ثلاثون مليوناً لا تكفي
ما قد لا يعرفه الجيل الجديد أن الأردن القديم زمن الحكم العثماني كان سلة حبوب تصّدر إلى أوروبا، فالوثائق القديمة تكشف أن الزراعة في سهول الأردن ضمن سوريا الكبرى كحوران والفديّن وهو الاسم الأصلي للمفرق وسهول مادبا وزيزيا والكرك كانت تنتج وتصدّر حبوب القمح الأصفر والأحمر والشعير والعدس وتنقل إلى ميناء حيفا لتجار يبيعونها إلى دول أوروبا القديمة، وبقي الحال حتى بداية تسلل الزراعات الخضرية في مناطق الشفا، وبعد نشوء الإمارة كان المصرف العثماني الذي نعرفه اليوم بمؤسسة الإقراض الزراعي هو الداعم الوحيد للمزارعين آنذاك وحتى يومنا هذا.
فإذا كان اقتصاد الأردن يوصف قديماً بأنه زراعي رعوي، فإن الزراعة اليوم باتت قيمة مضافة للاقتصاد الأخضر، ومع تراجع معدلات هطول الأمطار وشح المياه، فإن الزراعة باتت تواجه تحديات أكبر مما يمكن تخيله لمن لا يعرفون سوى شراء المنتجات الزراعية من الأسواق دون السؤال عن معاناة المزارع وعدم مسؤوليته عن غلاء المنتجات التي يتحكم بها كارتل الزراعة، ولهذا بقيت مؤسسة الإقراض الزراعي واحدة من أهم الروافع الداعمة للمزارعين لديمومة الإنتاج وتوفير السيولة للإبقاء على سلاسل التوريد.
في الحزمة التي أعلنتها الحكومة الأسبوع الماضي، شملت القرارات العديد من القطاعات بإعفاءات واستثناءات وتأجيل قروض وقرارات قضائية ومن ضمنها تأجيل قروض المنتفعين من الصناديق الحكومية لنهاية العام، ولكنها استثنت أقساط قروض المزارعين، ووصلنا العديد من الشكاوى والأسئلة عن كيفية تعاطي الحكومة بتقسيم مواريث الإعفاءات كغرامات المسقفات وتصاريح العمل ورديات الضريبة وغيرها، ثم لا يشمل القرار أقساط قروض المزارعين أسوة بغيرهم، خصوصاً صغار المقترضين وهذا طلب مشروع في ظل الضائقة المالية وأزمة التصدير وانخفاض الأسعار وزيادة التكاليف.
من باب آخر رفعت الحكومة سقف التسهيلات الائتمانية لمؤسسة الإقراض الزراعي بقيمة 30 مليون دينار، والأصل أن تعطى المؤسسة استقلالية إدارية ومالية وترفع موازنتها إلى أزيد من مئة مليون دينار لدعم المشاريع الزراعية الكبرى ولتستطيع توسيع رقعة الأراضي الزراعية والتعاون مع اتحاد المزارعين الذي يطالب منذ سنوات بزيادة دعم المزارعين، وهذا ما تقوم به المؤسسة كداعم أساس للمزارعين والمصنعين والمشاريع، على أسس مدروسة وكفالات مضمونة وإدارة أثبتت كفاءتها بالتعامل مع أزمات السوق الزراعي والإبقاء ما أمكن على القطاع الزراعي في الأغوار والشفا ومدخلات الإنتاج الصناعي ورفع كفاءة المنتج.
إن تراجع المداخيل العامة وانكماش الأسواق وانخفاض المشاريع الاستثمارية وزيادة نسب البطالة وارتفاع كلف الإنتاج وتضخم الأسعار، يثبت أن القطاع الزراعي من أهم البيئات التي يمكنها استيعاب أكبر عدد من المشغلين، ومنتجاتنا يمكنها اختراق الأسواق الخارجية لتعود كسابق عهدها، لتدعم إيرادات المالية العامة بعدما تهاوى قطاع السياحة، ولم يتبق اليوم سوى دعم الزراعة والمزارعين والتي تقوم عليه المؤسسة بكفاءة إقراض وتحصيل قد لا تستطيعها البنوك.
تاريخنا يكشف أن الأردن المتنوع بمناخه الزراعي هو ما أعطى قيمة للمنتج المطلوب عربياً وأوروبياً، وحتى تبقى القطاعات مستدامة ومشغلة للأيدي العاملة وكافية لاحتياجات السوق، فيجب دعم المزارعين والتعاون المعرفي مع المؤسسة الوحيدة القائمة على ذلك لأن القائمين على إداراتهاهم من أبنائها وهم الأعلم بقطاع الزراعة الهام، والتخفيف عليهم وتشغيل الأيدي العاملة يعد أمناً قومياً.
Royal430@hotmail.com
الرأي