الأردن في مئويته الأولى: تأسيس ثم بناء فتعزيز
مدار الساعة - يحتفل الأردنيون، الأحد، بمرور 100 عام على تأسيس الدولة الأردنية، والتي تحققت خلالها إنجازات تنموية على جميع المستويات رغم جميع التحديات التي مرّ بها خلال قرن.
ويأتي الاحتفال بمئوية الدولة، بهدف التركيز على إنجازات رافقت عمليات بناء وتأسيس مؤسسات حكومية تخدم المواطنين وتطور عملها خلال المئة عام الماضية، فشهدت القطاعات في الأردن تحت القيادة الهاشمية وعلى مدى مئة عام تطوراً ملحوظا منذ تأسيس إمارة شرق الأردن في عام 1921 وحتى وقتنا الحاضر.
جلالة الملك عبدالله الثاني، قال في حديثه عن المئوية: "الحديث عن مئوية الدولة، هو الحديث عن مئة عام من البناء والإنجاز، وتعزيز النموذج الأردني في المحبة والإرادة والمنعة والوفاء، برغم التحديات المستمرة. تحمل ذكرى مئوية الدولة معها مشاعر الفخر والاعتزاز بوطن بني بسواعد الأردنيين وعزيمتهم وتكاتفهم، إذ التفوا حول الثورة العربية الكبرى وساندوا الحسين وطلال وعبدالله المؤسس، وصولا إلى الشريف الحسين طيب الله ثراهم جميعا، من أجل مبادئ الأمة ورسالتها التي أوصانا بها جدنا الكريم، عليه أفضل الصلاة والسلام، ومن ثم من أجل بناء واستمرار الدولة ومؤسساتها وعزة الوطن وأبنائه وبناته، وخدمتهم".
وأضاف لـ "بترا": "ما أتمنى أن أراه في المئوية الثانية للدولة الأردنية، هو أن نحتفي بدولة تكبر بأبنائها وبناتها وتكبر أكثر بمنجزاتها، دولة ذات اقتصاد إنتاجي يعتمد على ذاته، وقوى بشرية مدربة ومؤهلة، وقطاع عام رشيق وحيوي يخدم مواطنيه، وقطاع خاص قوي وفاعل وشريك حقيقي لمؤسسات الدولة".
وأضاف الملك: "أحب أن أرى الأردن مستمرا في حمل رسالته الوطنية والعربية، جيشه ثابت على مبادئه الراسخة في الدفاع عن أرضه وعن قضايا أمته، يتمتع فيه الجميع بأرقى خدمات الصحة والتعليم والنقل، ويكون مضربا للمثل في تميزه، وكلي ثقة وتفاؤل وأمل، أن مئويتنا الثانية ستكون مئوية التعزيز والتطوير والإنجاز".
محطات تأسيس الدولة
شهد عام 1921، إعلان الأمير عبدالله بن الحسين، رحمه الله الذي وصل معان في عام 1920، تأسيس إمارة شرق الأردن، والتي أُعلن استقلالها في 25 أيار/مايو 1946 تحت اسم "المملكة الأردنية الهاشمية"، وأصبح جلالة الملك المؤسس عبدالله (الأول) بن الحسين ملكاً دستورياً عليها، وأختير تاريخ 11 نيسان/أبريل كونه اليوم الذي شكل فيه الملك المؤسس عام 1921 أول حكومة لإمارة شرق الأردن، برئاسة رشيد طليع.
وكلف الملك عبدالله الثاني في عهده 13 رئيسا للوزراء بتشكيل 19 حكومة، تباينت في فترات عملها، وعدد وزرائها، وتعديلات شهدتها، لكنها بمجملها حملت خطابات الملك ونفّذت منها ما نفّذت، حيث جاءت خلال هذه الفترة العديد من الإنجازات التي تمثلت في إنضاج العديد من التشريعات وبناء العديد من المؤسسات وتقديم تجربة مهمة في مسيرة الإصلاح والديمقراطية.
وبدأت السلطة القضائية، مع أول حكومة برئاسة طليع، حيث جاء في الحكومة مظهر بك أرسلان مشاورا للعدلية والصحة والمعارف وعضوا في مجلس المشاورين، وبدأت الدولة بتنظيم تشكيلات المحاكم النظامية بقانون تشكيل المحاكم لسنة 1922، ثم استبدل بقانون تشكيل المحاكم لسنة 1928، ثم استبدل بقانون تشكيل المحاكم لسنة 1929، ثم استبدل بقانون رقم 30 لسنة 1946، ثم استبدل بقانون رقم 26 لسنة 1952 والذي أدخلت عليه العديد من التعديلات لكنه بقي ساريا إلى الآن.
الحياة التشريعية للأردن ظهرت في بداية عمر الدولة الأردنية من خلال مجالس تشريعية، حيث ارتبط تأسيس أول مجلس تشريعي في إمارة شرق الأردن بصدور القانون الأساسي سنة 1928، والذي حدّد شكل السلطة التشريعية بأعضاء منتخبيـن على مرحلتين، بالإضافة إلى أعضاء المجلس التنفيذي آنذاك الـذي كان يُشكّله الأمير.
