ربيحات يكتب: هل سيختفي الإرهاب؟
مدار الساعة ـ نشر في 2017/05/22 الساعة 21:52
كتب: د. صبري ربيحات
يعبر الامريكيون عند مواجهتهم موقفا او مشهدا غريبا عن دهشتهم بعبارة لا يصدق un believable وبنفس الروح اقول بانني اجد صعوبة في استيعاب ما حصل خلال اليومين الماضيين..
فلا اظن اننا شهدنا في هذا الجزء من العالم ما هو اكثر دهشة واثارة من الذي شهدناه.
غرابة المشهد لا تأتي من وجود اكثر الرؤساء الامريكيين تشددا حيال الاسلام واكثرهم نقدا واتهاما وربما عداء للعرب والمسلمين على اراضي اكثر الدول تمثيلا للاسلام والمسلمين. ولا من ان الرئيس الامريكي قال خلال حملته الانتخابيه بانه سيمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة وان المسلمين يحملون مشاعر عدائية نحو الغرب واستهل عمله باصدار مرسوم يمنع رعايا عدد من الدول الاسلامية من دخول الولايات المتحدة. بل من كيف توالت الاحداث؟ وكيف تغير الخطاب؟ وكيف اصبحت قضية الامة الاولى مجابهة ايران؟ وكيف يمر اجتماع للامة دون ان تاخذ حقوق الفلسطينيين واللاجئين والشعوب العربية نصيبها من الاهتمام والتفكير. وكيف اسقطت امريكيا ولو نظريا اهتمامها بحقوق الانسان والدمقرطة واوضاع النساء والاقليات والمهاجرين.
مثل ما يكتب في الروايات كانت الزيارة حيث حل الرئيس والسيدة الاولى وفريقهم ضيوفا ليجري استقبالهم والترحيب بهم واحاطتهم باعلى درجات الرعاية والاهتمام في اكثر بلدان العالم محافظة والتزاماً بالشريعة والتقاليد حيث يتكيف المشهد ليستوعب الحضور النسوي في الفضاء السياسي الذي طالما هيمن عليه الرجال في اجواء من الاحترام والتقدير للثقافة والتقاليد السائدة في البلد المضيف.
في اختيار الرئيس ترامب للسعودية كمحطة اولى في زيارته الخارجية الاولى ما يبعث على التخمين والتفكر حول الغايات والاهداف الحقيقية من هذا الاختيار وهذا الترتيب. على السطح يبدو الاختيار منسجما مع الفكرة التي عرضها المستشارون والمتمثلة في لفت النظر الى وحدة العالم بالرغم من تنوع الديانات فالجميع يعبدون ربا واحدا .البعض راى في الزيارة وترتيبها ومحطاتها اشارة لبيان نية الادارة الامريكية الجديدة اتباع نهجا جديدا يختلف عن ذاك الذي اتبعته ادارة الرئيس اوباما والمتمثل في اهمال القضايا الشرق اوسطية والاستجابة الى تحدي الارهاب باتباع منهج القيادة من الخلف.
السبب الذي تجاهلته الكثير من التحليلات التي تناولت الزيارة يتعلق بادراك الادارة الامريكية لحاجة الدول الخليجية الى دفعة معنوية وعسكرية قوية تمكنها من الوقوف في وجه التهديد الايراني والمخاوف الناجمة عنه وتلاقي ذلك مع وجود رغبة وربما حاجة ملحة لدى الادارة الامريكية لتسجيل نجاح واضح ومضمون يلفت النظر الى مهارات الرئيس وقدراته القيادية على الصعيد الدولي ويبرهن على مصداقية الرئيس ترامب وفريقه والتزامهم ىبترجمة الوعود التي اطلقها اثناء حملته الانتخابية خصوصا تلك المتمثلة في الزام الحلفاء بدفع فاتورة الدعم والحماية التي توفرها الولايات المتحدة لهم.
كل ذلك مضافا الى رغبة الرئيس في تعزيز الصورة الذهنية التي كانت سببا في حصوله على الفوز والمتمثله في نجاحاته كرجل اعمال قادر على معالجة المشكلات الاقتصادية وتحقيق النمو والازدهار بعيدا عن البيانات والخطب والمناكفات الحزبية التي تهيمن على اجواء واشنطن وعلاقة الاحزاب والاعلام والسلطة التنفيذية . الزيارة الاولى للرئيس الامريكي للملكة العربية السعودية كانت اولى التمرينات الحية لتطبيق رؤية الرئيس للفرص التي تحدث عنها الرئيس في جعل امريكيا اعظم واقوى من خلال تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة للاقتصاد الامريكي عن طريق ترجمة القوة العسكرية والنفوذ السياسي الى استثمارات وعوائد وفرص عمل يحتاج لها الاقتصاد الامريكي.
