ذوقان عبيدات يكتب: بين العقل المستقيل والذوق المفقود

الكاتب : د. ذوقان عبيدات حين يستقيل العقل يُظهر فورا مجموعة من المترتبات في مقدمتها: الجهل والتعصب والتطرف والتمييز والتعالي وقد تصل إلى التكفير. فالعقل المستقيل غالبا هو عقل مساير يخضع للقطيع، فقد يتخلى عالِمٌ عن عقله وينقاد خلف جاهل ضمن قطيع فيفكر كما يفكرون ويتصرف كما يتصرف القطيع . وهذا ما يفسر كيف ظهر قادة متطرفون غير متعلمين وقادوا قطيعا من معلمين وأطباء وأساتذة جامعات وربما خبراء وتقنيون ! فالعقل المستقيل سلم نفسه للقطيع، ولذلك لا نستغرب صدور أفكار ساذجة من مفكرين أو علماء كبار . فقد يكون هذا مفهوما، لكن كيف يستقيل الذوق من الإنسان ؟ وأبدأ حديثي برسالة وصلتني من حامل شهادة دكتوراة في اللغة العربية ، سأنقل نصها حرفيا علما بأنها جاءت ردا على فكرة العقل المستقيل عند بعض الأردنيين على خلفية موت الشهيد الرياضي غير المسلم راشد الصويص : 'إن الأردنيين يتحصنون بعقول رصينة ومفكرة. وليس أدلّ على ذلك ما وصل إليه الأردن من حضارة راسخة ومكانة مرموقة، وإنجازات باهرة، احتفى بها الأردنيون جميعهم في مئوية الدولة الأولى في ظل الراية الهاشمية. أمّا ما تشيعه بعض ما تعانيه عقول من تلف وتليف فهو مدعاة للسخرية والإسفاف. ينبغي اجتثاث من يروج ذلك!' ( انتهت الرسالة ). وملاحظاتي على هذه الرسالة التي وددت إشراككم فيها وهي رسالة كما قلت من حامل دكتوراة: - يقول بأن الأردنيين يتحصنون بعقول رصينة ومفكرة مما يوحي بأن أحدا اتّهم الأردنيين بقلة العقل ! - ويقول إن دليله على عقل الأردنيين هو ما وصل إليه الأردن من حضارة راسخة . ولا أدري إن كانت الحضارة تبنى أم يتم الوصول إليها ؟ وأي حضارة راسخة تلك التي يقصدها الدكتور؟ هناك حضارة إسلامية، غربية، رومانية، يونانية، صينية، ولكن ما الحضارة التي يقصدها الدكتور الغالي؟ - وفي لغة الذوق تقول الرسالة إن من يتحدث عنهم تعاني عقولهم من تلف وهم مدعاة للسخرية والإسفاف، وينبغي اجتثاث من يروج ذلك! كنا نقول : تحتاج مناهج الأطفال إلى التركيز على الإيتيكيت والحوار والتواصل وفهم المعنى، ولكن لم يقل أحد إن أشخاصا برتبة دكتور يحتاجون إلى الذكاء العاطفي والذي يُعتبر الذوق أحد ركائزه الأساسية! ماذا إذا فقد أحد ما الذوق؟ هل يفقد العقل مع الذوق؟ وهل يمكن أن يكون شخص ما بعقل قليل وذوق قليل أو ذوق كبير؟ وما العلاقة بين الذوق والعقل؟ قد يكون الشخص عالما وليس مالكا لأي ذوق . لكن من المفروض وجود معادلة طردية تقول : يرتفع الذوق بارتفاع المعرفة وزيادة درجة العلم . إن حرمان إنسان ما من الذوق هو أقسى ما يمكن أن يتهم به أحد ! مرة أخرى : من يعلم حامل الدكتوراة بعض مسلمات الحوار؟!! ملاحظة : ستوضح المقالة القادمة عما يترتب على الذوق المفقود