حرب المصطلحات (1)

مدار الساعة ـ نشر في 2021/04/12 الساعة 11:28

مدار الساعة - ديمة طارق طهبوب
اللغة…وسيلة التخاطب المكونة من حروف وكلمات وجمل بها نتكلم ونتحاور، وفي أقصى الحدود نتجادل ونتخاصم ، ولكننا قليلاً ما نراها كسلاح وأداة تشكل المفاهيم، وتبلور القناعات، و تنشر الثقافات، وتمكن الناطقين بها من السيطرة والتحكم. ويدلل الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر على خطورة اللغة قائلاً : «الكلمة ليست نسيمًا عليلاً يداعب مخيلاتنا وعقولنا دون أن يؤثر فيها، ولكن الكلمة هي أداة الإرسال والاستقبال والتوجيه، هي مسدسات محشوة قد تحمي الخير أو تجهز عليه”.

وقد أصبحت الانجليزية بانتشارها الواسع لغة التخاطب العالمي global language ، وبهذا انتقلت الدول الناطقة بالانجليزية لتمسك زمام إدارة العالم و تنشر ثقافتها الخاصة عن طريق اللغة، فيصبح المرء لا يستطيع أن يولي شمالاً أو جنوباً إلا إذا تكلم الانجليزية، ولا يحصل علما أو منصباً إلا إذا كان إتقان الانجليزية من أول مؤهلاته. واللغة ليست أداة حيادية، و إنما هي حسبما يقول الدكتور محمد عمارة أوعية تحمل مفاهيم و مضامين وسلوكيات، وفي ظل ثقافة العولمة ،التي تغيب الخصوصيات الثقافية والدينية، تعتبر المفاهيم ليس فقط عابرة للقارات وإنما للحضارات، وتعتبر أن ما ينفع المرأة وسياقات التجربة النسوية في الغرب ينطبق انطباقاً تاماً على كل نساء الأرض، ولا تقيم وزناً لما يُعرف بنظرية جغرافيا الكلام التي تقول أن صحة الكلام تختلف باختلاف البيئات والأماكن.

يدلل الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر على خطورة اللغة قائلاً : «الكلمة ليست نسيمًا عليلاً يداعب مخيلاتنا وعقولنا دون أن يؤثر فيها، ولكن الكلمة هي أداة الإرسال والاستقبال والتوجيه، هي مسدسات محشوة قد تحمي الخير أو تجهز عليه.

إن السيطرة اللغوية للانجليزية منحتها أفضلية تحديد المعايير و المقاييس والنمذجةand models standarsiteds ، وما يعتبر فضيلة أو رذيلة، أو تقدما أو تخلفا مقارنة مع المقياس الغربي، فكلما اقترب الآخر العربي والإسلامي من النموذج الغربي عُدِّ متقدما، وكلما ابتعد مكتفيا بمراعاة الخصوصية عُدِّ محافظاً متخلفاً. والمأساة الأكبر في تعاملنا مع المصطلحات الانجليزية في المعاهدات الأممية التي تُعنى بالمرأة والطفل والأسرة هو أخطاء وتجاوزات الترجمة التي تتغافل، بقصد أو جهل ، عن أبعاد المصطلح في اللغة والثقافة التي كُتبت فيها، وتنقله إلى العربية ترجمة حيادية خاطئة لا تحمل أي دلالة معنوية تدل على معناه وكيفية استعماله في اللغة الأم.

