«حفلة نفاق».. كيف تناولت الصحف الأمريكية «المحايدة» أحداث فلسطين الأخيرة؟
مدار الساعة ـ نشر في 2021/05/27 الساعة 13:43
مدار الساعة - في حكاية فلسطين مئات الآلاف من المهجرين، وآلاف القتلى، وتاريخٌ تم تأليفه بمنطق القوة والهيمنة، وقصص إنسانية لا تعدّ اندثرت بتأثير من الإعلام الغربي والأمريكي. أثر هذا الإعلام على العقول، وعلى تشكيل الرأي العام العالمي.
منذ بداية الأحداث في القدس، وصولًا إلى الحرب في غزة التي شهدناها الأيام الماضية، لعبت الصحف الأمريكية دورها التقليدي في فرض سرديتها المنحازة للاحتلال الإسرائيلي، ورغم ما تحاول هذه الصحف إظهاره من «موضوعية» في نقل بعض الحقائق، فإن الخطَّ الناظم للتغطية يغيب الحقائق والواقع الفلسطيني.
في هذا التقرير نقدم تحليلًا للخطاب الإعلامي للأحداث في فلسطين لأكبر ثلاث صحف أمريكية رئيسة؛ «نيويورك تايمز»، و«واشنطن بوست»، و«وول ستريت جورنال»، ولكنّ قبل هذا التحليل، نقدم لكم بعض الظواهر والمفاهيم التي يجب أنّ تؤخذ بعين الاعتبار لفهم ومعرفة آليات صناعة الخطاب الإعلامي الأمريكي، ولا نعني بذلك أنّ جميع منصات الإعلام الأمريكي خاضعة لنفس الآليات أو منحازة لإسرائيل بالطريقة نفسها.
«صناعة الإجماع».. مقدمة لفهم الإعلام الأمريكي التقليدي
كتب الفيلسوف الأمريكي نعوم تشومسكي مع الاقتصادي الأمريكي إدوارد هيرمان كتابهم الشهير «صناعة الإجماع – Manufacturing Consent» عام 1988، وهو كتابٌ يشرح الجانب الاقتصاد والسياسي لصناعة الإعلام في ماكينات الصحافة الأمريكية، وآليات صناعة التغطية، التي نرى تحيزاتها في تغطية الأحداث في فلسطين.
يعرض تشومسكي وهيرمان في كتابهم كيف أنّ الاقتصاد السياسي للإعلام الأمريكي يمر عبر «فلاتر» رئيسة. منها فلتر الملكية، أي ما يريد مالك أو ملّاك الصحيفة نشره أو حجبه، ويكون تحيز هؤلاء الملاك مقتصرًا على منافعهم المادية المباشرة، أو انتماءاتهم الأيدولوجية، وليس بالضرورة أنّ هؤلاء الملاك يتدخلون في العملية التحريرية بشكلٍ مباشر؛ إلّا أنّ ذلك لا يغني عن رضاهم عن الخط التحريري للصحيفة. وأضف إلى فلتر الملاك، فلتر «شركات الدعاية» التي هي مصدر الربح الأساسي للصحف التقليدية، وتدفع لجذب وكسب الجماهير، ولهذه الشركات ضغطها وتحيزاتها الخاص.
هُنالك فلتر آخر في غاية الأهمية، وهو فلتر «الأعداء المشتركين» المتعارف عليهم في الإعلام، وعادةً ما تؤثر السياسة ومصالح الدولة في تحديد هؤلاء الأعداء، وبالتالي تسليط البروباجندا الإعلامية عليهم أو استخدامهم كذريعة لتفسير الأحداث الجارية، وقد كانت على سبيل المثال «الشيوعية» العدو الأول للولايات المتحدة في فترة الحرب الباردة، وبعد ذلك أصبح كل ما أدرجته الولايات المتحدة تحت بند «الإرهاب» في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، وقس على ذلك.
