دروس من حديث الطاعون
مدار الساعة ـ نشر في 2021/04/17 الساعة 04:22
مدار الساعة - سليمان بشير ديان *
عندما تكون مسألة الحياة أو الموت على المحك خاصة في أوقات الأزمات، يتجه المؤمنون إلى تعاليم دينهم لفهم الموقف الذي يمرون به ويسبب لهم المعاناة. لهذا السبب كثيراً ما تردد في أوساط المجتمعات الإسلامية – والتي عانت من تفشي جائحة “كوفيد-19″ كغيرها من المجتمعات- حديث من الهدي النبوي في التعامل مع الطاعون وتمثل في قوله صلى الله عليه وسلم ” إذا سمعتم الطاعونَ بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها” ( متفق عليه ). هذا التوجيه النبوي استحضره المسلمون للإجابة على الأسئلة العملية والملحة اليوم : “ما الذي يجب أن نفكر به؟” و “ما الذي يجب فعله؟” كنت في السنغال عندما تم الإعلان عن حالات الإصابة الأولى بفيروس COVID-19. وقد دق ناقوس الخطر، وفي بداية الأمر كان هناك قلق وتوجس من مواجهة مقاومة “دينية” لإجراءات الحجر الصحي وتدابير البقاء في المنزل، خاصة في مسألة التخلي عن إقامة صلاة الجمعة في المسجد مؤقتا ، بالإضافة إلى إلغاء كل المناسبات الدينية. كان الأمر برمته غير قابل للمناقشة على الإطلاق. ولحسن الحظ استطاع المسؤولون في السنغال مع مضي الوقت وبذل الجهد شرح الموقف كاملا للناس وإقناعهم وبمساندة ودعم من العلماء والدعاة، و تم بذلك إغلاق المطارات، وحظر التجمعات الدينية، وحظر التجول الليلي . وبإقرار الجميع كانت هذه الإجراءات نتيجة للعمل وفقًا لما تمليه قواعد المنطق السليم و العلم ، كما جاءت ترجمة فعلية ومعاصرة للهدي النبوي في التعامل مع الطاعون. يعلمنا الحديث النبوي أولاً أن تحدي إرادة الله بإغراء ووسوسة من الشيطان هو أمر ينافي مراعاة حقوق الآخرين ، أولئك البشر الذين يسميهم القرآن “بني آدم”. وهو ما يعني أنه الذي يذهب إلى تجمع ديني لم يقرر فقط أن إيمانه يملي عليه أن يقامر بصحته وصحة المؤمنين الآخرين والمختلط بهم، بل أيضاً بصحة مواطنيه الذين لا يشاركونه نفس القناعات، أو الذين ليس لديهم قناعة دينية على الإطلاق. وبعبارة أخرى، إن تعاليم المولى سبحانه وتعالى ليست ضد الحس والمنطق السليم. إن تجاهل المنطق السليم وما يمليه العلم لا يعبر عن مظاهر قوة إيمان المرء، ولا عن استسلام الواثق من ذاته لإرادة لله والذي يتطلبه الإيمان الحقيقي. وحين يتغلب العلم على هذا الوباء – بإذن الله تعالى – يجب أن تستمر فائدة درس حديث الطاعون، و تذكيرنا بأن الدين يجد معناه عندما يكون دينا للإنسانية جمعاء. * فيلسوف سنغالي، أستاذ الفلسفة، ومدير برنامج الدكتوراه في قسم اللغة الفرنسية بجامعة كولومبيا في نيويورك.
المصدر : جامعة كولومبيا
عندما تكون مسألة الحياة أو الموت على المحك خاصة في أوقات الأزمات، يتجه المؤمنون إلى تعاليم دينهم لفهم الموقف الذي يمرون به ويسبب لهم المعاناة. لهذا السبب كثيراً ما تردد في أوساط المجتمعات الإسلامية – والتي عانت من تفشي جائحة “كوفيد-19″ كغيرها من المجتمعات- حديث من الهدي النبوي في التعامل مع الطاعون وتمثل في قوله صلى الله عليه وسلم ” إذا سمعتم الطاعونَ بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها” ( متفق عليه ). هذا التوجيه النبوي استحضره المسلمون للإجابة على الأسئلة العملية والملحة اليوم : “ما الذي يجب أن نفكر به؟” و “ما الذي يجب فعله؟” كنت في السنغال عندما تم الإعلان عن حالات الإصابة الأولى بفيروس COVID-19. وقد دق ناقوس الخطر، وفي بداية الأمر كان هناك قلق وتوجس من مواجهة مقاومة “دينية” لإجراءات الحجر الصحي وتدابير البقاء في المنزل، خاصة في مسألة التخلي عن إقامة صلاة الجمعة في المسجد مؤقتا ، بالإضافة إلى إلغاء كل المناسبات الدينية. كان الأمر برمته غير قابل للمناقشة على الإطلاق. ولحسن الحظ استطاع المسؤولون في السنغال مع مضي الوقت وبذل الجهد شرح الموقف كاملا للناس وإقناعهم وبمساندة ودعم من العلماء والدعاة، و تم بذلك إغلاق المطارات، وحظر التجمعات الدينية، وحظر التجول الليلي . وبإقرار الجميع كانت هذه الإجراءات نتيجة للعمل وفقًا لما تمليه قواعد المنطق السليم و العلم ، كما جاءت ترجمة فعلية ومعاصرة للهدي النبوي في التعامل مع الطاعون. يعلمنا الحديث النبوي أولاً أن تحدي إرادة الله بإغراء ووسوسة من الشيطان هو أمر ينافي مراعاة حقوق الآخرين ، أولئك البشر الذين يسميهم القرآن “بني آدم”. وهو ما يعني أنه الذي يذهب إلى تجمع ديني لم يقرر فقط أن إيمانه يملي عليه أن يقامر بصحته وصحة المؤمنين الآخرين والمختلط بهم، بل أيضاً بصحة مواطنيه الذين لا يشاركونه نفس القناعات، أو الذين ليس لديهم قناعة دينية على الإطلاق. وبعبارة أخرى، إن تعاليم المولى سبحانه وتعالى ليست ضد الحس والمنطق السليم. إن تجاهل المنطق السليم وما يمليه العلم لا يعبر عن مظاهر قوة إيمان المرء، ولا عن استسلام الواثق من ذاته لإرادة لله والذي يتطلبه الإيمان الحقيقي. وحين يتغلب العلم على هذا الوباء – بإذن الله تعالى – يجب أن تستمر فائدة درس حديث الطاعون، و تذكيرنا بأن الدين يجد معناه عندما يكون دينا للإنسانية جمعاء. * فيلسوف سنغالي، أستاذ الفلسفة، ومدير برنامج الدكتوراه في قسم اللغة الفرنسية بجامعة كولومبيا في نيويورك.
المصدر : جامعة كولومبيا
مدار الساعة ـ نشر في 2021/04/17 الساعة 04:22