العتوم يكتب: الاستقلال.. شعلة ثورة وصمود وطن وشموخ ملك

مدار الساعة ـ نشر في 2017/05/25 الساعة 15:23

د.حسام العتوم

الرصاصة الأولى لشريف العرب وملكهم الحسين بن علي عام 1916، وشيفرة الفرس الشقراء، ومناشير (علب السجائر) للتخلي عن الأتراك آنذاك، هي نداءات وصيحة لانطلاقة ثورة العرب الكبرى المجيدة، ولمسيرة الهاشميين الكريمة صوب بناء مداميك استقلال الأردن وبلاد الشام وبلاد العرب.

وكتاب المؤرخ الأردني الكبير المرحوم سليمان الموسى (الحركة العربية) يؤكد قولي هذا، ففي الصفحتين (351/352 منه) رسالة خاصة للجنرال اللنبي قالت: (.... أما المنشور فهو عبارة عن نداء من الشريف حسين للعرب كي يتخلوا عن الأتراك وينحازوا للقتال ضدهم من أجل تحقيق حرية البلاد العربية واستقلالها، ونتيجة لهذه الدعاية يأتي كثيرون من العرب إلينا).

ومن الواجب والمهم القول هنا بأن ميلاد الأردن وسط المنطقة الشامية وبعد اندثار النظام التركي بقوة الثورة، ورغم الإسناد الإنجليزي لا علاقة له بمعاهدة سايكس–بيكو التي صممت للإطاحة بثورة العرب وللتعاون مع الأتراك والإنجليز والفرنسيين لإدخال الضوء اليهودي المتلاحم مع الصهيونية لبناء الدولة العبرية غير الشرعية على أرض فلسطين التاريخية، وفي قولي هذا حقيقة عدم شمول وعد بلفور 1917 (حسب رسالة أرثر بلفور إلى اللورد ليونيل روتشيلد التي أيدت إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين) الأردن بجهد الأمير عبدالله الأول، وتعريب قيادة الجيش العربي الأردني وطرد الجنرال كلوب باشا ومعاونيه عام 1956 رغم الانتداب البريطاني السابق في بدايات تاريخ الأردن عام 1921، وكان ذلك بمبادرة مباشرة من عظيم الأردن الراحل الحسين طيب الله ثراه، وبالتزامن مع حراك الشارع الأردني السياسي اليساري والقومي والعسكري أيضاً على مستوى الضباط الأحرار–بقيادة علي أبو نوار، وكذلك الأمر فيما يتعلق بإلغاء المعاهدة الأردنية البريطانية لعام 1923، والذي تحقق عام 1957 بعد عام واحد من تعريب قيادة الجيش بقرار من حكومة سليمان النابلسي (الشيوعي التوجه) وبموافقة مجلس النواب، وهي المعاهدة التي زجت أنفها آنذاك للاعتراف باستقلال إمارة شرق الأردن (ندوة الأستاذ الدكتور أحمد ماضي، 13 آذار 2013) في زمن أعلنت فيه كل من (مصر وسوريا والسعودية) بالوقوف مالياً إلى جانب الأردن عوضاً عن انجلترا، وما سبق ذكره قبل قليل كان في عهد الحسين الباني الراحل أيضاً، واحتراز أردني وقتها تم من خلاله رفض استغلال القواعد الإنجليزية لديه للاعتداء على مصر.

ومن أصعب محطات استقلال الأردن المبكرة، وحسب ما أعتقد هي جريمة اغتيال الملك عبدالله الأول عام 1951، ولأسباب لها علاقة بفكر جلالته السياسي عبر نصحه للعرب بقبول قرار تقسيم فلسطين عام 1947 نظراً لحالة الضعف العربية العامة، ولطموحه بتحقيق مشروع سوريا الكبرى، ولحفاظه على القدس عام 1948 بعد النكبة، ولنجاحه بتحقيق وحدة الضفتين عام 1950، ولرغبته بوحدة كاملة بين الأردن والعرب، ولتنبؤه لمخططات الصهيونية التوسعية التدريجية، ولنجاح دبلوماسية الملك المؤسس عبدالله الأول عام 1922 باستثناء الأردن من قرار وعد بلفور الذي انتهى بتعديل صك الانتداب عبر عصبة الأمم المتحدة. (د.بكر خازر الجالي، عمون، مقال 20/07/2013).

