قراءة تحليلية لزيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة

مدار الساعة ـ نشر في 2017/05/21 الساعة 10:20
أ. د. أمين المشاقبة تشكل الزيارة التاريخية التي يقوم بها الرئيس الأمريكي ترامب إلى المملكة العربية السعودية نقطة انطلاق لعودة الولايات المتحدة بقوة إلى العالم ومنطقة الشرق الأوسط تحديداً، والزيارة الأولى خارج البلاد لمراكز الديانات السماوية الثلاث تأخذ بعداً في الاعتدال واحترام الديانات الإسلامية، والمسيحية واليهودية كمظهر أولي من مظاهر السياسة الخارجية الأمريكية في العالم، ولها تأثير آخر على الداخل، هناك شعور عام لدى العديد من الدول العربية والآسيوية والأفريقية أن إهمالاً وتهميشاً لقضاياهم، ولا يوجد اهتمام جدي من الإدارات الأمريكية السابقة بالصراعات والأزمات في تلك المناطق. الرئيس الأمريكي ترامب رجل أعمال معروف ولا يؤمن إلا بالصفقات التي يحقق منها كسباً أو ربحاً، وعليه فإن تفكيره سياسياً لا يخرج عن ذلك، فالمسألة الأساسية له كما وعد في حملته الانتخابية كيف يستطيع أن يدفع بالاقتصاد الأمريكي إلى الأمام؟ وكيفية إيجاد وظائف للعاطلين عن العمل دون تحريك دائرة الاقتصاد الداخلي، ناهيك عن قدرته الفاعلة في مناكفة روسيا الاتحادية التي ملأت الفراغ الذي ظهر واضحاً في إدارة أوباما. نحن لا نتحدث هنا عن بداية حرب باردة بقدر ما يمكن أن يحصل من مساومات وتوزيع مناطق تقود لحماية المصالح بين القوتين العظميين. إن اليوم الأول من الزيارة هو سعودي بالكامل، حيث سيتم التباحث سياسياً في أمور المنطقة وما له علاقة بأمن واستقرار المملكة السعودية ودورها المحوري في قيادة العالم الإسلامي أولاً والعربي ثانياً، من أجل هذا الشأن ستعقد العديد من الاتفاقيات والتفاهمات، العسكرية، الأمنية، الاقتصادية، النفطية والثقافية بين البلدين، والتي تخص المملكة العربية السعودية، وعليه فإن هناك صفقات اقتصادية وعسكرية وأمنية تحقق مصالح الطرفين، ناهيك عن ملف الإرهاب والتطرف وآليات التعاون للانتهاء منه في المرحلة القادمة. ويأتي ملف إيران وتدخلها في المنطقة وأمن دول الخليج العربي والتهديدات الإيرانية والتي ستتعهد الولايات المتحدة بذلك بوسائلها المختلفة، هذا ما سوف يتم باليوم الأول للزيارة. أما اليوم الثاني فهناك قمتان الأولى خليجية- أمريكية ستهتم بطرح قضية الإرهاب والتطرف والتعاون مع الولايات المتحدة لمكافحته، وكذلك التحدي الإيراني وتدخلاته في دول الخليج العربي وآليات التعاون السياسي والأمني لردع التحديات الإيرانية في المنطقة، كذلك الحفاظ على أمن واستقرار دول الخليج، إما من خلال اتفاقية جماعية أو اتفاقيات منفردة ذات مضامين سياسية وأمنية وعسكرية، إما بإحياء قوات درع الجزيرة أو توسيع نطاقها كمنظومة أمنية أكبر تشترك بها دول عربية أخرى وإسلامية على غرار الناتو (شمال الأطلسي). والقمة الثالثة ستشمل ما يزيد عن 57 دولة عربية وإسلامية يحضرها ما يقارب من 37 زعيم دولة عربية وإسلامية، وسوف تظهر الإدارة الأمريكية الاهتمام والاحترام البالغ للحضارة الإسلامية والعربية والاهتمام بالصراعات والأزمات التي تعم المنطقة بدءاً من التحالف المشترك لدحر الإرهاب والتطرف الإسلامي ممثل بداعش وأخواتها، وإبراز