العساف يكتب: ماذا عَـنّا؟.. إذبحوا ذبّاح الكلب

مدار الساعة ـ نشر في 2021/05/24 الساعة 18:41

لعلّ كثيرين سمعوا بقصة "إذبحوا ذبّاح الكلب" المتوارثة في تراثنا البدوي..
ومفادها أن قبيلةً كان لها شيخ حكيم وفارس مهيب الجانب، وكانت القبائل تهابها لهيبة شيخها، إلى أن وهن العظم منه، وبلغ من العمر عتيّاً.. وذات يوم حافَ بهم "بوّاق" وعدا على "الحلال" وذبح كلب الحراسة فيما "الرعيان" نيام.
فذهبت القبيلة إلى الشيخ يسألونه ما هم فاعلون؟ فأجابهم: "إذبحوا ذبّاح الكلب".. فاستهجنوا رأيه، أَنْ "كيف نأخذ رجلا بدم كلب؟!". وانفضوا من حوله بعد أن رأوا أنه قد أصبح خرِفاً..
ثم عدا قاطعو طريقٍ آخرون على القبيلة وسلبوا سائر "الحلال"، فعاد رجال القبيلة إلى شيخهم يستشيرونه، فأشار عليهم بأن "اذبحوا ذبّاح الكلب"، فقالوا:" تالله إنك لفي ضلالك القديم".
وصارت القبيلة نهبا لكل أفّاكٍ أثيم، حتى سُبِيت حرائرها وطُردت من أرضها وأصبحت مثلا في المهانة.
فجاءوا شيخهم يبكون، وقالوا: "أشِر علينا"، فأعاد قولته "إذبحوا ذبّاح الكلب". فلمّا استيأسوا منه خَلَصوا نجِيّا، قال كبيرُهُم: فلنفعل بما أشار علينا ونرى إلى أين سيوصلنا رأيه.. فذبحوه، وما كادوا يفعلون..
إذ ما إن سرى الخبر بين العرب حتى أعاد كلّ من نهب القبيلة ما نهبه، وخرج الذين سلبوا أرضها منها، والكل يقول: إذا كانوا قتلوا رجلاً بكلب، فماذا سيفعلون بنا؟!
 *
عندما ذهب العدو الصهيوني إلى "وادي عربة"، أبقى الخيار العسكري ماثلا أمامه، بل واستخدمه عديد مرات، على لبنان وسوريا، وغزة التي أنهكته بمقاومتها. أما نحن، وعرب أوسلو، فذهبنا متسلحين بسلاح "السلام" و"الدبلوماسية الناعمة" متكئين إلى "المجتمع الدولي" و"الشرعية الدولية" و"المبادرة العربية" و"حل الدولتين" وما إلى ذلك من الهراء..
فماذا كانت النتيجة؟
*
في كلّ المواجهات العربية مع العدو الصهيوني والعدو الأميركي، كان موقف الأردن الشعبي متقدما على الرسمي، ولكن ليس بعيدا عنه، وإنما يشدّ بعضه أزر بعض، وبعض الأحيان، كان الرسمي ينافس الشعبي (الموقف من الحرب على العراق، ومحاولة اغتيال المواطن الأردني "سابقا" خالد مشعل مثلا).
ولكن في جميع المواجهات، كان الشعب يلتمس العذر للموقف الرسمي، الذي كان يحرص على أن يكون قريبا من نبض الشعب، ويلتزم بحدود مقبولة من الرفض، قولا، والأهم: فعلاً.
غير أن هذا الموقف تراجع كثيرا عن سابقاته، إلى درجة  باعثة على الأسى الممزوج بالقهر والغضب عند جميع الأردنيين، ليس من باب المزاودة، وإنما الخجل مما يحدث عند مقارنة الموقف الرسمي الأخير بالمواقف السابقة، مِن مِثل ما حدث في العدوان الصهيوني على غزة أعوام 2008 و2012 و2014
والأدهى من ذلك، السلبية التي يتخذها الموقف الرسمي حيال الاعتداءات المتكررة على الأقصى والمقدسات في القدس الشريف وتهويد حي الشيخ جراح وطرد أهله منه، حتى صارت التصريحات المكرورة المتشبثة بـ"الوصاية على المقدسات" باعثة على "الانتقاد" إن لم نقل "أكثر من ذلك".
لا أحد يطالب "الحكومة" بإعلان الحرب على العدو الصهيوني، لكن الوصول إلى هذه الدرجة من "الاستخذاء" والاكتفاء بالشجب والإدانة والتصريحات "المجانية" التي لا تسمن وإجراء الاتصالات، دونَما فعلٍ حقيقيٍّ على الأرض يؤشر إلى أن الأردن دولة فاعلة ومؤثرة ومستقلة وقادرة على اتخاذ إجراءات رادعة غير التشكّي والتباكي عند "المجتمع الدولي"، أمر يُدمي القلب.
الأردنيون يريدون مواقف وقرارات وأفعالا و"عيناً حمراء" بدل "المعاقَطَة"، في مواجهة الصلف الصهيوني، والإهانات المتكررة منذ زمن، من حكومة العدو، لنا، واستخفافهم بنا، حتى صار العالم كله يستخف بنا.
الأردنيون يريدون أن تكون عمّان "مقرا" لا "ممرا" وأن تكون كلمتها مسموعة وجانبها مُهاباً.
الحكومة في يدها الكثير الكثير من الأوراق التي تحتاج "رجالا"، ومواقف عملية شبيهة بـ"إرسال المساعدات الطبية" لأهلنا في غزة. مواقف تفرض احترام "الوصاية" وتحمي القدس الشريف والأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية وأهالي الشيخ جراح..
أمّا أن تخرج علينا لتقول: "نبذل كل ما نستطيع".. إذا كان هذا كلّ ما تستطيعون، فلا بكم ولا بمُستطاعِكم
إذبحوا ذبّاح الكلب.

مدار الساعة ـ نشر في 2021/05/24 الساعة 18:41