وتأتي حقبة ملك الدستور طلال بن عبدالله 1951–1952 عبر مناداة مجلس الأمة بقدوم جلالته لتشكل منصة لانطلاقة أول دستور للمملكة الأردنية الهاشمية عام 1952 توافق والنظم الديمقراطية الحديثة، وجاء في نصوصه الهامة بأن الحكومة مسؤولة أمام البرلمان، وكانت خطوة دستورية وحياتية متقدمة في ذلك الزمان، وفتحت الأبواب أمام توسيع قاعدة التعليم الإلزامي وجعله مجانياً في عهده وهو الذي تم تعديل ثلثيه في وقتنا المعاصر، وتوجه ملاحظ وقتها لتوثيق الصلات مع العرب ومنها الاقتصادية.

ولأسباب صحية نادى مجلس الأمة من جديد بنجله الأكبر الأمير الحسين ملكاً دستورياً على البلاد، وحقبة الملك الحسين التاريخية 1953/1999 وصفت جلالته بالباني، ومساحات واسعة من البناء الاقتصادي ومنه العسكري والطبي والثقافي والاجتماعي والإعلامي التي تلتقطه أعين أجيال اليوم بافتخار كان في عهده، وتمكن جلالته عبر (46) عاماً أي بنفس حجم السنوات التي احتاجها الأردن سابقاً لاستقلاله من تطوير علاقات متينة دولية لبلدنا غطت خارطة العالم، وعبرت من خلال منصات سياسية ودبلوماسية مهمة ما يزال جيل اليوم يذكرها بكل الفخر والاعتزاز.

ولقد واجه الأردن في عهد مليكنا الراحل الحسين معركتين حاسمتين الأولى كانت خاسرة عام 1967 وسميت بالنكبة بسبب ضعف الموقف العربي، والثانية رابحة عام 1968، وأطلق عليها الكرامة بحكم انتصار الخندق الأردني الفلسطيني الواحد الشجاع.

قرأت في كتاب جلالة الملك عبدالله الثاني (فرصتنا الأخيرة – السعي نحو السلام في زمن الخطر) صفحة (47) قوله: «كانت النتيجة النهائية للمفاوضات صدور قرار الأمم المتحدة رقم (242) الذي تبناه مجلس الأمن الدولي مصوتاً عليه بالإجماع في (22) تشرين الثاني/نوفمبر من العام 1967» وقصد هنا جلالته وكما كتب بقلمه اجتماع الملك الراحل الحسين بالأمين العام للأمم المتحدة يوثانت، حيث شدد القرار على عدم جواز الاستيلاء على الأرض بالقوة.

وفي صفحة (49) من كتاب جلالة الملك عبدالله الثاني قوله: «كانت الخطة الإسرائيلية تقضي بتوجيه ضربة إلى مخيم الكرامة على مسافة عشرين ميلاً إلى الغرب من عمان، حيث يتركز الفدائيون الفلسطينيون، ومن ثم الاتجاه نحو عمان»، وفي الصفحتين (49/50) منه يؤكد جلالة الملك، قائلاً: «رفض والدي أي وقف لإطلاق النار قبل أن ينسحب آخر جندي إسرائيلي من الكرامة».

وشهدت مسيرة استقلال الأردن عام 1971 غصة وطنية برحيل الشهيد وصفي التل بعد اختراق حدث وسط صفوف المقاومة، وابتعادهم عن الخندق الواحد الذي حقق نصر الكرامة البطلة. ورد في كتاب مهنتي كملك لمؤلفه بالفرنسية فريدون صاحب (جم.ص229) قول لجلالة مليكنا الراحل الحسين «.... كانوا يدعون انتسابهم إلى منظمة لم نسمع باسمها سوى للمرة الأولى وهي منظمة أيلول الأسود». وقصد هنا قتلة وصفي.

وخرج الأردن بعد ذلك متجهاً صوب الوحدة الوطنية المقدسة من جديد، وعينه الأخرى تحدّق نحو تحقيق نصر آخر في ميدان القومية والبطولة فاشتراك اللواء أربعون في قواتنا المسلحة الأردنية الباسلة – الجيش العربي بقيادة الجنرال خالد هجهوج المجالي في تحرير مدينة (القنيطرة) الجولانية بالتنسيق مع دمشق.

ويعبر الأردن تاريخاً من المحطات السياسية الفاصلة مثل قمة العرب في الجزائر (الرباط) عام 1974 التي فتحت الطريق أمام منظمة التحرير الفلسطينية لتتفرغ لبناء دولتها كاملة السيادة، وقرار فك الارتباط عام 1988 الإداري والقانوني. وحافظ الأردن وتمسك بالوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين منذ عهد شريف العرب وملكهم الحسين بن علي عام 1924، والتي أقرتها معاهدة السلام لاحقاً عام 1994 مع (إسرائيل)، وفي عام 2013 بارك الرئيس الفلسطيني محمود عباس وثيقة الدفاع عن القدس وأكد فيها الدور التاريخي للهاشميين الذي ال لجلالة الملك عبدالله الثاني في عهده الميمون.

