شقم تكتب: في يوم الجيش..
بقلم: نائلة شقم
من السيدات العمانيات... فرزات شقم... زوجة المحسن الكبير ابو درويش (مصطفى حسن شركس) باني جامع الأشرفية..
القابها "ام درويش"، "ام الجيش" وهو اللقب الذي عُرفت به والذي كانت تحب أن تُنادى به...
لماذا سميت بأم الجيش؟ ومن الذي أطلق الاسم عليها وفي أي سنة؟؟
ما كُتب عنها غيض من فيض واليكم سيرتها كاملة...
عن عمتي ام درويش اكتب...
كلما هممت بالكتابة عن عمتي ام درويش (فرزات شقم) زوجة المحسن ابو درويش (مصطفى حسن شركس) باني جامع الأشرفية أتردد، تارة لأنني أخاف ألا أفيها حقها فيما سأكتبه عنها، وتارة اخاف أن تُفسر كتابتي عنها (بشوفة الحال بالأقرباء) وتذكرت بأنني احتفظ بمقابلة اجرتها معها المذيعة والصحفية البارعة هدى ابو نوار في صحيفة الرأي عام ١٩٩٣ قبل وفاتها بعامين، وفيما يلي نص المقابله:
ذكريات ام الجيش
اتصلت بها وحددت لي موعدا ،وصلت بابهافي تمام الساعة من بعد الظهر ...قرعت الجرس ففتحت الباب لي سيدة في غاية الجمال ، جلست معها في غرفة الجلوس ..كانت تسألني عن الأهل والأصدقاء وانا أجيب على أسئلتها ثم أخذتني في جولة في أنحاء بيتها حيث يبدو الذوق والترتيب والنظافة في كل المكان ، وصورها الجميلة التي تملأ الزوايا تنطق بالماضي العريق لهذه السيدة الجميلة
انها السيدة "فريزرات شقم" التي تنحدر من عائله شركسية عريقة، حيث كان والدها من الأغنياء المعروفين في بلاد الشركس، يمتلك ٦٠ حصانا وثلاثة بيوت كبيرة، وتصف طفولتها فتقول: ولدت عام ١٩٠٤، كنت وانا صغيرة مدللة رقيقة الجسم، حفظت القرآن الكريم مثلما كان شائعا في بنات جيلي آنذاك، تعلمت العزف لأنني أحب الموسيقى والفنون وكذلك تعلمت الخياطة .
وتتنهد السيدة فريزرات وتقول تريدين الكتابة عني كسيدة متميزة، انا الآن كبيره ومنسية.. قلت لها لقد قدمت أعمالا خيِّرة لأبناء وطنك.
قالت :انت تذكرينني بأيامي الماضية ،ما أجملها من ايام وما أجمل أبنائي في الجيش العربي الأردني .
وسندت ظهرها شامخة فخورة ،وسرحت بنظرها بعيدا وكأنها تسترد شعاع أيامها الماضيه...
(حدثتني الأستاذة إميلي البشارات عنها قالت: كان اول عهدي بالصديقة الفاضله أم درويش في أواخر الأربعينات عندما كانت تلقب بأم الجيش تجسيدا لحبها واهتمامها وعطائها السخي لأفراد الجيش العربي الذين كانت تلاقيهم في المستشفيات العسكرية كان عطاؤها من مالها الخاص بدعم وتشجيع من زوجها طيب الذكر "ابو درويش " الذي بنى جامع الأشرفية المعروف بإسمه ، وهكذا كانت أم درويش " جمعيه خيريه " بمفردها ...مؤمنة بما تقوم به وتعمل بإرادة قوية وعزم ...لا تهمها الأضواء مما جعل لمسيرتها الخيّرة مثلا يحتذى بالعمل الدؤوب الصامت الذي يتكلم عن فاعله ، وتكمل إميلي بشارات ،فتقول بأنه كانت هناك بين آلِ ابي درويش وآل البشارات علاقة متينة كونهم كأنو يعملون في مجال تعهدات الجيش. )
وعند مراجعتي البوم السيدة فرزات في مركز الوثائق والتوثيق ،وجدت كتابا في ٢٢-٢-١٩٥٣صادر من الأستاذة إميلي البشارات أمينة السر إلى أم درويش ،يعبر عن منحها لقب عضو شرف للسيدة فريزرات وذلك نظرا للمساعدات المعنوية والمادية التي كانت تقدمها للميتم الأردني والذي كان تحت رعاية العمل الكاثوليكي في بداية تأسيسه ، أمّا طريقة اهداء البوم الصور ،فقد كتبت أم درويش تقول :
إلى كل قلب نابض ...إلى كل من يُؤْمِن بأن البذل والعطاء والمحبة لوطننا مهما كان سخيا هو حتما "ليس بالكافي " من منطلق اعتزازي بكوني من هذا البلد الحبيب أرصد بالصور تاريخ أحداث شهدتها وأتركها لاطلاع الجبال المتعاقبة ورعى الله جلالة الحسين وحفظه .
