جرس الإنذار الأخير قبل أن ينهار «القطاع»
مدار الساعة ـ نشر في 2021/03/14 الساعة 00:16
يعتبر الأكسجين أهم عنصر يجب أن يتوفر في المستشفيات لإنقاذ المصابين في الكورونا، هذه بديهية يعرفها المختص وغير المختص، وفي مواجهة وباء داهمنا مع بقية دول العالم، لا بد من توجيه كل إمكانيات الدولة لدعم القطاع الصحي وتزويده بكل العلاجات والكوادر الطبية وبقية اللوازم الضرورية لضمان عمل المستشفيات بكفاءة وقدرة عاليتين.
ما حدث في مستشفى السلط الحكومي أمس، فاجعة بالمعنى الكامل للكلمة فقد أزهقت سبعة أرواح نتيجة نقص الأكسجين الذي كانوا بحاجة إليه للبقاء على قيد التنفس والحياة.
إن هذه الحادثة التي تدل على وجود خلل في التعامل مع جاهزية المستشفيات، أحد أوجهه الإهمال في مراقبة انخفاض نسبة الأكسجين في مستشفى السلط، لكن هناك جوانب اخرى مسؤولة عن التردي والإرهاق الذي أصاب القطاع بأكمله، أهم هذه الجوانب أن ميزانية وزارة الصحة انخفضت عام 2021 حيث بلغت 599 مليون دينار، بينما كانت في عامي 2019 و2020 تتراوح بين 605 و610 ملايين دينار، وهذا مؤشر يدل على التقدير السيء والخاطئ لواضع المخصصات التي يجب أن تزيد لا أن تنقص، فكيف يتم إنقاص الموازنة في ظل ارتفاع أسعار الأدوية والأجهزة واللوازم الطبية والزيادة السنوية على الرواتب، وفوق ذلك زيادة عدد السكان الطبيعية البالغة 3% وغير الطبيعية التي لم تكن متوقعة؟ إن هذه الموازنة تعجز بالتأكيد عن تغطية كل هذه الأكلاف بدون الإنفاق الاستثنائي الذي فرضه الوباء، فكيف سيكون الحال بعد انتشار الوباء؟.
عندما قدم مدير عام مستشفيات البشير استقالته في العام الماضي احتجاجاً على عدم الموافقة على تعيين اطباء وكوادر مساعدة من الممرضين والفنيين، لتشغيل التوسعة الجديدة للمستشفى، لم تتم الاستجابة لطلباته بشكل كامل بل بما يؤدي إلى تسليك العمل بصعوبة، وبعد مغادرة الوزير السابق منصبه اكتشفنا أنه كان يرد بعبارة «دبر حالك» كلما تقدم بطلبات لمواجهة الضغط الكبير على المستشفى. إن سياسة التسليك والترقيع وتدبير الحال لا يمكن أن تصمد لا في قطاع الصحة ولا في أي قطاع آخر، وآن الأوان لإعادة النظر في وضع المخصصات المالية لكل القطاعات، ولا يجوز بعد الآن أن تظل الهيئات المستقلة تلتهم مبالغ ضخمة من موازنة الدولة، بينما يتم التقتير على قطاعات تقدم خدمات مهمة للمواطنين.
لدينا في الأجهزة الحكومية زيادة في أعداد الموظفين في أماكن، يقابلها نقص فادح في أماكن اخرى، وهذا يدل بشكل قاطع على عدم وجود رؤية شاملة لدى القائمين على الإدارة العامة للدولة.
إن الكلمة القصيرة المتعاطفة مع ذوي الضحايا التي وجهها رئيس الوزراء أمس إلى الأردنيين تعبر عن حس بالمسؤولية، لكن الأردنيين يريدون أن لا يكون مصير هذه القضية كمصير كل قضايا التقصير، حيث تبدأ كبيرة ثم تتلاشى مع الوقت، يريد الأردنيون محاسبة حقيقية لكل الذين تسببوا في وفاة احبائهم, وإذا كان أهلنا في السلط الحبيبة قد دفعوا ثمن الإهمال أو التقصير سبعة أرواح عزيزة غالية، فإن أهل المرضى في المستشفيات الأخرى في المملكة، لا بد أن ينتابهم خوف وقلق شديدين من أن يكون مصير مرضاهم كمصير مرضى مستشفى السلط الحكومي.
لقد كشفت جائحة كورونا، عن إهمال عمره سنوات طوال فعل فعله في كل القطاعات ولا سيما القطاع الصحي، الذي تركناه يعاني من نقص متراكم في كل شيء حتى كاد أن يسقط من شدة الترهل والإعياء، ولا عذر للحكومات في هذه النتيجة، لأن أخبار نقص الأدوية ونقص أجهزة التصوير الشعاعي والاكتظاظ وانعدام صيانة المرافق في المستشفيات، كانت تنشر يومياً على وسائل الإعلام كافة، ولم تحرك الحكومات ساكناً بحجة عدم توفر المال اللازم، الذي كان يتوفر وبسخاء للسفر غير اللازم ولشراء السيارات والأثاث وحتى لدفع فواتير الطعام بمبالغ خيالية تكفي لملء خزانات مستشفى السلط بالأكسجين لأكثر من سنة.
لقد أفقنا أمس على خبر رحيل سبعة من أهلنا السلطية بسبب الإهمال، وأول ما خطر على بالنا بعد أن استعدنا توازننا من حم الضربة، هل نستطيع أن نستمر بالتباهي بقدراتنا الطبية، وهل ولت مرحلة التفوق الطبي الأردني وأصبحت من الماضي الذي لا يعود؟!.
لقد شكلت الفاجعة جرس الإنذر الأخير قبل انهيار القطاع بالكامل، ولا بد أن تتدارك الحكومة الأمر قبل فوات الأوان.
awsnasam@yahoo.com
الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2021/03/14 الساعة 00:16