الزيود يكتب لـ مدار الساعة: رمضان القُرى

مدار الساعة ـ نشر في 2017/05/30 الساعة 20:38
أذكره رمضان كان يمرُّ علينا في الصيف ونحن نزور قريتنا "المسرّة" قرب العالوك، كُنّا أطفالا نأوي إلى بيت جدي، كان بيتا من طيب وبيدرا من كرم.. وكانت الناس أكثر قناعة وبساطة رغم ضيق اليد ، ورغم طول ساعات الصيام ولهيب نهاره .. يتسّحر الرجال ثم يمضون نحو الموارس ليحصدوها يعاونون بعضهم البعض ، وعندما تنتصف الشمس في حزيران تكون الحلوق قد جفتْ ، والعرق قد سال وشربته الأرض الظمأى ، يبللّون أشمغتهم بالماء عله يبرّد شيئا عليهم ، وقد بخلتْ السماء من أي غيمة تظللُّ الحصادين وهم يسبّحون ويهللّون ويحتسبون أجرهم على الله ..!! بعد العصر يمرّون على البساتين في "الحوض"، يتفقدون أبيات الباميا والفقوس والبندورة والبطيخ الذي كان ينمو بعلا وعلى رائحة الندى .. يجمعون ما رزقوا منها ليضيفوا شيئا إلى موائد الإفطار الكريمة والطيبة بأنفاسهم قبل طعامهم، وما يزيد من الباميا يُجمع في قلائد تعلّق على الحيطان ، أما البندورة فتتجزأ أنصافا وتفرد على سطوح البيوت لتتجفف للشتاء . كانت نساء البيت يعبئن "الجرار" بالماء ويشبعن الخيش الذي يلبسوه للفخار برذاذ الماء أيضا ، ليظلّ باردا رقراقا صافيا مثلجا، فلا يطفئ عطش الصيف إلا ماء مثله يُصبُّ في الحلوق الجافة ، فقلّة من الناس كانت تشتري قوالب الثلج التي يتم إحضارها من المدينة وتُحملُ في باص القرية الوحيد وهو عائد مساء . وعندما ينضجُ العنب المعلّق كقطوف دانية والمخبئة عن الطيور ، كانت المعرّشات تنتصب في حوش البيت ، فيجمعُ هو وحبّات التين الضاجة بالإستواء واللين ليُزّين بهنّ موائد السحور والفطور . عند المغرب ولمّا تقترب ساعة الآذان تتبادل الجارات صحونا من طعام إفطارهم دلالة محبة ورضى ، وخشية أن طفلا تسرّبت إليه رائحة طهي لم تقم في بيت أهله . هكذا كان يمرّ رمضان في أجواء القيظ ، كان أهلنا أكثر صبرا وأكثر محبّة وأكثر عملا وأكثر إستمتاعا بالعبادة .. مقتنعون راضيون وكانوا أكثر سعادة رغم شظف العيش وصعوبة تلقيط الرزق ، كانت الحياة ضيقة ولكن كانت صدورهم واسعة.
  • العالوك
  • سال
  • كريمة
  • الطيبة
  • نساء
  • لب
مدار الساعة ـ نشر في 2017/05/30 الساعة 20:38