القضاة يكتب: نحو لا مركزية حقيقية عنوانها نقل الصلاحيات للمحافظات
بقلم : بهاء محمد القضاه
حسناً فعلت الحكومة حينما ذهبت في أساس تعديلاتها الجوهرية المقترحة لقانون الإدارة المحلية بنقل الصلاحيات بالكامل من العاصمة إلى المحافظات، هذا الإجراء الذي سيعمل نقلة نوعية في تجربة مجالس المحافظات ويُصحح الخلل الذي كان في التجربة الأُولى للمجالس التي لم تكُن تجربة ناضجة حسب ما صرّحت به الحكومة في وقت سابق، الأمر الذي دفعها لسحب مقترح القانون من عهدة البرلمان وقامت بإجراء تعديلات جوهرية أساسها نقل الصلاحيات من العاصمة للمحافظات لا تفويضها فقط.
هذه المادة الواضحة وضوح الشمس ولا لُبس فيها ستكون أساساً لضمان نجاح التجربة الجديدة وعليها ستُقاس النتائج التي من الممكن أن تتحقق بسبب هذا التعديل الجوهري، إضافةً إلى بعض التعديلات الهامة التي اقترحتها اللجنة الوزارية المُشكلة لهذا الخصوص والتي خلُصت إلى أن تحربة مجالس المحافظات يجب أن تكون أكثر نجاحاً في المرحلة المقبلة.
وفي الحديث أيضاً عن المُقترحات التي قدمتها اللجنة الوزارية وانتهت منها مؤخراً ورفعتها لمجلس الوزراء لإقرارها وسيرها من الأُطر الدستورية فإننا نتحدّث هُنا عن العديد من السيناريوهات لشكل الأعضاء الذين سيكونوا في المجالس القادمة، فالحديث عن سيناريو تعيين المُنتخبين في المحافظة ومنهم رؤساء البلديات تحديداً يُعتبر من الأُمور الهامة التي ستنهي الجدل حول شكل العلاقة الرسمية ما بين مجالس المحافظات والبلديات، فوجود رؤساء البلديات في عضوية مجالس المحافظات سيخفف من وتيرة الصراع بين المرجعيات الرئيسية في المحافظة ويجعل التكاملية في صنع القرار عنواناً للعمل وليس العكس، كما أننا نجد بأن الذهاب لهذا السيناريو يدلل بأن هنالك نية لدى الحكومة بإثراء التجربة لا العكس، فالمُنتخبين الذين سيتم تعيينهم هم من أصحاب الخبرات في المحافظة مثل مسؤولي غرف التجارة والصناعة والإتحادات النسوية والفعاليات الأُخرى التي تم انتخابها وفقاً لاختصاص عملها وهذا الأمر يُثري التجربة ويجعل منها نوعاً من التخصصية المطلوبة للعمل التنموي الذي يُعتبر أساساً للنهوض في المحافظة، وسينتج لدينا مجالس تكنو-قراطية ستُقدّم عملاً مختلفاً عمّا كانت عليه التجربة السابقة.
أمّا بالذهاب إلى السيناريو الثاني الذي يدمج ما بين تعيين المنتخبين في المحافظة و انتخاب الجزء الآخر انتخاباً مُباشراً فإن هذا السيناريو سيلقى أيضاً ترحيب من المواطنين خصوصاً وأنني كما أسلفت سابقاً سينتج لدينا خبرات متخصصة وشخصيات خاضت غمار العمل العام وإلى جانبهم نُخبة من الذين أبدوا رغبتهم قبل صدور القانون رسمياً بالترشح لخوض غمار الانتخابات، ويعطي هذا السيناريو أيضاً قوة إضافية للمجالس المحلية خصوصاً وأن جوهر اللامركزية هو المشاركة الشعبية وإشراك المجتمع بكافة أطيافه في هذه المجالس التي تسعى لرسم خارطة الطريق للمحافظة ولتحقيق أكبر ما يمكن من المُكتسبات التي من الممكن تحقيقها للمحافظة والنهوض بها تنموياً وفي كافة مجالات الحياة، كما يُعطي هذا السيناريو تنوعاً في تركيبة الشخصيات المجتمعية التي تمتلك خبرات واسعة وترغب في أن يكون هنالك تطور ملحوظ في واقع محافظتهم وليس العكس.
