من عبدالهادي راجي إلى فيصل الفايز

مدار الساعة ـ نشر في 2021/05/07 الساعة 01:29

مدار الساعة - كتب - عبدالهادي راجي المجالي

دولة الرئيس فيصل الفايز.. مبارك لكم قيادتكم للمشروع الكبير (الحوار الوطني) أولاً .. وثانياً أبشركم أني من حزب (السحيجه)... وبالتالي لا بد أن أسحج بالقليل من عبارات الثناء لكم...
عزيزنا أبا غيث المحترم ...
أنا لا أقدم اجتهادا خالصا لي, ولكني في رمضان أمضي جل وقتي في الصيام وقراءة القران و(البحبشة) في الكتب القديمة لدي .. وأكتشف كم نحن بعيدون عن العالم, يا الله كم نبعد!.. ليتني أملك مقياسا لذلك ولكني للأسف لا أملك...
هل تعرف صموئيل هننغتون؟ - وأسألك دولة أبو غيث الحبيب - بالطبع تعرفه ودرست ربما بعضا من نظرياته في الحضارة, وتعرف أنه مؤسس النظرية الأمريكية المتعالية في مسألة الثقافة والدين... وهننغتون هو من قدم الدين على الحضارة صحيح أنه قال في بعض دراساته أن لكل حضارة ديناً يسندها ولكنه في نظرته للعالم الإسلامي صنفنا كحضارة دين.. من دون قيادة أو منجز أو تجديد.. هل نحن كذلك؟
أنا لا أعرف ولكني تهت في كتابه حين تحدث عن الحضارات التسع أو الست.. حقيقة توهني (هننغتون).. ولكن اكتشفت في النهاية أن حرب الخليج الثانية كلها وربما الأولى هو سببها.. لأن دراساته في صراع الحضارات سبقت كتابه ... وجمعها كلها فيما بعد ونقحها في الكتاب.. والنفوذ الأمريكي في المنطقة، والعداء لإيران.. كل ذلك كان مجرد ترجمة لكتاب هيننغتون.. صراع الحضارات، هذا الرجل وضع دستورا للسياسين الأمريكيين منذ السبعينيات ومشوا عليه... وهو من أنتج الأديان كعدو, وربما وجد في الحضارة الإسلامية هدفا كونها الأكثر هشاشة من الحضارات التسع التي أشار إليها في كتابه ...
 هل تعرف كيف نشأ الإتحاد السوفيتي؟.. هذه الدولة العظيمة نشأت من عقل رجل جلس في مكتبه، بعد امتهانه للمحاماة.. وأنتج كتاب الثورة والدولة وهو (لينين).. الذي أمضى عاما كاملا من النفي في سيبيريا وهو يصيغ فصوله متأثرا بمعلمه (كارل ماركس)... وفي هذا الكتاب هاجم لينين المجتمع الرأسمالي في روسيا، ولم يقم بمهاجمة شكلية بل تعمق في نسف روح النظام الرأسمالي.. وربما كان السؤال الأكثر جدلا في كتابه هو سلطة الرأسمالية المتمثلة في الشركات وضعف نفوذ وسلطة الدولة أمامها.. لا أريد الغوص في التفاصيل، ولكن حقيقة هذا الكتاب هو من أشعل الثورة في روسيا وبشر بالعهد الشيوعي الجديد..
حسنا الناصرية كيف بدأت؟ ..
حين كان عبدالناصر ضابطا في الجيش، وقع بين يديه كتاب لمحمد حسنين هيكل وربما كانت هذه هي أول معرفة للرئيس عبدالناصر بمحمد حسنين هيكل.. وكان اسم الكتاب (ايران فوق البركان)... أصدره في العام  51 وهذا العام كان ملتهباً في إيران وذهب هيكل إلى هنالك كي يغطي الأحداث التي تلت اغتيال رئيس الوزراء (علي رزم اراه) .. وفي هذا الكتاب شخّص هيكل أزمة المجتمع الإيراني وأزمة (الشاه) بالتحديد.. كان حصيلة شهر كامل من الحوارات والتجول في الشارع الإيراني وقياس رأي الناس.. والغريب أن هيكل لم يتطرق للنظام السياسي الإيراني وقتها... بقدر ما تطرق لسلطة الدين وحرب النفط القادمة.. وسلطة الحوزة, وهو من بشر بتغيير وجه إيران... ربما التقط عبدالناصر وعبر هذا الكتاب مسألة في هيكل وهي قدرته على إنتاج مشروعه الخاص بالثورة الناصرية، وقد  كان وقتها يعد العدة مع رفاقه للإنقضاض على فاروق....