وبالنظر إلى هذه الفلاتر، نستطيع قراءة نفوذ اللوبي الإسرائيلي في أمريكا وتأثيره على صناعة الإعلام، واللوبي الإسرائيلي متجذر في هذه الصناعة، خاصةً الصحف التقليدية في السوق، وقد ظهرت في الوثائقي المسرب عن «الجزيرة» عن اللوبي الإسرائيلي بأمريكا، شخصية جوش بلوك، المدير التنفيذي السابق لمنظمة «إسرائيلي بروجيكت – تيب» الذي قال عنّه صديقه إريك جالاهار: «كان بلوك الرجل الأول في آيباك، وكان يظهر ما يشاء إظهاره في الواجهة الرئيسة لصحيفة واشنطن بوست».
وفي دراسة نشرها موقع «موندويس» أعدتها مؤسسة «416Labs» البحثية، جمعت وحللت أكثر من 100 ألف عنوان في أهم خمس صحف أمريكية، وكانت النتيجة هي تحيز الصحف الأمريكية بتصوير فلسطين بشكل سلبي، على عكس إسرائيل، وقد جاء بالدراسة أنّ أكثر خمس صحف تصدر هذه الصورة السلبية هي «لوس أنجلوس تايمز»، تليها «وول ستريت جورنال»، ثم «شيكاغو تريبيون»، و«واشنطن بوست»، وأخيرًا «نيويورك تايمز».
في خطابها الإعلامي فيما يخص الصراع في فلسطين، تستخدم هذه الصحف لغةً ناعمة مائعة، نستطيع فهمها في مقطع للكوميدي الأمريكي جورج كارلين عام 1990 يوضح ويشرح تطور اللغة الناعمة في أمريكا. حيث يذكر كارلين أنّه بعد أنّ كانت الحروب والمآسي الإنسانية يستخدم لوصفها مصطلحات إنجليزية تعكس كمية المأساة والتراجيديا الإنسانية، أصبحت مع الوقت تتحول لتصبح كلمات لطيفة ناعمة.
يقول الكوميدي كارلين على المسرح المليء بالحشود: «لا أحب الكلمات التي تخفي الحقيقية. لا أحب الكلمات المغيبة عن الواقع. لا أحب العبارات اللطيفة أو اللغة الملطفة»، ينطلق كارلين بشرح هذه الظاهرة ويؤكد على أنّ الشعب الأمريكي لديه مشكلة في التعامل ومواجهة الواقع، وبالتالي يخترع لغة تلطيفية للتعامل معه.
يضرب كارلين في حديثه عدة أمثلة على ذلك، فأثناء الحرب العالمية الأولى عندما كان يصاب الجندي بصدمة عصبية جراء القصف كانت تسمى هذه الحالة «صدمة القصف – Shell Shock»، ولكن مع الحرب العالمية الثانية أصبح وصف نفس الحالة هذه على أنّها «إجهاد الحرب – Battle Fatigue». ومع مرور الوقت بدأت المصطلحات العلمية تأخذ حيزًا أكبر في اللغة، لوصف مثل هذه الحالات، فبعد سنوات أصبحت الحالة تسمى ذاتها «اضطراب ما بعد الصدمة – Post-traumatic stress disorder»، وبينما يضرب كارلين الأمثال، يقول بخفة وبسرعة، إنّ هذه الظاهرة ذاتها هي ما حولت وصف «الإسرائيليين القتلة» إلى «الكوماندوز»، وأنّ «الكوماندوز الفلسطينيين» هم «الإرهابيون».
تحاول الصحف الأمريكية والغربية اليوم إدارة الخطاب بطريقةٍ حذرة، فالصراع اليوم مركب، وله أبعاد وحساسيات مختلفة، فالحرب الإسرائيلية على غزة تُصور في الصحف الأمريكية بالتركيز على الخسائر المدنية التي يتلقاها الطرفان: الإسرائيلي والفلسطيني، وبالنظر إلى موازين القوى فهو يحاول تصدير صورة بأنّ الصراع هو بين قوتين متكافئتين: حماس والجيش الإسرائيلي، مع الانحياز التام ضد حركة حماس بالتذكير الدائم على أنّها «جماعة مسلحة»، وأنّها «مصنفة كمنظمة إرهابية».
