هل تنقذ التكنولوجيا الجديدة العراق من أزماته الاقتصادية؟

مدار الساعة ـ نشر في 2021/04/23 الساعة 20:23
مدار الساعة - في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة إلى إعادة صياغة علاقاتها مع العراق، يمثل ظهور الاقتصاد الرقمي في العراق فرصة لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للتفكير في تشجيع تطور الاقتصاد العراقي. فبعد 18 عاماً من غزو الولايات المتحدة للعراق والإطاحة برئيسه الراحل صدام حسين، يستعد الاقتصاد العراقي لقفزة تكنولوجية يمكن أن تتيح له تجاوز كل من المشاكل الهيكلية وثغرات الفساد التي تخنق القطاع الخاص. ففي 1 مايو(أيار) المقبل سيدشن المصرف العراقي للتجارة تطبيقه للخدمات المالية عبر الهاتف المحمول، الخطوة التي قد تبدو بسيطة، لكن القدرة على دفع الأموال عبر الهاتف ساعدت الكثير من الدول في أغلب مناطق العالم على تجاوز البنية التحتية المصرفية المادية الضعيفة، وجففت نظم الفساد وشجعت على الابتكار، حسب الدكتور بلال وهاب الباحث في معهد واشنطن، وميشيل روبين الباحث المقيم في معهد أمريكان إنتربرايز الأمريكي في التحليل الذي نشرته مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية. أكثر الدول فساداً ويقول وهاب وروبين إن الفساد شكل عقبة في طريق الاقتصاد العراقي لسنوات طويلة، وتضع منظمة الشفافية الدولية العراق ضمن الدول الأكثر فساداً على مستوى العالم، متقدمة فقط على إريتريا، وكمبوديا، مع تحسن طفيف مقارنة مع مستوى الفساد قبل 10 أعوام، وأدت المظاهرات الشعبية الحاشدة الرافضة للفساد في العراق في أكتوبر(تشرين الأول) 2019 إلى استقالة رئيس الوزراء لكنها لم تؤد إلى إصلاحات ذات معنى. وأضافا أن من أبرز القواسم المشتركة بين مكونات الطيف السياسي العراقي، استعداد السياسيين لاستغلال مناصبهم لإثراء أنفسهم وعائلاتهم أو شركاتهم، وتبدو المشكلة أكثر وضوحاً في كردستان العراق، حيث يستخدم السياسيون طائرات خاصة في حين أن رواتب الأطباء والمعلمين لم تدفع منذ شهور. وفي عهد صدام حسين، وفي السنوات الأولى بعد الإطاحة به، كانت الحكومة العراقية تدفع الرواتب للموظفين نقداً، وهو ما يفتح الباب أمام إدراج أسماء وهمية في كشوف المرتبات، ويتيح للرؤساء اقتطاع أموال لأنفسهم من رواتب مرؤسيهم. ولمواجهة هذه الممارسات سعت الحكومة إلى الانتقال لنظام دفع الأجور عبر الحسابات البنكية، وأصبح الأمر إلزامياً للعاملين في رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية، لكنه لا يزال اختيارياً للعاملين في البرلمان. ولكن إيداع المرتبات في حسابات بنكية لا يكفي لسبب بسيط وهو أن العراقيين لا يثقون في البنوك، واستخدام الخدمات المصرفية في العراق منخفض، فحتى 2017 كانت نسبة العراقيين الذين يملكون حسابات مصرفية نحو 20% من إجمالي العراقيين. مصارف قليلة الكفاءة والآن ورغم وجود حوالي 70 بنكاً في العراق، تستحوذ 3 بنوك كبرى، هي الرافدين، والرشيد، والمصرف العراقي للتجارة على حوالي 85% من إجمالي أصول القطاع المصرفي. ولا يوجد سوى بنك دولي كبير واحد في العراق حالياً وهو ستاندرد تشارترد ويملك عدداً قليلاً من الفروع ويركز على المشاريع الحكومية الكبرى. وفازت شركة إنترناشيونال سمارت كارد العراقية بعقد لصرف أجور العاملين في الحكومة إلكترونياً عبر بطاقات مؤمنة بالعوامل البيولوجية 'كيو آي كارد'، وفي 2019 قالت الشركة إن لديها حوالي 7 ملايين شخص يحملون بطاقاتها. ويقول الباحثان إن ضعف النظام المصرفي في العراق يعتبر سبباً رئيسياً