يقول الدكتور منذر حدادين في كتابه (الدبلوماسية على نهر الأردن) (ص16): «وكانت الولايات المتحدة في مركز الإحداث تهتم بأمن إسرائيل وبالسلام في المنطقة التي تزود العالم بالكثير من احتياجاته للنفط. وبرعايتها أبرم السلام بين مصر وإسرائيل في كامب ديفيد عام 1978، وبالاشتراك مع الاتحاد السوفييتي قامت الولايات المتحدة الأميركية برعاية عملية السلام الشمولية التي أطلقت من مدريد عام 1991. وأثمرت هذه العملية بإبرام معاهدة سلام بين المملكة الأردنية الهاشمية و(إسرائيل) عام 1994، بعد أن وقعت (إسرائيل) ومنظمة التحرير الفلسطينية اتفاقاً بينهما ثم توقيعه في البيت الأبيض في أيلول عام 1993، عرف باسم (اتفاق أوسلو) نسبة إلى العاصمة النرويجية التي احتضنت جلسات مفاوضات سرية بين الجانبين، وبعد توقيع اتفاق القاهرة بينهما في أيار عام 1994».

وهذا عنى لنا أن الأردن لم يغرد يوماً خارج السرب العربي ولم يوقع السلام منفرداً، ولم ينطلق من فراغ ولم يذهب إلى سراب، وإنما كان عبر مسيرته التاريخية المعاصرة، ومن ملك إلى ملك تبادلت التيجان وسارت بخطى واثقة وحافظت على تطوره واستقراره، وعلى علاقاته العربية والدولية.

والجدير ذكره هنا بأن استيعاب الأردن لوجود الكيان الإسرائيلي بخاصة على شكل (دولة) على أرض فلسطين من منطلق غير شرعي ارتكز على فهم التاريخ المعاصر وتطوراته في هذا الشأن تحديداً.

كتبت الدكتورة مديحة المدفعي في كتابها (الأردن وحرب السلام، ص25) تقول: (واستطرد الرفاعي أي زيد) قائلاً: «أما بالنسبة لإسرائيل فما زلت اعتقد بأن التاريخ الصهيوني اعتمد على ثلاث شخصيات بارزة وهم هيرتزل الذي صاغ الفكرة وبن غوريون الذي أسس دولة إسرائيل وكيسنجر الذي عزز مؤسساتها وأمدها بالقوة». ورغم عاصفة الربيع العربي وتحولها إلى طريق مسدود اعتلاه الإرهاب الأسود بدلاً من مواصلة رفع الظلم وإنهاء الاستبداد والديكتاتورية إلا أن الأردن واصل اعتبار معاهدة السلام مع إسرائيل خط أحمر.

ومن أهم المحطات التي واجهت استقلال الأردن أيضاً من داخله والتفت حوله كانت هبة نيسان عام 1989 والتي شكلت ذات الوقت انطلاقة سياسية اردنية داخلية صوب الديمقراطية والنهوض بالبرلمان، وتلبدت الغيوم السياسية مطلع عام 1990 بعد الاجتياح العراقي غير المسؤول وغير الشرعي لدولة الكويت العربية الشقيقة، وتطلب وقتها من الأردن إصدار (كتاب أبيض) لتوضيح سياسته الثابتة التي لم تعرف الإزدواجية يوماً، وكان دائماً وما يزال يعطف إلى جانب قضايا العرب الجوهرية العادلة.

وجاء عام 2003 صاعقاً للمنطقة العربية كافة جراء سقوط (بغداد) بيد ايران والناتو، وتجاوز الأردن الاهتزاز السياسي المجاور وواصل البناء، وأطلق جلالة الملك عبد الملك الثاني (رسالة عمان) عام 2004 بهدف اعلان حقيقة الإسلام، والبحث في تعريف المسلم، وما هو التكفير في المقابل؟، والدعوة للتسامح والوحدة في العالم الإسلامي، واستشعرت الرسالة عن بعد انقلاب الوضع السياسي العربي وقدوم الإرهاب. ورغم تحويل الأردن لربيعه الأخضر بحكمة قيادته الهاشمية وبعد نظرها، ولتقديمها السياسة على الحلول الأمنية عام 2011، إلا أن استشهاد الطيار المقاتل البطل معاذ الكساسبة عام 2014 على يد عصابات (داعش) المجرمة في الرقة السورية شكّل صدمة وطنية، ووحد صفوف الداخل، ورسخ العزم الأكيد على مواجهة الإرهاب أياً «كانت تسميته». وتعاون الأردن مع مختلف دول العالم من أجل انجاح رسالته هذه، فكان العون اللوجستي والعسكري وما يزال من روسيا و اميركا، و انجلترا، ومن مختلف دول (الناتو) وحلفائه في المنطقة.