خذ مثالا أقرب دولة الرئيس..
خذ (محمد أركون) المفكر الجزائري العظيم.. هل تعرف كيف خرجت الجزائر من الأزمة السلفية.. ومن صراع دموي قاتل أودى بحياة الألوف من شعبها...عادت لقراءة نظرية (الجهل المؤسس) لمحمد أركون الذي انتقد فيه النظام التعليمي في العالم العربي.. حيث سأل أين يتكون الأستاذ ومعلم الأطفال ومن يكونهم.. وما هو النظام الجامعي الذي يشكل انماط تفكيرهم... وكيف صار الجهل المؤسس بنيوياً.. انتقد أركون الجامعات ومكتباتها.. وانتقد العقل العربي الذي ظل رهين منتج محلي.. ولم يطلع على تجارب الآخر...
الجزائر مع أن الكثير من مفكريها انتقدوا محمد أركون، إلا أن نظريته هي الوحيدة التي فسرت.. ما حدث في الجزائر من دم وانغلاق.. وفوضى، لهذا بعد العام 91 أعادت الجزائر النظر في نظامها التربوي.. وفي ثقافتها.. وأنماط وأشكال التعليم الجديد... وخرجت من بحر الدم
دولة الرئيس ..والأخ فيصل الفايز
في الأردن نحن ماهو منهجنا، من هو المفكر الذي نستند عليه في نهضتنا؟ ما هو المشروع الذي نحمله حتى نقنع الناس فيه، وهل أنتجنا كتابا اعتمدناه كمحرك لسياستنا وطريقة تعاطينا مع الاخر؟
هل قرأت النماذج التي سردتها لك ...؟ .. اسمعني جيدا دولة الأخ الحبيب.. نحن أنتجنا دعايات مستوردة: الليبرالية أنتجناها في مفاصل الدولة.. ولكن للأسف الليبراليون جميعهم وأتحداك.. أن يعرفوا (جون لوك) مؤسسها وباعثها ومنظرها.. الخصخصة هل عرفنا معنى الخصخصة؟ ستصدم إن قلت لك أننا استوردنا تجربة (ثاتشر) في بريطانيا .. وستصدم أكثر إن قلت لك أن مؤسس الخصخصة في الأردن والسجين الحالي ..هو مجرد شخص اطلع على رسالة دكتوراة لباحث إفريقي في جامعة (جورج تاون) حول مدى صلاحية التجربة البريطانية لبلدان العالم الثالث دون أن يقرأ تأثيراتها الإجتماعية وطبقها للأسف علينا..
حتى المنظرون في الإتجاه الوطني، هم ذاتهم لا يدركون أن الحركات الوطنية في العالم كله انتهت بثورات دموية.. بعضها فشل وبعضها نجح وتمت محاصرته...
الأخ الرئيس دولة فيصل الفايز ..
أنت تحتاج لموفق محادين.. وهو منظر وباحث ومفكر أردني، يستطيع أن ينتج لك مشروعا كي تسير عليه وتطبقه على الأقل كتب أبحاثا في نشأة الدولة وتطورها الاجتماعي لا تقل أهمية..عما كتبه علماء الإجتماع في العالم... تحتاج لشخصية مثل الدكتورة هند أبو شعر.. والتي أرخت للعقل الأردني قبل أن تأرخ للمكان...تحتاج لهشام غصيب مفكر عربي من طراز رفيع وهشام يجرؤ أن يصنع للدولة مشروعها.. هشام غصيب لو كان مصريا أو لبنانيا لكان حالة عالمية على الأقل لن تقل في تأثيرها عن تأثير (روجيه غارودي)...
ولكن أن تنتظر البعض من موظفي القطاع العام كي يأتونك ويشيدون بذكائك وثقة الدولة بك، وينصبونك شيخا على كل القبائل ووجها أردنيا.. فهذا الأمر لا ينتج حوارا ولا ينتج مشهدا ...
ما تحدثت به دولة الرئيس ليس موجها لك وحدك.. ولكنها أزمة المؤسسات في الأردن للأسف.. وهي الأزمة التي اختصرها برهان غليون في جملة واحدة : (اغتيال العقل )... والان انتقلت الدولة لمرحلة أخرى وهي اغتيال القلب..
واسلم لحبيبك وصديقك..

مدار الساعة ـ نشر في 2021/05/07 الساعة 01:29