وشهدت البلاد إجراء أول انتخابات للمجلس التشريعي مطلع عام 1929، بعد أن صدر أول قانون انتخابي سنتذاك، وقد ضمّ المجلس حينها 22 عضواً بينهم 6 أعضاء معينون، واستمرت المجالس التشريعية الخمسة على ذلك النظام الانتخابي حتى عام 1947م.
وتشكّل أول مجلس أعيان بتاريخ 24 تشرين الأول/ أكتوبر 1947 بموجب الدستور الأول الذي صدر في العام ذاته، ومع دخول مئوية الدولة الأردنية الثانية فإنه يكون قد تعاقب على الحياة البرلمانية 28 مجلساً للأعيان.
وعن مجلس النواب، أجريت أول انتخابات نيابية في عهد الملك المؤسس عبد الله بن الحسين، في 20 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1947م، ومع دخول مئوية الدولة الثانية فإن الحياة النيابية في الأردن يكون قد تعاقب عليها 19 مجلسا.
أما القوات المسلحة الأردنية - الجيش العربي، فتعود نشأتها إلى نخبة مقاتلين من جنود الثورة العربية الكبرى قدموا مع سمو الأمير عبد الله بن الحسين، وفي عام 1923 أطلق الأمير عبد الله على نواة قوة إمارة شرقي الأردن الاسم نفسه ليظل هذا الجيش جيشا لكل العرب كما كانت الثورة العربية ثورة لكل العرب.
الأردن يمضي قدُما
حرص جلالة الملك عبدالله الثاني على تكريس الأردن دولةَ مؤسسات وقانون قائمة على العدل والمساواة والانفتاح، وتوفير فرص العيش الكريم، ومحاربة الفقر والبطالة، والعمل على تحقيق تنمية اقتصادية وسياسية واجتماعية، تنعكس آثارها إيجابياً على المواطنين ومستوى معيشتهم.
ويؤمن الملك أن الأردن يمضي قدُماً في مسيرة التقدم والتطور والازدهار، من خلال تحقيق الاعتدال والتوازن والانفتاح المدروس، ونبذ التطرف والعنف والانعزال، ومشاركة جميع مؤسسات المجتمع المدني والقطاعات الأهلية والخاصة في عمليات البناء والتنمية، والانفتاح على اقتصاديات العالم.
وتركزت رؤى الملك على إعداد وتهيئة البيئة المناسبة والبنى الأساسية لانطلاقةٍ تنموية حقيقية تنعكس آثارها الإيجابية على حياة المواطن، وإنجاز المراجعة الشاملة لجميع جوانب المسيرة الوطنية، وتحديد المشكلات التي تعيق هذه المسيرة، ووضع الخطط والبرامج التي تساعد على إيجاد الحلول لها بالعمل الدؤوب من أجل الأردن الحديث المبنيّ على ضمان مشاركة الجميع، والقائم على أسس الحرية والديمقراطية والتعددية والتسامح.
وركّزت الرؤية الملكية على ضرورة تعزيز المسيرة الديمقراطية، وتسريع وتيرة الإصلاحات المبنية على نموذج إصلاحي تطويري متدرّج، يقوم على إشراك جميع فئات المجتمع في العملية السياسية، ووفقاً لهذه الرؤية، فإن عملية الإصلاح السياسي النابعة من الداخل، تُترجَم من خلال تمكين المواطنين من المشاركة في صنع القرار عبر ممثّليهم المنتخَبين، وتعميق تجربة الحكومات البرلمانية.
ويرى الملك أن النجاح في الوصول إلى الهدف النهائي للإصلاح، مرهونٌ بقيام جميع أطراف العملية الإصلاحية بمسؤولياتهم وأدوارهم والارتقاء بها، وبترسيخ القيم والممارسات الديمقراطية، وتعزيز الأعراف القائمة وتطوير الضروري منها، وبتحقيق مستويات النضج السياسي الضروري لإنجاز متطلبات كل محطة إصلاحية.
ويدعو الملك الجميعَ لتحمُّل مسؤولياتهم في تبني القيم والممارسات الديمقراطية والاستمرار في تطويرها مستقبلاً، من خلال تجذيرها في المنظومة القيمية والتربوية والتشريعية عبر حملات التوعية والمناهج، وتمكين المؤسسات الوطنية المسؤولة عن صون هذه القيم والممارسات.
ويؤكد الملك من خلال رؤيته، أن الأمن والديمقراطية والرفاهية هي دعائم المستقبل، ويعتمد كلٌّ منها على الآخر، فرغم أن التحديات الراهنة تمثل واقعاً استثنائياً ضاغطاً، إلّا أن الأردن ماضٍ بثقة على مسار التنمية السياسية الذي اختطّه وأراده لنفسه.
وبشأن علاقات الأردن العربية والإقليمية والدولية، يحرص الملك على التواصل مع أشقائه العرب وقادة العالم وزعمائه، حيث ترتكز سياسة الأردن الخارجية على المواقف المبدئية والواضحة النابعة من التزامه التاريخي والقومي للدفاع عن مصالح الأمة العربية وخدمة قضاياها العادلة.
جلالة الملك المؤسس عبدالله (الأول) بن الحسين، 1 كانون الثاني/يناير 1931. (أ ف ب)