كثرة الدَّين من قلة الدِّين

مدار الساعة ـ نشر في 2021/03/22 الساعة 01:16

في الفضاء الاردني ثمة اسئلة كثيرة وكبيرة تدور منذ سنوات، تعلو وتهبط دون أن يجد المواطن الأردني جوابا لأي منها.

القصة الحكومية دائما مؤقتة وغير مكتملة، ودائماً تتحدث عن العرض ولا تقترب من المرض.

فشل الحكومات جعلنا دولة ألغاز مُشفَّرة، لا يحلها عالم ولا منجم مغربي، البحث عن الحقيقة في الاردن يكاد يكون مستحيلاً لاسباب كثيرة، اولها قصر عمر الحكومات الذي يجعل الكل مذنب والكل بريء، والى ان يقضي الله امره، علينا ان نعيش في حالة دهشة وانتظار.

نحن اكثر دولة في العالم لديها خطط لكل شيء، خطط للتحول الاقتصادي والاجتماعي، وخطط للتنمية الاقتصادية، ومثلها للتنمية السياسية، واخرى لتنمية المهارات والكارات، وخطط لحل ازمات النقل والسير، والتعافي الاقتصادي ومعالجة الفقر والبطالة، وخطط للنهضة دون نهوض طبعاً.

ولدينا خطط تكفي لقرن قادم عشرية وسباعية بعضها طويل الامد وبعض متوسط او قصير الامد تماما مثل المواد الغذائية ذات الصلاحية المحددة، خططنا تناسب كل الاذواق والمقاسات والامكانات اذ يمكن لاية دولة ان تختار ما يناسبها، لكن بشرط ان بضاعتنا لا ترد ولا تستبدل.

لقد انتجنا هذا الكم الهائل من الخطط والبرامج الخلاقة من مئات اللجان والهيئات التي شكلناها بنجاح يحسدنا عليه العالم.

من كثرة الوعود التي امطرتنا بها حكوماتنا العتيدة وقعنا في حيرة من امرنا لا نعرف ما نختار، فكلها تصب في مصلحتنا، وكلها تستهدف اسعادنا، وعلينا تقع مسؤولية عدم تنفيذ اية خطة، لاننا بطرانون، اعجبنا المكوث في عنق الزجاجة فهو مريح ولا حاجة لنا بالخروج منها.

قبل الكورونا علقنا فشلنا على انقطاع النفط العراقي، ثم الغاز المصري ثم اضطراب المحيط، ثم الهجرات، وأخيراً جاء الوباء طوق نجاة للفاشلين الفاسدين.

غرقنا بالدَين من قلِّة الدِين، وصرنا نستدين لسد الدين، ما ادخلنا في دوامة ينمو داخلها العجز ويكبر، الى حد لا يمكن احتماله او التخلص منه.

المواطن يسأل ماذا استفدنا من الهيئات المستقلة ولماذا لم يتم التخلص منها ومن عبئها حتى الآن؟ وما الفائدة من وجود المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي لم يسجل له اي انجاز الا اذا اعتبرنا الضجة الاعلامية التي كانت ترافق الاعلان عن تقارير حالة البلاد التي اصدرها المجلس لفترة قصيرة انجازا، ليعود بعدها الى نومته المعهودة، وماذا استفدنا من دافوس واخواته سوى هدر المال على السياحة وشمة الهواء، وما معنى استحداث وزارة للاستثمار الى جانب وزارة الصناعة والتجارة ومؤسسة تشجيع الاستثمار، ولماذا يعين موظف في رئاسة الوزراء برات? ضخم من اجل تنسيق الشراكة بين القطاعين العام والخاص او هكذا قيل لتبرير التعيين؟.

وما معنى وجود هيئات تعمل عمل الوزارات دون ان تتبع لها، وهل كانت وزارات مثل تطوير الاداء المؤسسي او تطوير القطاع العام او وزارة التنمية الادارية او وزارة الاستثمار او وزارة المرأة وغيرها مما تم استحداثه وشطبه، ضرورات اقتضتها مصلحة الوطن ام مصلحة الاشخاص الذين وضعوا على رأسها؟؟.

إن مسيرة التخبط والغش هي التي اوصلتنا الى هذه الحالة وهي التي اودت بمؤسساتنا الناجحة في التعليم والصحة والادارة وغيرها من مؤسسات الدولة الى هذه المهاوي السحيقة التي انحدرت اليها.

الاهمال والترهل اقل وصف لما تعاني منه مؤسساتنا، لان هناك من الامراض ما هو اخطر اذا ما حفرنا في الاعماق.

الخروج من هذه الحالة لا يكون بالانشاء والتعبير عن الندم، بل بالصدق مع الذات من قبل الجميع مواطنين وحكومات، وفوق كل ذلك مخافة الله في السلوك وتطبيق القانون على الجميع دون محاباة، علينا ان نعترف باننا كلنا مذنبون.

ومثلما هي الحسنات حسب القدرات، السيئات ايضا حسب القدرات، وليس الناس اما محسن او مُسيء، بل هناك فئة ثالثة خارج المعادلة، اما للعجز وعدم المقدرة، او لانهم من اصحاب الضمائر الحية الذين لا يقبلون على انفسهم الانغماس بالفساد، وهؤلاء ذخيرة للوطن لكن نفعهم يعتمد على اهمية المواقع او المناصب التي يتولونها وهنا مربط الفرس، فاذا نجوا من الازاحة عن المواقع المهمة استفاد الوطن واذا تم التآمر عليهم خسر الوطن.

ان استعادة الثقة لها دروب عدة يجب ان تكون كلها سالكة نحو الوصول الى صورة الوطن المشرقة التي كان عليها.

قانون الانتخاب مهم لكن الاهم منه ضمان وصول صوت الناخب الى المرشح الذي يريد، وقانون الاحزاب مهم لكن الاهم منه منح الاحزاب حرية العمل، وقانون الكسب غير المشروع مهم لكن الاهم منه قانون من أين لك هذا؟ الذي يجعل مهمة اثبات مصدر الثروة على المتَهم وليس على المتِهم.

علينا ان نعمل اكثر مما نتكلم، وان نتكلم عندما نعلم ونقلع عن عادة الادعاء وامتلاك المعرفة.

ان مجتمعنا بحاجة الى اعادة تموضع للافراد والقيادات لنخرج من لعبة الدوران حول بعضنا وحول الكراسي، هذه اللعبة التي وضعت الناس في غير منازلها، فصار الكل غاضب والكل يزاحم الكل.

الرأي

مدار الساعة ـ نشر في 2021/03/22 الساعة 01:16