الزعبي يكتب: عدم دستورية الاتفاقية العسكرية الاردنية الامريكية
مدار الساعة ـ نشر في 2021/03/25 الساعة 20:28
مدار الساعة - كتب: المحامي اشرف احمد الزعبي
للتاريخ علينا جميعا مسؤولية، تعرية ما سمي باتفاقية التعاون الدفاعي مع امريكا، فهي لا تحمل من اسمها إلا العنوان، فلم أجد اي تشارك في أي بند من بنود الاتفاقية إلا في البيئة، وحتى هذا المجال محفوف بالمخاطر، لقدرة القوات الامريكية على احضار المواد الخطرة لبلادنا، فلا قيد يقيدهم، لا بل نظمت المادة 16 من الاتفاقية طريقة التعامل مع مخلفات المواد الخطرة.
ولفائدة معرفة المواطن غير المتخصص بمضمون هذا المقال، لازما علي ان ابدأ بمقدمة تعريفية، بما تم سحقه من قبل حكومتنا غير الرشيدة، وأقصد بذلك [سيادة الأردن على ترابه وسمائه ومائه]، فالسيادة هي السلطة العليا للدولة، على ارضها وبحرها وجوها، كما قال الفيلسوف أرسطو، والسيادة هي سلطة الدولة العليا المطلقة، والأبدية، والحازمة، والدائمة، التي يخضع لها الجميع طوعاً أو كرهاً، كما قال الفقيه الفرنسي بودان، وهي سلطة سياسية آمرة، نابعة من ذات الدولة، وقادرة على فرض نفسها، دون ان تكون خاضعة داخلياً وخارجياً لغيرها، كما قال دكتور محمد أزرعي.
والسيادة يا سادة شقيقة الاستقلال، فالأخير هو من يبعث في السيادة من روحه، فتصبح السيادة عملا ناجزاً ممارساً واقعاً لا خيالاً، فالشعب صاحب سيادة، ويصبح محجوبا عن ممارستها اذا كان غير مستقل، ولذلك فالشعب العربي الفلسطيني شعب المقاومة، هو شعب صاحب سيادة، لكنه لا يمارسها بحرية كاملة وشاملة، لأن دولته دولة محتلة وليست مستقلة.
لقد أصابني الذهول الممزوج بالالم على وطني، عندما تتبعت بنود الاتفاقية المشؤومة، فمن بندها الاول الناطق بالسماح بحمل السلاح، داخل وخارج الأماكن المحددة بالملحق ( أ )، الى السماح للقوات الامريكية بتخصص مناطق حصرية، الى التحكم بدخول الأفراد، الى تصاريح الدخول والعمل والبناء، اضافة للإعفاءات من أي التزام تفرضه القوانين والأنظمة الأردنية، والتي هي مطبقة على الأردنيين، وعلى جيشنا العربي، وعلى قواتنا المسلحة، إن ما أعطي للقوات الأمريكية من تسهيلات بموجب هذه الأتفاقية، لم يتحقق لجيشنا العربي وقواتنا المسلحة. أضف لذلك ما ورد في المادة السابعة حول التمركز المسبق، والتحزين المسبق للمواد والأسلحة والذي يمنع منعا باتا على اي جهة اردنية من الوصول اليه.
وزاد غثياني عندما قرأت المواد الأخرى، فطبقا للمادة السادسة يحق للقوات الأمريكية ضمان أمن وسلامة المعدات وسلامة أفرادها، لا بل سمحت حكومتنا لهذه القوات بحق الرد والدفاع عن النفس، أي صرحت لها إستخدام القوة في مواجهة الأردنيين؟ كما صرحت لها بالدفاع عن المرافق وحفظ الأمن والنظام، كما فتحت الأجواء الأردنية، والمنافذ البحرية والبرية، لدخول القوات وإدخال الأسلحة بمختلف انواعها، وأعفتها من أيه رسوم او نفقات، كما اُبيح للقوات الأمريكة أو متاعقديها والمتعاملين معها، حق التجول داخل وخارج المرافق المتفق عليها برخص القيادة الأمريكة، وسمحت حكومتنا لهذه القوات حق الأستيراد والتصدير، دون اي رقابة على المواد المدخلة، والأدهى والأمر ان الدعم اللوجستي على عاتق الطرفين، أي ان خزينة الأردنيين ستدفع للقوات الامريكية، ولم يقتصر الأمر على ذلك، فقد خولت حكومتنا القوات الأمريكية، حق استخدام مرافق قواتنا المسلحة، من بريد ومرافق اجتماعية وترفيهية، كما سمحت باستخدام الطيف الراديوي، وسمحت ببناء محطات الإستقبال الفضائي.