الإسلام المعتدل المتسامح لحيز الوجود، وآليات محاربة التدخل الإيراني في الصراعات القائمة، وتحجيم حزب الله اللبناني، ومحاولة طرح منظومة مشتركة عسكرية وأمنية على غرار مبدأ ترومان ومبدأ ايزنهاور في مكافحة الشيوعية تستبدل في محاربة الإرهاب والتطرف، والتهديد الإيراني، وإسقاط النظام السوري، وربما يطلق عليه مبدأ ترامب، ويحتوي كذلك على صفقة متكاملة لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي تبدأ بدفع عملية السلام إلى الأمام أو البدء بها على الأقل لفظياً، وما يمكن أن يطرح هو حل الدولتين حسب الرؤية الأمنية الإسرائيلية وما يضمن أمن واستقرار إسرائيل كهدف استراتيجي أساسي لهذه الإدارة، مقابل الاعتراف بالدولة اليهودية كنقطة انطلاق وتطبيع العلاقات مع إسرائيل اقتصادياً وثقافياً مع دول العالم العربي والإسلامي. إسرائيل تضع الأسس وهي: يهودية الدولة، اسقاط حق العودة، والحدود الآمنة، ودولة فلسطينية معزولة السلاح تقترب من الحكم الذاتي ولكنها بشكل دولة، والإدارة الأمريكية تنفذ ذلك بأدواتها وأساليبها. إن الموقف العربي يجب أن يكون عملياً قائماً على الثوابت في الحق وسياسياً براغمتياً نفعياً لخدمة المصالح العربية. إن استمرار الاحتلال الإسرائيلي يشكل عامل عدم استقرار في المنطقة وأن حل القضية التي طال أمدها وما يزيد عن 69 عاماً لا بد أن يكون عادلاً ومنصفاً استناداً لحق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران لعام 1967، وعاصمتها القدس الشريف وعلى الأقل الشرقية منها. إن الأردن يملك الوصاية الدينية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في الأراضي المحتلة، وهذا موجود نصاً في اتفاقية وادي عربة وباعتقادنا أن الأردن سيدفع بهذا الاتجاه بالحفاظ على القدس الشريف والأماكن المقدسة تحت الراية العربية الإسلامية وموقفه واضح تماماً في حل الدولتين والحفاظ على الحقوق العربية المشروعة. وفي ضوء كل ما تقدم، فإن صراعات وأزمات المنطقة تحتاج إلى رؤى أخرى مثل الجانب الاقتصادي، وتحفيز الاستثمارات وتحسين المستوى المعيشي لسكان المنطقة، وهذا يتطلب جهوداً أمريكية قصوى لدعم الدول التي تعاني اقتصادياً واجتماعياً، فإن منبع ومرتع الإرهاب والتطرف هو الفقر، والبطالة والاستبداد والمعالجات الأمنية وحدها لا تكفي لا بد من النظر بجدية إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المنهكة في المنطقة، ناهيك عن أهمية النظر إلى إعادة الإعمار في الدول التي مزقها ودورها الربيع العربي الذي شاركت به كل القوى العالمية. إن أرادت الإدارة الأمريكية النجاح في مسعاها وتحقيق مبدأ ترامب على أرض الواقع عليها أن لا تفكر بالصفقات لتحسين اقتصادها بقدر ما تدفع بعجلة التنمية والإصلاح في المنطقة العربية، ونتمنى أن لا تتغير اللهجة والأقوال حين تتم الزيارة الثانية لإسرائيل والثالثة للفاتيكان، فإن ما نسمعه في الرياض يجب أن نسمعه في دولة الاحتلال وقادم الأيام ستحكم على الزيارة التاريخية للمنطقة وما سوف يصدر من الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض، والأمل يبقى معقوداً لكن الواقع أصعب. الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2017/05/21 الساعة 10:20