ما استجد في الأحداث الأخيرة في أراضي 48 ومدينة اللد، أعطى بعدًا جديدًا، ويصور الإعلام الأمريكي على أنّها «أحداث شغب» بين مسلحين فلسطينيين ويهود. أما في القدس وما يحصل في حي الشيخ جراح من تهجيرٍ وطردٍ لأهالي الحيّ، يحاول الإعلام تصوير الأحداث على أنّها معركة قضائية بين طرفين مدنيين: الأهالي الفلسطينيين والمستوطنين الإسرائيليين.
وبشكلٍ عام وللظهور بشكلٍ حيادي، تسرد هذه الصحف بعض الحقائق عن الضحايا المدنيين، مع إغراقٍ شديد بلهجةٍ إنسانية متعاطفة، ولكنّها تقدم سردية تتجاهل تصوير الصراع على أنّه صراعٌ قديم، سببه الرئيسي الاستيطان الإسرائيلي غير القانوني المدعوم من المجتمع الدولي خاصةً الولايات المتحدة، وهدفه الرئيس «اقتلاع» الفلسطينيين من أراضيهم. وفيما يلي نضرب لكم أمثلة من هذه التقارير واللغة المستخدمة فيها.
بوصفها منصة إعلامية تقليدية، ذات تمويل مؤسساتية (Corporate Media)، تعتبر صحيفة «نيويورك تايمز» من أهم الصحف الأمريكية والعالمية، وبالنظر إلى خريطة الانحياز الإعلامي للصحف الأمريكية، تقع بالمنتصف على خط الانحياز (بحيث لا تنحاز الصحيفة إلى اليمين أو اليسار السياسي بتغطيتها)، وتعتبر ذات مصداقية وموثوقية عالية في نقل الحقائق.
ولكنّ يبدو أنّ المصداقية تخضع أمام ماكينات الضغط الإسرائيلية. ففي تقرير نشرته الصحيفة بعنوان «الصراع بين إسرائيل وغزة: كل ما تحتاج معرفته»، يبدأ الصحافي دان بيليفسكي مقدمته بالقول: «وبينما يحتدم الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين للأسبوع الثاني» ووصف «الصراع» في هذا السياق لا يبين ولا يوضح بأنّ هنالك طرف مشروعه استعماري واستيطاني.
ويكمل بيليفسكي: «قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية مدينة غزة؛ مما أدى إلى تفاقم معاناة المدنيين. في الوقت نفسه تستمر صواريخ حماس، الجماعة المسلحة التي تحكم غزة منذ عام 2007 والتي لا تعترف بإسرائيل، في ضرب المدن الإسرائيلية، بما في ذلك تل أبيب، العاصمة التجارية لإسرائيل».
ثم يسهب بيليفسكي تقريره بسرد بعض الحقائق بمشهدين الأول عن الغارات الإسرائيلية وقتلها للأطفال والعائلات في غزة، ومشهدٌ آخر لإسرائيلي قتل عندما تعرضت سيارة لرشقٍ بالحجارة أثناء «أعمال الشغب» في مدينة اللد الواقعة على أراضي 48.
