مازن الفراية: جنرال حداثي في الداخلية

مدار الساعة ـ نشر في 2021/05/06 الساعة 04:12

مازن الفراية ضابط كفؤ، تقدم في مواقع الخدمة العسكرية، وتولى مهمات دقيقة، لمع في ظل أزمة كورونا، مديراً لخلية الأزمة، وكان المصطلح «خلية أزمة» جديد على الأردنيين، وتزامن ذلك مع استعادة الذاكرة الجمعية للناس لأوامر الدفاع، التي غادروها منذ زمن، لكن الجائحة أتت بها، والفراية حملته الجائحة للواجهة، بدى رجلاً حازماً، وأعاد لمركز الأزمات حضوره، أو انه استعاد المركز الذي انشئ لغايات كبيرة، لكنه غُيب، وهو اليوم بيت خبرة كبير.

الفراية أطلّ على الناس في بزته العسكرية، سرعان ما اصيب الجنرال بفايروس الكورونا، وتزامن ذلك مع اصابة العميد عادل الوهادنة مدير الخدمات الطبية، كان الخلية قد ضربت في أهم رؤوسها، فالفايروس لا يُميز، بين رئيس خلية او مدير مستشفى او مواطن عادي، آنذاك منذ السابع عشر من آذ 2020 بدأت صافرات الإنذار تضرب مسامع الناس الساعة عند السابعة مساء وتعود في اليوم التالي. خسرنا كثيرا بين شهري آذار وحزيران، وللأسف كانت الاصابات قليلة ونادرة والخسائر المالية كبيرة على البلد. وهنا حق الناس السؤال عن التقديرات التي بنت خلية الأزمات قراراتها فيها، مما أدّى لتعاظم ازمة الاقتصاد. فمن افتى بوجوب الحظر الشامل في ظل اصابات قليلة ونادرة، ومن يتحمل مسؤولية ذلك. أهو الفراية ام فريق ازمته، ام توصيات لجنة الأوبئة، كل هذا سيكشفه التاريخ ودراسة تاريخية راهنية عن ازمة كورونا والأردن.

لكن الحظر والحجر والمناطق المتاحة لذلك، والتي رُسّمت خلال الشهور الأولى من الأزمة، أوجدت صيغ عديدة للعزل والحجر، وصعدت ثقافة ومصطلح الحجر المنزلي والحجر الفندقي، والحجر الشعبي، والأخير لم يقال. لكن تجسد في البحر الميت وعلى الحدود، وآنذاك دخل الفراية على خط الحضور الإعلامي، ولم يكن عنده أي مثالب، غير أنه لم يفصل او يفصل للناس بين رأي لجنة الاوبئة ورأي خلية الأزمة.

غاب الرجل قليلاً، بعدما باتت حكومة الرزاز تجري مؤتمرها اليومي الصحفي من دار الرئاسة وليس من المركز الوطني، حيئنذ بات واضحاً وقد كنا غادرنا شهر حزيران أن مركز الأزمات انتهى دروه، ليجتمع الملك ويعلن الـتأكيد على دور مركز الازمات في توحيد الجهود، وكانت البلد قد ضربت في مأمنها من الحدود، وظهرت قصص عرس اربد وسائق الخناصري وغيرها، واعيد حضور المركز الوطني، إلى أن أقيل وزير الداخلية سمير مبييضين، فحل الفراية محلة، لم يتغرّب كرسي الداخلية، كركي سلم كركي، تلك هي عقدة الجغرافيا في التمثيل، وسلفه المبيضين خَلَف كركيّا أيضاً، ولِمَا لا في منظور الناس، مع أن المناطقية ليست قصة ايجابية في الدول المعاصرة كسبيل للتوزير، لكنها خلطة البلد وآليات التمثيل.

أن الفراية اصغر وزارء الداخلية ربما سناً في آخر ثلاثة عقود. وقد بات الجنرال وزيراً للداخلية، وهو العسكري الشاب، النبيه البسيط، والصارم في آن، والمولود في قرية الجديدة عام 1969 والمتخرج من جامعة مؤته الجناح العسكري عام 1992، والذي يعي معنى العسكرية، ومعنى الجدية في الإدارة، وهو المقدر لدور المحافظ في موقعه، والذي أصلح كثيراً وغير في مركز الازمات نحو الايجابية والحضور الفاعل.

الجنرال الشاب، ليس متقاعداً، بل جاء وهو على رأس عمله، لم يغشاه الملل بعد، لكنه اليوم امام تحدٍّ كبير، تطوير عمل الحكام الإداريين، ونقل الداخلية إلى عالم جديد، يستوعب الرقمنة والتكنولوجيا ويخلق التنمية، فوزارته موصوفة بطابعها الأمني السيادي، لكنها تستطيع ان تقدم ما هو أكثر من مجرد تصاريح تنقل او موافقات امنية او غير ذلك.

بعد حاثة السلط اختبر الرجل في اول مواجهة مع النواب، يومها ربما لم ينس أنه غير موقعه، من رئيس خلية يأمر ويطلب تنفيذ أوامره، إلى مقعد وزير تحت القبة يسائله النواب، لكنه تفهم سريعاً وتجاوز المسافة بين البزة العسكرية والمدنية، وبدا اضحاً منه في أول تصريح له، أنه يفهم التسلسل الإداري للدولة، ويؤمن بها، ولما قال انه سيكلف المتصرف بتفقد المستشفى، كان يعي ويعرف قيمة وحدود الوظيفة العامة للمتصرف كحاكم إداري، يومها تندر البعض واستغرب، كيف يأتي الجنرال بالمتصرف ليقود اطباء، لكن حقيقة الأمر أنه لو كان العمدة رئيس البلدية او المتصرف بخير لكن الوضع مختلفاً، فالمتصرف هو الممثل عن الحكومة وصاحب القرار، لكن ليس ذنب الفراية ان الإدارة العامة تفككت وتفسخت وبات المعلم والمتصرف في مؤخرة المجتمع.

الفراية اليوم أمام اختبارات كثيرة، واما حالة منتظرة منه في وزارته، وهو قادر على أن يضع لمسته. فهو ليس جنرال تقليد، بل جنرال شاب ومتعلم ونابه، وقادر على التفكير بصيغ بديله لاداور الحكام الإداريين وحدود صلاحياتهم، هنا علينا ان نُذكّر بلقاء جلالة الملك في محافظة عجلون عام 2003 بالحكام الإداريين والطلب منهم المساهمة بأداور تنموية.

يؤمن الفراية بالتحديث، كما يحب ضرب الفساد والترهل، ولا يطيق ان يجد انفاقاً في غير مكانه، ولهذا فإنه ربما سيحقق الجديد في عمل الداخلية، ربما نقول هنا ليس المطلوب منه التوفير، بل تمكين موظفي الوزارة بافضل الدورات، وانشاء معهد تدريبي معتمد، وتحسين ظروف الحاكم الإداري وراتبه ومخصصاته من الوقود، فهي لا تكفي البعض اسبوعا، إذا كانت محافظته واسعة وممتدة، ولا ننسى انهم لا يرون أهلهم ولا يأخذون اجازاتهم إلا نادراً، لموت قريب، أو مرض لا مفر منه.
الدستور

مدار الساعة ـ نشر في 2021/05/06 الساعة 04:12