أما عن نزع صلاحية القضاء الوطني والدولي، من نظر أي خلاف حول تطبيق او تفسير هذه الإتفاقية، فحدث ولا حرج، ولا معنى لذلك إلا ان ما سطر بهذه الإتفاقية، ما هو إلا إحتلال ضمن بنود سميت اتفاقية؟ خمسة عشر عاما هي مدة الاتفاقية تجدد تلقائيا، إلا اذا أنهاها أحد أطرافها قبل سنة باشعار دبلوماسي؟ يعني اننا مكبلون بهذه القوات ابدياً.
ولأنصف الحكومة، وجدت أننا تشاركنا مع الإمريكان بهذه الإتفاقية، بأننا نحافظ على البيئة، واننا سوف نتملك الأدوات والمنشات الثابتة، أما المنقولة فهى من حق الأمريكان، لكني تساءلت كيف نحافظ على البيئة؟ والقوات الامريكة من حقها إدخال وإخراج المواد الخطرة والتعامل مع النفايات الخطرة حسب المادة 16 من الاتفاقة؟
سمعتُ رد الحكومة على النواب حول شرعية الإتفاقية، وكم ضحكت عندما شبه وزير الخارجية، وجود العسكر الأمريكي لدينا بوجود البعثات الدبلوماسية؟ من حيث الحصانة، وأقول له ألا خاب ما قلت. إن رد الحكومة رد خاوٍ لا يسنده سند دستوري، بل ان هذه الحكومة خالف الدستور مخالفة صريحة، وأمنعت في ذلك، وحجبت هذه الإتفاقية ومن قبلها عن الإمة وعن مجلس الإمة، وحتى لو اقرها الأخير، فان هذا القرار سيكون سبة في وجه من يوقع.
أما عن مخالفة الدستور فأجد ان هذه الإتفاقية قد خالف نص المادة ( 1 ) من الدستورالتي نصت على [ المملكة الاردنية الهاشمية دولة عربية مستقلة ذات سيادة ملكها لا يتجزأ ولا ينزل عن شيء منه ].
كما خالفت المادة ( 33/2 ) من الدستور التي تنص على [ لمعاهدات والإتفاقات التي يترتب عليها تحميل خزانة الدولة شيئا من النفقات أو مساس في حقوق الاردنيين العامة أو الخاصة لا تكون نافذة إلا اذا وافق عليها مجلس الأمة ولا يجوز في أي حال ان تكون الشروط السرية في معاهدة أو إتفاق ما مناقضة للشروط العلنية ] .
كما خالفت ثلاثة قررات صادرة عن أعلى مراجع تفسير الدستور لدينا، القرار رقم ( 2 ) لسنة 1955 الصادر عن المجلس العالي لتفسير الدستور، والقرار رقم ( 1 ) لسنة 1962 الصادر عن المجلس العالي لتفسير الدستور، والقرار رقم ( 2 ) لسنة 2019 الصادر عن المحكمة الدستورية، الخاص بإتفاقية الغاز المشؤومة مع الكيان الغاصب لفلسطين.
يقضي القرار اتفسيري رقم 1 لسنة 1962 وهو قرار صادر بالأغلبية، أي ان هناك من قضاتنا الأجلااء خالفوا رأي الأغلبية واعتبروا أية تصرفات مالية تكلف خزينة الدولة نفقات مالية يجب عرضها على مجلس الأمة، وكذلك القرار رقم لسنة 1952 واخيرا قرار المحكمة الدستورية للعام 2019 ، وكل هذه القرارت التفسيرة التي تعتبر جزءً لا يتجزأ من النص الدستوري قررت ان معنى مطلع الفقرة ( 2/33 ) تحتاج موافقة مجلس الامة، الامر الذي خالفته حكومتنا عن سابق تصور وتصميم.