يعيد التقرير أصل الأحداث الأخيرة التي يصفها بـ«العنف» إلى ما سماه «نزاع حاد على القدس الشرقية ذات الغالبية الفلسطينية»، ويستخدم التقرير كلمة «إخلاء – Eviction» للتهجير القسري الذي يتعرض إليه أهالي حي الشيخ الجراح من بيوتهم، وكلمة «Eviction» تستخدم عادة بوصفها كلمة قانونية، بمعنى أنّ المحكمة العليا الإسرائيلية أصدرت قرارًا بذلك. ومن ثم يعرض بيليفسكي الرأي والرأي الآخر ليبدو حياديًا فقال: «ووصف مسؤولون إسرائيليون الأمر بأنّه نزاع عقاري، بينما وصفه كثير من العرب بأنّها جزء من حملة إسرائيلية أوسع لإجبار الفلسطينيين على الخروج من المدينة، واصفين الحملة بالتطهير العرقي».
وعند حديثه عن اقتحام الشرطة الإسرائيلية يوم 10 مايو (أيار) للمسجد الأقصى التي نتج عنها إصابة 331 فلسطيني وصف التقرير الأحداث بهذا الشكل: «أصيب المئات من الفلسطينيين وعشرات من رجال الشرطة في هذه المناوشة الصدامية (Skirmish)».
ثم يسهب التقرير ليقول: إنّ «الجماعات المسلحة في غزة بدأت بضرب الصواريخ تجاه القدس وإسرائيل استجابت بغاراتها الجوية على غزة»، ثم يخصص التقرير قسم للحديث عن صواريخ حركة المقاومة حماس، وقسم عن القبة الحديدية، وعند شرح السياق التاريخي العام يقول: «منذ فرار أو طرد مئات الآلاف من الفلسطينيين من بيوتهم عام 1948، انقسم الفلسطينيون ليس فقط على أساس جغرافي، بل أيضًا بحسب تجربتهم المعيشية».
لم يذكر التقرير أي حديث عن الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي في فلسطين الممتد منذ 100 عام، وحتى لم يسعف الصحافي ذكر بناء المستوطنات الإسرائيلية في القدس والضفة الغربية غير القانونية دوليًا، والتي هي من أهم العوامل لما يحدث اليوم في الضفة الغربية، ومع ذكره لبعض الحقائق لإظهار بعض الموضوعية، يخرج الصحافي القارئ من هذا التقرير على أنّ الأحداث الأخيرة كانت مسألة قانونية «إخلاء – Eviction» بين الشرطة الإسرائيلية والفلسطينيين في القدس، ومن ثم جاءت حماس لتصعد، وبالتالي نشبت الحرب.
«واشنطن بوست» التي يملكها جيف بيزوس، لم تبتعد عن الخط التحريري لمنافستها السابقة «نيويورك تايمز»، ففي تقرير نشرته بعنوان: «ماذا وراء العنف في إسرائيل وغزة؟»، وصفت الكاتبتان بأنّ «العنف» في غزة وإسرائيل تفاقم وأدى إلى زيادة عدد الضحايا ليصل إلى 200 فلسطيني منهم أطفال، ومن الجانب الإسرائيلي 12 شخص منهم طفلين.
ووصف التقرير الأحداث في أراضي 48 بأنّها «أعمال شغب وقتال» بين العرب واليهود الإسرائيليين. ويقول التقرير: «تصاعدت الأحداث لأسابيع جراء الاشتباكات والمظاهرات في القدس»، وتبدأ القصة في التقرير يوم 10 مايو عند «اقتحام المسجد الأقصى وإصابة مئات الفلسطينيين. وفي المساء أطلقت الجماعات المسلحة في غزة الصواريخ تجاه القدس لأول مرة منذ سنين، واستجابت إسرائيل بغاراتها الجوية».
يستخدم التقرير أيضًا مصطلح «إخلاء – Eviction» و«معارك قضائية بين العوائل العربية والمستوطنين الإسرائيليين» في وصفه لما حدث في حي الشيخ الجراح، وليس بوصفها عملية ممنهجة من قبل إسرائيل للحيازة وضم القدس.