الصفقة الاقتصادية التي تجاوزت قيمتها مجموع الناتج القومي السنوي لنصف اعضاء الجامعة العربية وجرى توقيع وثائق اتفاقياتها اذهلت كل من استمع لتفاصيلها بما في ذلك الرئيس الامريكي ومن رافقه وربما دفعت الكثيرين من المراقبين والمحللين العرب وغيرهم للتساؤل فيما اذا كانت قيمتها تكفي لحل مشكلات العالم الاسلامي الاقتصادية والاجتماعية والامنية وربما نزع الكثير من الفقر والجوع والظلم الذي يعاني منه الملايين في ارجاء العالم الاسلامي ويشكل البيئة الخصبة للارهاب والمستنبت الذي يأتي منه الارهابيون.
نظرة في وجوه القادة الذين حضروا القمة وانصتوا الى نصائح الرئيس الامريكي وبقية المتحدثين عن اوجه واستراتيجيات مكافحة الارهاب تكفي لادراك حجم المسؤولية وعظم التحديات التي تواجههم في هذه المهمة الشاقة . فدعوة الرئيس الضيف للقادة بان يتتبعوا المتطرفين ويبعدونهم عن دور العبادة و عن المجتمعات المحلية ويخرجوهم من حياتهم لها وقع جميل لكنها تفتقر الى الوسائل والادوات والامكانات الضرورية لمساعدتهم على تحسين شروط حياة شعوبهم وتحسين قدرات اجهزتهم ومؤسساتهم , والكثير من الزعماء والقادة يبحثون عن كل ما يمكن ان توفره صناديق الاعانة والاقتراض لاحداث التنمية وايجاد البرامج والمشروعات والفرص القادرة على استيعاب طاقات الشباب اليائس الذي يشكل وقودا للاعمال والعمليات الارهابية التي اصبحت احد البدائل التي يقبل عليها اليأئسون في المجتمعات الرازخة تحت وطأة الفقر والجوع والبؤس والفساد.
القول بان ايران الوحيدة المسؤولة عن التطرف بصورته الحديثة كلام تنقصه الكثير من الادلة والشواهد فصناعة الارهاب نشأت في افغانستان واعيد انتاجها في العراق من خلال تدوير الصراع ابان الاحتلال الامريكي وبمشاركة اقليمية. الحاجة الى تعريف عدو مشترك للفرقاء المجتمعين في الرياض ضروري وايران تلعب دورا مهما في تصدير ثورتها وتاجيج الصراع في المنطقة لكن ذلك التعريف لا يشكل ارضية كافية ومقنعة لمن يريد معالجة المشكلة والتصدي لها.
في الوقت الذي اعلن المؤتمرون عن وقوفهم في وجه التطرف والارهاب واعربوا عن استعدادهم للتعاون والتنسيق لتحديد وملاحقة ومحاصرة الجماعات الارهابية وتجفيف منابع الدعم والتمويل لاعمالها فقد غابت عن المؤتمر الاسباب والظروف والدوافع التي تولد التطرف وتعطي للمتطرفين الدوافع والتبرير للالتحاق بالجماعات الارهابية او التعاطف معها. فمن غير المقنع ان يجري الحديث عن محاربة التطرف والارهاب دون الحديث عن الديمقراطية وحقوق الانسان والعدالة والتنمية وايجاد الفرص والغاء اشكال التمييز ومحاربة الفساد واحترام سيادة القانون وغيرها من العوامل البنائية التي تتطلب الكثير من الجهود الاصلاحية والتنموية الضرورية للحد من التطرف وتجفيف روافد تنظيماته وجماعاته.
الرسالة التي يقدمها ترامب للعالم والتاريخ تتمثل في ان هناك طريقة اخرى لادارة الشؤون الدولية طريقة فيها من البراجماتية والمرونة والقدرة على التغير والتبدل ومزج المال والاعمال بالسياسة.
مدار الساعة ـ نشر في 2017/05/22 الساعة 21:52