حيث قضى القرار التفسيري رقم 1 لسنة 1962 [[ وحيث ان لفظة (معاهدات) بمعناها العام تنصرف الى الإتفاقات التي تعقدها دولتان أو اكثر سواء أكانت تتصل بالمصالح السياسية أو الإقتصادية أو غيرها، وبمعناها الخاص تنصرف إلى الإتفاقات الدولية الهامة ذات الطابع السياسي كمعاهدات الصلح ومعاهدات التحالف وما شابهها. أما ما تبرمه الدول في غير الشؤون السياسية فقد اصطلح الفقه الدولي على تسميته بالإتفاقية أو الإتفاق. فإن إستعمال لفظة (الإتفاقات) بعد لفظة المعاهدات في المادة (33) المشار اليها إنما يدل على ان واضع الدستور قد تقيد عند إستعمال هذين اللفظين بالتخصص المتقدم ذكره . ولهذا فان الإتفاقات المعنية في هذه المادة هي الإتفاقات التي يكون طرفاها دولتان أو اكثر وتتعلق بغير الشؤون السياسية ]] .
[[ أما الإتفاقات المالية التي تبرمها الدولة مع أي شخص طبيعي او معنوي كالبنوك والشركات مثلا فهي غير مشمولة بحكم هذه المادة ولا يحتاج نفاذها الى موافقة مجلس الأمة ولو كانت هذه الإتفاقات تحمل الخزانة شيئا من النفقات ]].
وعليه، كيف للحكومة ان تنزع سلطة القضاء لدينا عن الاجانب؟ من يحاسب العسكرى الامريكي اذا دهس مواطنا اردنيا وهذا ابسط الامثله؟، كيف لحكومة تمارس تعطل القوانين الجزائية النافذة؟ وتترك مواطنيهافي مهب الريح، من سيردعهم اذا الحقوا اضرارا بحقوق الاردنيين العامة والخاصة؟ ألم تنص المادة 33 على حماية هذه الحقوق؟ من يجبر ضرر الاردنيين الناتج عن عسكر الامريكان؟.
نعلم ان الإختصاص الجزائي في كل دول العالم إختصاص جالب، بمعنى ان المحاكم الوطنية دائما هي المختصة وقوانيها هي النافذه، وهو المظهر الاكثر وضوحا للسيادة الوطنية، ثم كيف لسلطة تنفيذية تعطل قوانين صادرة عن سلطات دستورية دون الرجوع لهذه السلطات؟ فالمستقر عليه ان المعاهدات أعلى من القوانين عندما يصادقع صاحب الاختصاص " المشرع " على تلك المعاهدات، وبخلاف ذلك يعتبر توقيع تلك الاتفاقيات دون الرجوع للأصل تعتدي من السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية، صاحبة الاصيل وهو التشريع، والتصديق على المعاهدات الدولية هو نوع من التشريع.
أما عن مخالفة المادة الأولى من الدستور، التي منعت التنازل عن أي جز من سيادة واستقلال الأردن ولا عن مُلكه، فلا يجوز التنازل مؤقتا أو دائماً عن أي شبر من الأراضي الاردنية براً وبحراً وجواً، وأبسط معنى لذلك، ان تكون للسلطات الأردنية هي ألآمر الناهي في كل شيء، أو أمر على اراضيها، وهو المفهوم الذي حددناه في مقدمة المقال، فيجب ان تكون سلطة القوات المسلحة الأردنية، وسلطة القضاء وسلطة القوانين المطبقة على المواطنين، هي النافذة على كل أجنبي، وجد لسبب أو لآخر على أرضنا، هذه هي السيادة كما هو مجمع عليه فقهاً وقضاءً، وما تم توقيعه هدم وخرق السيادة الأردنية، وهو خرق فاضح للمادة ( 1 ) والمادة ( 33 ) من الدستور.
هذا هو حكم الدستور يا سادة، وهذه هي أحكام التفسير الصادرة عن السلطات الدستورية لدينا، سواء الصادرة عن المجلس العالي لتفسير الدستور أو عن المحكمة الدستورية، لم أدخل في ما خطه اجماع الفقه عالميا، من ان القواعد الدستورية تقضي، بأن صاحب الحق في اقرار مثل هذه الاتفاق، هو المشرع وليس السلطة التنفيذية، فهل القرارت أعلاه والتي صدرت بناء على طلب الحكومة لتفسير المادة 33 من الدستور غير ملزمة لها؟ وهل هي خارج مظلة الدستور، وهل يحق لها ان تخالف ثلاث قرارت تفسيرية تعتبر جزء من النص الدستوري؟ وما هو حدود مسؤوليتها عندما وقعت وبصمت على هدر السيادة الأردنية؟ أقول ختاما لا يوجد اعظم من مخالفة الدستور، وكل من يخالفه إثمه عظيماً.
حمى الله الوطن ورحم شهداءه الابرار
مدار الساعة ـ نشر في 2021/03/25 الساعة 20:28