لا يلقي التقرير اللوم على إسرائيل بوصفها كيانًا استيطانيًا، وإنّما يصور الأمر بوصفه مسألة سياسية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وفي سرد الأحداث الأخيرة، يذكر التقرير: «سعت حركة حماس، التي خاضت ثلاث حروب مع إسرائيل، إلى ملء الفراغ السياسي في المشهد، وتواجه الجماعة المسلحة ضغوطًا في قطاع غزة، الذي يعاني سكانه منذ 14 عامًا بسبب الحصار التي تقوده إسرائيل ومصر».
وفي تقرير آخر نشر بعنوان «في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني: متى تعتبر الهجمات جريمة حرب؟»، يعرض التقرير فكرة متى تصنف الهجمات الأخيرة على أنّها جريمة حرب، حيث اتهمت عدة جهات إسرائيل بارتكابها جرائم حرب.
يقول التقرير إنّه بموجب القانون الدولي وقانون «التناسب» الذي مفاده بأنّ «الأضرار المدنية أثناء عملية عسكرية لا ينبغي لها أنّ تكون غير متناسبة مع هدف العملية العسكرية»، وبعد عرض بعض الحقائق عن الضحايا، يحاول التقرير عرض وجهات النظر المختلفة ليصل إلى صعوبة تصنيف إذا ما كانت الهجمات جريمة حرب أم لا، ويذكر التقرير الإجراءات الإسرائيلية بهذا الشكل:
«يعبر القادة الإسرائيليون عن أسفهم للخسارات المدنية وهم يأخذون اعتبارات مثل التواصل مع أهالي البيوت لإخلاء المنازل والأبنية قبل القصف»، أما من جانب حركة حماس فيذكر التقرير: «تستهدف حركة حماس – المصنفة كمنظمة إرهابية من الولايات المتحدة وقوى أخرى – المدنيين الإسرائيليين بصواريخها البدائية، ولكن القاتلة في بعض الأحيان».
كما نشر الصحافي بريان مورفي مراسل الشؤون الخارجية في واشنطن بوست، ورئيس مكتب وكالة «أسوشيتد برس – Associated Press» في أوروبا والشرق الأوسط (التي قصفت إسرائيل مكتبها في غزة مؤخرًا) تقريرًا يسرد فيه التسلسل الزمني للصراع «الفلسطيني الإسرائيلي»، حيث يبدأ مورفي تقريره بالعبارة التالية: «يهدد اندلاع العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين الاستقرار رغم سعي الولايات المتحدة ودول أخرى لوقفه».
ويضيف: «يعود جذور الصراع وانعدام الثقة العميق إلى فترة ما قبل إنشاء دولة إسرائيل عام 1948، وقد شهدت العقود السبعة الماضية حروب، وانتفاضات، وتخلل الأحداث أحيانًا بعض الأمل في الوصول إلى حلول وسطية» يقصد بذلك اتفاقيات أوسلو وغيرها.
وتبدأ سردية مورفي التاريخية في تقريره بعام 1948 عندما اندلع ما يصفه «صراعٌ إقليمي» بسبب انتهاء الانتداب البريطاني في فلسطين، وأدى ذلك إلى «هروب أو طرد مئات آلاف الفلسطينيين من بيوتهم»، ويكمل مورفي تقريره للحديث عن تأميم قناة السويس عام 1956، وحرب 1967 وصولًا إلى كامب ديفيد. وعند وصوله إلى عام الانتفاضة الأولى عام 1987 يقول مورفي: «اندلعت الانتفاضة وحصلت اشتباكات ومظاهرات في الضفة الغربية، وغزة، وإسرائيل. استمرت الاضطرابات لسنوات، مع العديد من الإصابات والقتلى في الطرفين».
وبنفس الطريقة يسرد مورفي أحداث الانتفاضة الثانية، وصولًا إلى عام 2006، عام الانتخابات التي قال عندها: «فازت الجماعة المسلحة الفلسطينية حماس بالانتخابات، وأدى ذلك إلى توتر سياسي مع حركة فتح الأكثر اعتدالًا وسيطرت على الضفة الغربية»، ومن ثم يكمل قصته إلى الحروب الأربع في غزة، واعتراف ترامب بالقدس عاصمة إسرائيل.