ومن أمثلة ذلك مصطلح الجندر gender الذي ظهر أول مرة في وثيقة مؤتمر السكان في القاهرة عام 1994 في واحد وخمسين موضعاً، وعندما طالب ممثلو الدول العربية بمعرفة معناه تُرجم خطئا ليعني الجنس sex أي الذكر والأنثى، بينما معناه كما ورد في تعريفات منظمة الصحة العالمية والموسوعة البريطانية هو «المصطلح الذي يصف الخصائص التي يحملها الرجل و المرأة كصفات اجتماعية لا علاقة لها بالاختلافات العضوية، بمعنى أن التكوين البيولوجي للذكر والأنثى ليس له علاقة بالنشاط الجنسي الذي يُمارس، ويمكن حسب هذا التعريف أن يقوم الرجل بأدوار الأمومة، وتقوم المرأة بأدوار الأب، وأن تكون المرأة زوجا تتزوج امرأة من نفس جنسها، وبهذا تكون قد غيرت صفاتها الاجتماعية وهذا الأمر ينطبق على الرجل أيضاً» وهذا بالطبع ما يفتح المجال في الاتفاقيات الدولية لتقبل وتقنين الشذوذ على انه طبيعة اجتماعية لا غضاضة فيها.

والملاحظ ان كثيرا من الاتفاقيات والاعلانات لم تعد تستخدم كلمة homosexuality لتعني الشذوذ بما تحمله من ظلال سلبية وتجريمية واقصاء وبعد عن الفطرة المحصورة بالذكر والأنثى واستبدلتها بكلمة gay وبالرجوع إلى قاموس المورد العربي فإن المرادف بالعربية هو مرح أو مبتهج أو متحرر في علاقاته الاجتماعية،وليس هناك أي إشارة إلى اللا اخلاقية التي تحملها كلمة الشذوذ والشاذ التي استبدلت بالعربية أيضاً إلى كلمة المثليين، وكأنهم جنس ثالث طبيعي الوجود في الحياة، ولم يكن ما أقدم عليه بعض الشاذين في الدول العربية من طلب ترخيص جمعية لهم خارجاً عن السياق العالمي في النظر إلى الشواذ باعتبارهم أصحاب حقوق ومواطنة كاملة ، ففي الغرب لهم نوابهم وجمعياتهم وامتيازاتهم الأسرية، ويُعاقب بالسجن والغرامة من يميز ضدهم

لم تعد كلمة homosexuality تستخدم لتعني الشذوذ بما تحمله من ظلال سلبية وتجريمية، بل استبدلت بكلمة gay والتي تعني:هو مرح أو مبتهج أو متحرر في علاقاته الاجتماعية،وليس هناك أي إشارة إلى اللا اخلاقية التي تحملها كلمة الشذوذ والشاذ التي استبدلت بالعربية أيضاً إلى كلمة المثليين

. ومن المصطلحات أيضاً مصطلح المتحدين والمتعايشين unions and couples الذي استخدم أول مرة في مؤتمر القاهرة بعد الدعوات لتغيير هياكل الأسرة النمطية المكونة من أم أنثى وأب ذكر، والسماح باسر الالتقاء الحر بدون زواج أو عقد شرعي أو كنسي عن طريق المساكنة والمشاركة المدنية civil parsitetnership بين زوجين من نفس الجنس أو جنسين مختلفين، ودعم الأسرة بكافة أشكالها The family in all its forms . .

ومن المصطلحات الخطيرة مصطلح الجنس الآمن والصحة الجنسية sexual health والتي تفسرها وثيقة مؤتمر القاهرة بكونها حق لجميع الأفراد (وليس الأزواج) مما يعني إمكانية ممارسة الجنس دون الزواج بشرط أن يكون مأمونا بتوفير حبوب منع الحمل للإناث، والواقيات للذكور، وتوفير الثقافة الجنسية لكل الناشطين جنسيا من المراهقين، ودعم المراهقات الحوامل بتوفير خدمات رعاية الطفولة المبكرة، وكذلك كان كل طفل يولد من علاقات غير شرعية يُعرف بابن زنى أو طفل غير شرعي illegitimate child، ثم أصبح يطلق عليه طفل مولود خارج إطار الزواج out of wedlock، ثم تطور ليصبح طفلاً طبيعياً natural child، ثم أصبح المصطلح في قمة الإيجابية ليطلق عليه طفل الحب love baby، ومن سيعترض على الحب أو يجرمه؟؟؟.

مدار الساعة ـ نشر في 2021/04/12 الساعة 11:28