستخدمين في الحكومة والجيش وكليات الطب ولهم صناديقهم التقاعدية الخاصة بهم، ومن اكثرية ساحقة تعمل في القطاع الخاص لا نعرف نسبة الذين يملكون «بوالص» تأمين خاصة تغنيهم عن راتب التقاعد، ويختلف ويتفاوت دخل هؤلاء وأولئك لدرجات كبيرة، ومن ثم يصعب معر?ة من هم الذين حزنوا فعلاً عند انقطاع راتب التقاعد الضئيل الذي لا يبلغ عند بعضهم الحد الأدنى لأجور العمال، ومَن هم الذين لم يتأثروا قط لأنه لا يشكل بالنسبة لهم عُشر معشار دخلهم العالي.. جداً! وللعلم فانه لا يقارن برواتب التقاعد في نقابات اخرى كالمهندسين والمحامين والتي تفوقه بكثير، والسبب ببساطة ان موارد صناديقها ليست فقط اشتراكات أعضائها كما في نقابة الأطباء بل رسوم تُحصَّل من جيوب المواطنين بطرق مباشرة او غير مباشرة وتُجبى بموجب قوانين او أنظمة قلنا أكثر من مرة انها غير دستورية لذلك لم تلجأ لها نقابة الأط?اء لتعزيز صندوقها التقاعدي!
ولاستكمال الجوانب التاريخية لهذا الموضوع علينا ان نتذكر أن احدى الحكومات حاولت في أواخر تسعينات القرن الماضي توحيد الصناديق النقابية جميعها ووضعها تحت ادارتها بحجة حمايتها من الافلاس بسبب سوء استثمار اموالها! وقد وقفتُ يومها من حيث المبدأ الى جانب معارضي هذا التوحيد الخادع وكتبت في «الرأي"١٥/ ٣/ ١٩٩٨ مستنكراً ان تكون الحكومة احرص على الصناديق من أصحابها ومبيناً ان هدفها اصطناع مؤسسة مستقلة جديدة تضاف للبيروقراطيات العديدة الفاشلة تمهيداً لبيعها للقطاع الخاص ومع ان انها تبدو في ظاهرها تأميماً لكن لكي يطبقه ?عداء التأميم وكارهو الاشتراكية، ويتم في عصر الرقص المجنون على موسيقى الخصخصة!
وبعد.. هل التأمل عميقاً في انهيار هذا الصندوق يوصل من لم يقتنع بعد الى ان النقابات المهنية لا تمثل مصالح أعضائها تمثيلاً حقيقياً وان المادة الاساسية في العهد الدولي لحقوق الانسان التي تنص على حرية الانتساب تعني تعارضها مع العضوية الالزامية.. وينبغي احترامها.
الرأي