وراء وضع البنك الدولي العراق في المركز 186 من أصل 190، على مؤشر سهولة الحصول على القروض ضمن تقرير البنك الدولي عن ممارسة الأعمال لسنة 2020، وأدى هذا إلى خروج كبير لرؤوس الأموال من العراق. ويقول علي علاوي وزير المالية العراقي على سبيل المثال إن حوالي 250 مليار دولار خرجت من العراق منذ 2003 وهو ما يعادل ثلاثة أمثال الميزانية السنوية للعراق، في الوقت نفسه فإن ضعف النظام المصرفي دفع المواطنين العراقيين إلى الاعتماد بصورة أكبر على التحويلات المالية غير الرسمية ما يؤثر سلباً على قدرة الحكومة على متابعة حركة الأموال، وتحصيل الضرائب، والرسوم، وعلى سبيل المثال فإن الخزانة العامة تفقد حوالي 90% من الإيرادات المحتملة للجمارك والمقدرة بنحو 7 مليارات دولار سنوياً بسبب فساد المسؤولين والمليشيات المسلحة. وفي الوقت نفسه فإن الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان لا تبذلان جهداً كافياً لتعزيز ثقة المواطنين في النظام المصرفي، وهناك مشروع قانون في البرلمان العراقي للتأمين على الودائع لا يهتم به أحد. بفضل كورونا وفي 2014 عندما واجهت حكومة إقليم كردستان أزمة سيولة، استولت على أموال الودائع في البنوك ما بدد ثقة المواطنين في القطاع المصرفي ككل، ولكن جائحة فيروس كورونا المستجد دفعت أعداداً كبيرة من العراقيين إلى القبول بفكرة الاقتصاد الرقمي. وفي أربيل وبغداد تزايدت شعبية تطبيقات توصيل الطعام عبر الأجهزة الذكية مثل تيب توب والسريع، وفي مدينة السليمانية بإقليم كردستان، زاد إقبال السكان على استخدام موقع بييك بوك دوت كوم لشراء احتياجاتهم بدل الذهاب إلى المتاجر. وبينما يستعد العراقيون لعصر الاقتصاد الرقمي، حيث أن أكثر من 40% من العراقيين مولدون بعد الغزو في 2003، فإن خطوة دخول المصرف العراقي للتجارة إلى عالم المعاملات المصرفية عبر الهاتف المحمول، سيتردد صداها في مجالات أوسع بالنسبة للثقة العامة. وعلى سبيل المثال عندما يغرم راكب السيارة في العراق 50 ألف دينار (34 دولار) لأنه لم يضع الكمامة الواقية من كورونا، فإنه لا يعرف إذا كانت الأموال التي سيدفعها تصل إلى الخزانة العامة أو تذهب إلى جيب رجل الشرطة. ولكن عند سداد الغرامة عبر تطبيقات الهاتف المحمول، سيتأكد من وصولها إلى الخزانة العامة، الأمر نفسه ينطبق على مختلف أشكال الغرامات والرسوم التي يدفعها العراقي، في الوقت نفسه فإن تقديم المصرف العراقي للتجارة للخدمات المصرفية الإلكترونية يمكن أن يتيح للعراق التغلب على العقبات المتزايدة بالنسبة للبنية التحتية للبنوك التقليدية، والفساد الناجم عن تداخل المصالح. وتملك أغلب أقاليم العراق مثل كربلاء والأنبار وبغداد القدرة على جذب المستثمرين وإتاحة الفرصة أمامهم لتحقيق أرباح كبيرة، لذلك فإن الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول ستسهل ممارسة الأنشطة التجارية، وتساعد في تجنب الرسوم المصرفية الكبيرة وتدعم قدراً أكبر من الشفافية. ضد إيران لذلك يدعو الباحثان بلال وهاب وميشيل روبين الإدارة الأمريكية إلى تقديم كافة وسائل الدعم للحكومة العراقية لتطوير النظام المصرفي العراقي ودفعه نحو الاقتصاد الرقمي مع ضمان أمنه المعلوماتي، وفي الوقت نفسه فإنه من مصلحة الولايات المتحدة التنسيق والتعاون مع العراق لضمان ألا تتحول تطبيقات المعاملات المالية عبر الهاتف المحمول التي تسمح بتحويل العملات بين الدينار والدولار، إلى قناة خلفية لإيران للالتفاف على العقوبات الأمريكية.
مدار الساعة ـ نشر في 2021/04/23 الساعة 20:23