ولمحبي معرفة القصة الحقيقية، فقد سردت صانعة المحتوى إيمان عسكر، التي تنشر على حسابها الإنستجرام محتوى مرئي غنائي، «قصة فلسطين» في دقيقة ونصف باللغة الإنجليزية، وفي نهاية المقطع الغنائي تقول عسكر: «لا تسلم عقلك للغسيل من قبل الإعلام.. فبإمكانك اليوم البحث عن الحقائق.. تعرف على القصة.. قصة فلسطين».
لا تختلف صحيفة «وول ستريت جورنال» كثيرًا عن الصحف التي سبق أنّ ذكرناها سوى أنّها أكثر تحيزًا لإسرائيل، وتستخدم منصتها الإعلامية لنقل رسائل إسرائيل خلال الحرب، فعلى سبيل المثال كانت الصحيفة الأولى التي نشرت خبر إعلان بدء الهجوم البري الإسرائيلي في غزة يوم 14 مايو، وقامت العديد من الوسائل الإعلامية بنقل الخبر عنها، وبعدها بفترة وجيزة أعلنت هيئة البث الإسرائيلية أنّه لا يوجد هجوم مدعيةً أنّ ما حدث هو عبارة عن ترجمة خاطئة لما قاله المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي. وفي ذلك اليوم قذف الجيش الإسرائيلي بطائراته الحربية ودباباته شبكة أنفاق لحركة المقاومة حماس.
تستمر الصحيفة في تقديم الرواية الإسرائيلية عندما نشرت تقرير بعنوان: «الصراع الإسرائيلي الفلسطيني: ما الذي يحدث؟ ولماذا يتقاتلون؟». وفي القسم الأول المعنون بـ«لماذا تتحارب إسرائيل وحماس؟»، يحكي التقرير في هذا القسم عن إطلاق حماس، والجهاد الإسلامي، وسرايا القدس، آلاف الصواريخ؛ مما اضطر إسرائيل إلى الاستجابة بحسبه، وقد كان نتائج هذه العمليات «خسائر مدنية كبيرة».
ومن ثم يعود التقرير بالزمن إلى الوراء ليسرد ما حدث في القدس مؤخرًا، واصفًا الأحداث «بالتوترات الناجمة عن القرار المحتمل للمحكمة العليا الإسرائيلية» فيما يخص طرد أهالي حي الشيخ جراح؛ مما أدى إلى ما وصفه التقرير «إصابة مئات الفلسطينيين في اشتباكٍ مع الشرطة الإسرائيلية التي استخدمت قنابل صوتية، وغاز مسيل للدموع، والرصاص المطاطي، وقد صرحت الشرطة بأنّ هذا الاستخدام كان اضطراريًا بسبب أنّ الناس استخدموا الحجارة ضد القوات الأمنية، وأصيب أكثر من 20 شرطيًا إسرائيليًا»، بحيث يعطي التقرير إيحاءً بأنّ الإسرائيليين يقومون بالدفاع عن أنفسهم في مواجهة بطش المتظاهرين.
وبشكل غير مسبوق يصف التقرير الأحداث في المدن الإسرائيلية بأنّه «اشتباكات طائفية»، وكما هو في تقرير مورفي الذي سبق أنّ ذكرناه، يبدأ التاريخ عند وول ستريت جورنال عام 1948 عندما اشتعل «صراع بين إسرائيل والفلسطينيين» ملقية اللوم على الدول العربية المجاورة لأنها أشعلت الحرب، وبينما سلطت الأحداث الضوء على القبة الحديدية، ومواقع ضعفها، فقد نشرت وول ستريت جورنال تقريرًا عن هذه القبة الحديدية وعظمتها وجبروتها.
مدار الساعة ـ نشر في 2021/05/27 الساعة 13:43