وأهم القضايا الاقتصادية التي رافقت مسيرة البناء الأردنية (الفقر، والبطالة، وشح المياه، وتلوثه، والصحراء، والتصحر، ومحاصرة الفساد واجتثاثه). ونظراً لازدياد عدد السكان ولشح الموارد الانتاجية، ولغياب وجود نظام عربي اقتصادي موحد في زمن أصبحت فيه الوحدة العربية حلماً يخلو من مبادرات تحقيقه، وبسبب اهتزازات الربيع العربي أيضاً، وحروب المنطقة فإن ما سبق من قضايا، ورغم الجهود الكبيرة التي بذلت وما زالت عبر الحكومات الأردنية، إلا أنها ما زالت بحاجة لخطوات جادة للتحول من الاستهلاك إلى الإنتاج. فبحسب تقرير حديث لوزارة التخطيط مثلاً بلغت نسبة الفقر 14.4 بالمئة، وبلغ خط الفقر المدقع (151) ديناراً شهرياً، ووفقاً لتقرير لدائرة الإحصاءات العامة عام 2016 بلغ معدل البطالة 15.8%، وحصة الفرد الأردني المائية لم تتجاوز 15% من مستوى خط الفقر المائي الذي حددته المنظمات الدولية ب 1500 م3، ومشروع الديسي الذي نفذته شركة (غاما انيرجي) الذي عدّ حلاً هاماً ومؤقتاً بالمقارنة مع عدد السكان المتزايد والبالغ ستة ملايين نسمة وبزيادة سنوية بمعدل 5.3% ويحتاج الأردن الذي تغطي الصحراء فيه 92% من أراضيه إلى 900 مليون متر مكعب من المياه حالياً وهي مرشحة للإرتفاع.

والآن الأردن مقبل على مشروع نووي سلمي بالتعاون مع روسيا ودول أوروبية حتى عام 2019، ويمتلك الأردن 3% من مصادر اليورانيوم في العالم، والهدف هنا هو الحصول على الطاقة الكهربائية وتحلية المياه، ومشاريع عملاقة استثمارية في منطقة العقبة الاقتصادية الحرة بحجم 6 مليارات دولار.

وعلى مستوى الإعلام حقق الأردن انفتاحاً وارتفاعاً في سقف الحرية بحكم الرؤية الملكية للملك عبد الله الثاني، فتم الغاء العمل بوزارة الاعلام عام 2003، وتم التراجع عن الرقابة العلنية وتحولت إلى استثنائية، والتزام بالمسؤولية الاجتماعية، ومحاضرة لوزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال بتاريخ 15 ايار الجاري في جامعة اليرموك كشف خلالها بوجود 78 محطة اذاعية وتلفزيونية، و168 موقعاً اخبارياً وسبع رسائل ملكية متتابعة حددت بوصلة البنية التحتية الاقتصادية والتكنولوجية والتعليمية والإعلامية المهنية في الأردن. وبحث أردني دائم عن السلام وسط العرب في سورية، و العراق، و ليبيا، و اليمن، وقمة العرب في البحر الميت الأخيرة الناجحة خير شاهد، ويقظة أردنية دائمة لدرء الإرهاب الى ما وراء الحدود من دون تفريق سواء كان يمثل عصابات «داعش»، أو (النصرة) التي تراجع وجودها خلف الحدود، أو على مستوى الميليشيات الايرانية المسلحة، وعدم اطمئنان أردني للمناطق الآمنة الهادئة من جهة حدودها شمالاً بسبب عدم استقرار الدولة السورية وعزلتها العربية بنفس الوقت، ومشاركة أردنية بصفة مراقب في مؤتمر (الاستانا) ومتابعاتٍ لجنيف، واتصالات دبلوماسية أردنية متواصلة مع عواصم القرار الدولي.

الرأي

مدار الساعة ـ نشر في 2017/05/25 الساعة 15:23