ولم تغفل اللجنة الوزارية المُشكلة لهذا الخصوص ضمان وصول المرأة لعضوية المجالس المحلية بكلا السيناريوهين حيث وضعت اللجنة نصّاً واضحاً يحدد الكوتا النسائية في عضوية المجالس بنسبة ٢٥٪ من أعضاء مجالس المحافظات، وهذه النسبة ستُعطي الفرصة مرتين للمرأة، مرة في التنافس المباشر وهذا لن يكون من ضمن النسبة المخصصة للكوتا وإذا لم يحالفهن الحظ بالتنافس المباشر فإن الكوتا هنا ستكون لصالحهن بنسبة الربع على الأقل من أعضاء مجلس المحافظة.
إذن، نحن هنا اليوم أمام سيناريوهين مقترحين من اللجنة الوزارية المُشكلة لاقتراح التعديلات التي ستكون كلمة الفصل النهائية فيها لمجلس الأُمّة الذي سيخصص بكل تأكيد جلسات مطوّلة لدراسة تعديلات قانون الإدارة المحلية القادم بعد أن تتم إحالته لعُهدتهم خلال الفترة القريبة القادمة من مجلس الوزراء بعد أن تستكمل التعديلات هذه الأُطر القانونية المُتّبَعة.
أمّا في السياق الآخر الذي ذهبت إليه اللجنة الوزارية التي عملت على تعديل قانون الإدارة المحلية وإضافة المواد المتعددة التي ستُسهم في إنجاح التجربة الجديدة لمجالس المحافظات بوجهة نظرهم فقد كان الحديث هُنا عن ضرورة نقل التبعية الإدارية لهذه المجالس لوزارة واحدة متخصصة عكس التجربة الماضية التي كانت فيها مجالس المحافظات تتبع لأكثر من وزارة بحكم أن التجربة كانت حديثة الولادة فتم التوافق بأن تكون وزارة الإدارة المحلية هي الجهة الرسمية التي تتبع لها هذه المجالس لتنظيم أعمالها والرقابة عليها بالإطار العام وهي المرجعية المُختصة للفصل في أي أمر يتعلق بهذه المجالس، وهُنا نجد بأن هذا التعديل يعطي وضوح أكثر فيما يتعلق بالمرجعية القانونية للمجالس المحلية، وينهي الجدل حول تعدد المرجعيات بهذا الخصوص.
ونعلم تماماً اليوم بأنّ كل ما ذهبت إليه اللجنة الوزارية ليس فرضاً على من سيناقش المقترح فهنالك فرصة أمام المواطنين والمتخصصين منهم تحديداً ليقولوا ما في جُعبتهم لإثراء التجربة وليس الوقوف متفرجين، فيمكن لمن لديه إضافة أو مقترح يُثري التجربة بأن يتقدّم به من خلال التواصل مع من يُمثّله في مجلس الأُمّة بشقيه الأعيان والنواب، أو من خلال تقديم المُقترحات التي يرونها مناسبةً من خلال مؤسسات المجتمع المدني المختلفة، أو من خلال تشكيل قوى ضغط شعبية للإسهام في وضع التعديلات التي يرونها مناسبةً.
ختاماً أقول بأن لدينا فرصة ذهبية لتعزيز المشاركة الشعبية في التنمية المحلية وهذه الفرصة لن تكون إلّا أداة من أدوات التغيير للوصول للإصلاح المنشود بكافة مجالاته، فإنجاح تجربة المجالس المحلية لن يكون أثره إلّا على المواطنين بالدرجة الأُولى وهذا لن يحصل إلا بمجالس محلية قوية أساسها العمل المستدام وتنمية المجتمع وتقدمه وازدهاره الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى توزيع مكتسبات التنمية والتخطيط السليم لكل ما يلزم للمحافظة من عمل تشاركي يُسهم في نهضتها وتقدمها ونكون هنا قد أسمهنا فعلاً في تقدّم أردننا الحبيب وهذا هو جوهر العمل السياسي الحقيقي.