معركة الكرامة ..
قبل 20 عاما, قمت بعمل سلسلة من اللقاءات عن كاسب صفوق الجازي بطل معركة الكرامة وقائد لواء عالية, وكان الفريق المرحوم مشهور حديثة الجازي دائم التردد على مكتب الأستاذ طاهر العدوان، ونجلس معه مطولا كي يروي لنا تفاصيل المعركة..
أنا أعرف الكثير من أحداث المعركة, ولكني لا أستعمل هذا الحدث التاريخي للتقليل من المقاومة الفلسطينية, ولا يهمني أبدا.. أن ألوي ذراع الحقيقة وأغض النظر عن دور جيشنا البطل, من يريد أن يستعمل قصة معركة الكرامة للتقليل من الدور الفلسطيني هو مثل من يغطي الحقيقة بالرمل, وهو مثل من يتجاوز وحدتنا الوطنية ونسيجنا الاجتماعي.. علما أن البطولات لا تأتي أبدا بالتقليل من قوة شريكك وأخيك بل تنبع من إيمانك به, وكتابة التاريخ الذي يوحد ولا يفرق.
الفلسطيني بعد معركة الكرامة تنبه لدور التنظيم والتدريب, وتنبه لدور الميليشيا والمجموعات الصغيرة في قتال إسرائيل.. والفلسطيني قاتل مع الأردني بما يحمل من معنوية عالية, ولو قدر للمقاومة الفلسطينية في ذلك الوقت.. أن يمد افرادها أجسادهم كي تعبر عليها دباباتنا ما ترددوا, لكنهم قاتلوا بما يملكون من سلاح شحيح وفي ذات الوقت استبسلوا, بما يملكون من إيمان وقضية ومبدأ.
بعد معركة الكرامة, غادر الألوف من شباب العشائر الأردنية إلى بيروت والتحقوا بالثورة الفلسطينية, ومنهم من استشهد لأجل فلسطين, وحفاظا على شهادتهم وطهر دمائهم علينا دوما أن نؤكد أن السلاح الفلسطيني لايقابل بالتقليل من دوره.. ولا يقابل بشطب تاريخه, ولا يقابل بالنكران.. حتى لو كان الأداء محدودا, ولكن لنعترف أن الثورة الفلسطينية.. التي بنت مداميكها العسكرية مبكرا.. أوجعت إسرائيل, وقتلت منها بحجم ما قتلت الجيوش العربية وأكثر..
ليست جريمة إن اختطف الفلسطيني النصر مني ونسبه لنفسه, أصلا نحن قاتلنا لأجل القضية الفلسطينية, ولم نقاتل للحديث عن أنفسنا.. أيعقل أن نقدم خيرة (عيالنا) شهداء لأجل هذه القضية؟ ومن ثم نقلل من دور من خاضوا معنا الحرب وتقاسمنا معهم لقمة الخبز, وعشنا دما يمتزج بالدم ودمعا حين يسكب من عين فلسطينية يسيل على خد أردني.. المؤرخ دوره في الحياة أن يوحد, لا أن يفرق.. دوره في الحياة أن يجمع الناس على الحقيقة, لا أن يؤسس للخلافات قواعد وميادين اشتباك..
الكرامة كانت وستبقى من أهم عناوين الجيش العربي الأردني, ومن أنبل صور الصبر الفلسطيني.. كانت وستبقى عنوانا للنصر الذي بني على الوحدة والمحبة والتآخي.. ولم تكن فصلا من التنظير.. والإنحياز, وتقسيم التاريخ بين ما هو فلسطيني وما هو أردني.. وتاريخ الجيش هو ملك للجيش, وهو مصون ومحفوظ ومحصن.. ونقولها دائما حمى الله الملك, حمى الله وحدتنا الوطنية... وفلسطين ستبقى قضيتنا التي لا تحتمل الرأي.. بل تحتمل الفداء والدم فقط.
Abdelhadi18@yahoo.com
الرأي