إعلامنا الى أين؟
تتجه وسائل إعلام أردنية مرغمة إلى الانحسار تدريجياً، وأبرز أمراضها المحتوى الهزيل بما يعكسه من ضعف التأثير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي إلى جانب الخسارات المالية المتلاحقة.
أسباب كثيرة قادت إلى هذا المصير المؤلم على مرأى من أصحاب القرار دون تحريك ساكن، وفي أحيان أخرى تهيئة البيئة لمزيد من التراجع من خلال قرارات غير مدروسة كتولية ملف الإعلام لشخصيات لا علاقة لها بالمهنة، وقد تكون حجر عثرة في تطويره بسبب الأفكار المعلبة التي تغلف عقولها.
لعل من أهم الأخطاء الكبرى التي احتفظ بها الإعلام الأردني كسمة أساسية له، هو غياب التخطيط المهني المدروس المتعلق بالأهداف الصغرى والمتوسطة وبعيدة المدى، حيث بقي إعلاماً وقتياً مرحلياً بعيداً عن تحقيق رؤى مرسومة مسبقا، ليراوح في خانة عامل المياومة، جل اهتمامه حصاد يومي من الأخبار وردات فعل عاطفية، لا تنشئ حصناً منيعا من الوعي بقدر ما تحقق رضا لدى هذا المسؤول أو ذاك.
وبغض النظر عن نوع الوسيلة، فإن التغطيات الإعلامية على اختلافها ظلت في إطار الاجتهادات الشخصية والتوجيهات الفردية من هناك وهناك، بعيداً عن كونها جزء من دولة لها أهداف متعددة محلياً وعربياً ودوليا، فانسلخت إلى مربع صغير يعنى بالوزارة والمتصرفية والحي –على ضرورته- متناسية أنها جزء مهم من دولة، متحولة بذلك إلى وعاء للأخبار الحكومية والبرلمانية (...) دون أن تتقدم إلى مربعات أخرى من خلق حالة وعي.
الخبر الرسمي هو السمة الغالبة لإعلامنا الوطني، يتعامل مع قضايا البلد على استحياء تاركا المجال للإعلام الخارجي لبث ما يشاء من سموم،، في حين أنه صانع للأحداث في دول أخرى، ولديه أدواته المقنعة للمساهمة في حماية أسوار بلده من أي استهداف بالحجة والدليل والبرهان، بينما نراوح نحن بين المنزلتين.
لم يعد مقبولاً أن يبقى الإعلام الوطني أسيرا لمبدأ «البركة» والهبّات والفزعات كأسلوب للعمل، فيما تنفق بعض الدول ملايين الدولارات على وسائل إعلامها لتكون سدا منيعا في مواجهة الخطوب الخارجية والداخلية.
مطلوب تهيئة جميع الظروف للوصول بالإعلام الأردني إلى إعلام دولة، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال تطوير حقيقي يسهم فيه المبدعون من أبناء المهنة والمفكرون من القطاعات المساندة الأخرى، بحيث لا تقيّم وسائل الإعلام على أنها شركات يجب أن تدر ربحا، فبعض وسائل الإعلام تحولت إلى مجلات حائط مدرسية وباتت عديمة الجدوى بسبب التخبط في التعامل معها.
تعزيز ثقة الأردني بإعلامه الوطني ضرورة ملحة، لكي يبادر إلى محطاته الداخلية وصحفه ومواقعه الإخبارية لمعرفة تفاصيل أي حدث في بلاده، دون تحريك «الريموت كنترول» إلى قنوات الفتنة ومحطات الكذب الكبرى، لكن ذلك لا يتأتى إلا عبر بناء حقيقي لهذه الثقة.
الإعلام ملف حساس، جزء أصيل من حاضر ومستقبل البلد، ويحتاج إلى العناية الحثيثة والجادة من الدولة، والتخطيط لإنجاحه ضرورة، فلا إعلام منتج ومؤثر بلا عقل، فهو ليس دكاناً لمستثمر يجتر منه الربح، فإن خسر أدار ظهره له وانصرف.
الربح المعنوي الذي يمكن للإعلام الوطني أن يحققه في هذه الظروف، من خلال انحيازه للأردن ومواطنيه، هو الأهم من جميع المكتسبات الأخرى. نحن في مرحلة لم يعد يكفي فيها الوعود بالالتفات إلى هذا الملف، فبعض وسائل الإعلام شارفت على الخروج من المشهد إن لم يتم الإسراع إلى استعادتها من فم الاحتضار وإعادتها إلى خندق الوطن.. الدايم الله.
Jamal.shtawi@alrai.com
الرأي