الأسد ومحور التوازن الأردني

مدار الساعة ـ نشر في 2017/05/24 الساعة 13:21
كتب - إسماعيل عُباده - خلاف كبير في تقديرات الموقف من الأردن كما تشير المعلومات من داخل الحلقات الضيقة للنظام السوري، ويبدو أن الأجهزة الأمنية السورية هذه المرة باتت تختلف مع الرمز الأول لنظام البعث الذي لم يتبق من رموزه غير حالة شكلية باعتبار أن الملف الأمني والعسكري والرتبة هي التي تستطيع رفع الصوت هذه الأيام عندما تشطح مكبرات الصوت الإعلامية كمحاولة لاستدراك تصريحات الأسد الانفعالية، غير المدروسة والتي لم تتعدَ في حدِّها الأقصى عملية البروباغندا الاعلامية وتشي بقلق أمني وعسكري سوري عميق. بجميع الأحوال ينظر الجانب الأردني إلى هذه المعلومات باعتبارها انسحاباً تكتيكياً، وتراجعاً هادئاً، بعيداً عن الأضواء مع حفظ ماء الوجه بسبب التصريحات التي لا تتجاوز قيمة الحبر الذي كتبت فيه قبل المقابلة التلفزيونية مع وكالة سبوتنيك الروسية، والتي فيما يبدو انها جاءت بتنسيب سياسي لا أمني، مما دفع بالمرجعيات السورية المؤثرة للتنصل منها شكلا ومضمونا بشكل كامل، لا بل وتقريع مصدرها لما لها من تأثير سلبي عميق على الجهد السوري في المحاولات البائسة لتحييد الأردن عن ملف مكافحة الارهاب على الحدود الجنوبية لما للأخير من تأثير تاريخي وعملياتي فعّال. الموقف الأردني الحازم من التصريحات التي دفعت عمان بتوجيه رسائل مباشرة في عدة اتجاهات وفق تكتيكات ذكية منذ نشوء الأزمة، ادخلت المؤسسات السورية المعنية بالصراع في مفاهيم اقليمية وقراءة جديدة لانها تدرك أبعاد الرسالة وما بعد هذه الرسالة ماهية وعمقاً، وليس اقلها اننا قادرون على الرد وتحريك البيادق على رقعة الشطرنج السورية اذا كان الامر يقتضي الدفاع عن المملكة أو استشعر الاردن اي خطر يتهدد حالته الوجودية من حيث تواجد ميليشيات طائفية أو ارهابية على مقربة منه. الرسالة الأردنية وصلت ودفعت بالجانب السوري لارسال رسائل ايجابية بعيداً عن الإعلام كمرحلة سحب عصب ومن ثم ظهر وزير خارجية النظام "المعلم" في محاولة لتصويب التصريحات غير الموفقة للأسد بعبارات (لا نسعى للمواجهة مع الأردن وعدم الممانعة في دخول قوات أردنية للأراضي السورية شريطة حفظ ماء الوجه بالتنسيق مع الحكومة السورية) لكن بالمقابل كيف يمكن أن تخاطب الجمهور علانية وتحاول ان تنسحب تكتيكيا بعد اطلاق الرصاصة، والغضب الأردني ما زالت الحكمة الهاشمية تلجمه! مرجعيات عليا انزعجت جدا من تصريحات الأسد مما دفعها للاستفسار فيما اذا كانت وجهة النظر الاستراتيجية تتشاطر بها موسكو مع نظام دمشق والذي تبين من سياقاته الاعلامية بأنه فوجئ من التصريحات ولم يأخذها على محمل الجد ولم تخرج في تقديراته عن نفس تقديرات الموقف الأردني من حيث الاستهلاك الاعلامي الموجه للعامة مع التأكيد على ثبات موقف البلدين من ضرورة الاستمرار في دعم الحل السياسي ومكافحة الارهاب جنبا الى جنب وان البروتوكولات العسكرية والأمنية ومذكرات التفاهم مع الروس "محل التنسيق الحقيقي" من هذا الجانب لم يطرأ عليها أي تغيير وتحديدا فيما يتعلق بالجنوب السوري باعتبار ان روسيا اليوم هي المرجعية وصاحبة القرار الفعلي على الأرض. التقدير الروسي الكبير للدور الاردني المعلن حيال الأزمة السورية الذي يمثل بيضة القبان في المعادلة الدولية في المنطقة التي ترجح كفة الحل السياسي على حساب العسكري والمكانة العالية للأردن دوليا ومقدار تأثيره في السياسات الدولية في الشرق الأوسط وعالميا في مجال مكافحة الارهاب كان أحد الدوافع الرئيسية التي ادت الى وقف عمليات التسخين على كافة الجبهات بمواجهة تصريحات وصفها المختصون بالخفة السياسية تزامنت مع تصريحات اكثر سخفاً من الجانب الايراني وحزب الله اللبناني حاول المعلم رقعها حيث بات لديهم قلق حقيقي من نفوذ أردني يوقف عملية اكتمال الهلال الشيعي. أما تكتيكيا فيتفهم اصحاب القرار مقدار الرعب من تحرك اردني جنوبا يطرد العصابات المسلحة عن حدوده شمالا وصولا لخطوط التماس المؤثرة وهي مشكلة لا يتمنى النظام السوري الدخول في معمعتها كونها تفتح جبهات جديدة ومنهكة تستنزفه وتصرفه عن جهده بمواجهة الشمال التركي. الموقف الأردني من الأزمة السورية واضح ولا لبس فيه من اليوم الأول والذي نادى بضرورة وجود حل سياسي وعارض بشدة عسكرة الثورة وساهم بشكل فعال في حقن دماء الشعب السوري وايواء ملايين اللاجئين منهم هربا من بطش آلة الحرب ما بين جهات الصراع ومن حق الأردن بلا أدنى شك أن يحافظ على مصالحه وأمنه القومي الاستراتيجي في نطاق حيوي مقبول موضوعيا وعسكريا وأمنيا ومن حقه أيضا محاربة الارهاب ومكافحته واحباط أي عمليات تهدد أمنه واستقراره الداخلي سواء كان يجري الاعداد لها في سوريا أو غير سوريا طالما بات النظام السوري غير مسيطر على حدود دولته الغائبة فعليا الحاضرة اعلاميا في الجنوب حتى لو اقتضى الأمر الدخول المباشر في هذا المستنقع.
مدار الساعة ـ نشر في 2017/05/24 الساعة 13:21