الماماام درويش شركس ،ام الجيش
وأسأل ام درويش عن قصة زواجها ، قالت:
ذات يوم جاء أخي يوسف رمزي شقم والذي كان قائدا في قوات الحدود ،وقال: لقد تقدم لك شخص خبرت اخلاقه ،فوجدت فيه صفات الصهر المناسب لك أودّ ان تقبلي به زوجا .
رفضت وقلت :لن اتزوج أبدا من رجل اسمه ابو درويش ، ثم حصل النصيب وأحببت ابو درويش كثيرا ،ثم اضافت قولي لبنات الْيَوْمَ ..الحب يأتي بعد الزواج ،عندما يعامل الزوج زوجته باحترام ورفق ومحبة ، تقدر الزوجة ذلك وتحبه
وبدأت الشركسيه الجميلة تتذكر، ومسجلي الصغير يدور، وانا صامتة أنظر إليها ،تتذكر ايام عز مرت عندما اجتمع في بيتها وزراء الدفاع العرب وعددهم ثلاثة عشر وزيرا ..واستمرت ضيافتهم ثلاثة ايام ،في بيتها بجانب البرلمان القديم ،والذي كان يعتبر من أجمل بيوت عمان ،بلونه الوردي وبلكوناته الدائريه على النمط الإسباني و التي تطل على مبنى البرلمان
ثم تتذكر ام درويش ، جلالة الملكة زين الشرف في افتتاح كل دورة برلمانية ،حيث كانت تطل هي والأميرات والشريفات من شرفة ام درويش ليشاهدن جلالة الملك الحسين ،وداعبتها قائلة بأن ابنا لها سوف يحضر بعد قليل ،فسألتها اَي ابن وماذا تقصدين ؟ وإذا بجلالة الملك يصل الى مبنى البرلمان ،فتقول هذا هو ابني وابن كل أردنية ثم تعانقتا
وتقول ام درويش ، انا من اللواتي يعرفن الأصول ، هكذا تربيت .
وأسالها عن لذة طعامها وحسن ضيافتها وخدمتها لنفسها،رغم تقدمها في العمر ،فتقول الطعام نفس ،والطريقة فن ،والخبرات واسعة ،هل تعرفين بأنني كنت أقوم بترتيب قاعة البرلمان في افتتاح الدورات البرلمانيه ،وانقل كلما يلزم من اثاث وسجاد،وأحضر الشراب والقهوة ، هكذا كنّا يدا واحدة متضامنه..
وأعود إلى فترة صباها وعملها مع الصليب الأحمر الإنجليزي،فتقول :
كان اخي يوسف يعمل في قوات الحدود ،فكان من الطبيعي أن أختلط بعائلات الضباط الإنجليز مثل ميز روي زوجة الميجر ديفيد كانت ، وميز كريداين التي كانت تعقد اجتماعا للسيدات كل يوم أربعاء من اجل مساعدة أسر الجنود البدو من ناحية الأمومة ورعاية الطفولة والعناية بالنظافة المنزلية ،ومنذ ذلك اشتركت مع الصليب الاحمر الانجليزي بتقديم الخدمات لاسر الجنود.
وسألتها من منحك لقب أم الجيش ؟ ...قالت : منحني اللقب الجنود والضباط امام جلالة الملك عبدالله عام ١٩٤٧ في ذكرى احتفال الكتيبة بعيد المولد النبوي…وأنا فخورة بهذا اللقب
وتتذكر حرب القطمون بالقدس فتقول :
عندما وقعت حرب القطمون سألوا من تذهب مع الصليب الاحمر فذهبت انا والسيدة يسرى طوقان ،وعندما وصلنا علمت أن ابن اخي عصمت رمزي شقم قد جرح هو وسبعة ضباط آخرين من سلاح الهندسة ،فعدت معهم الى عمان وجهزت العنبر الطبي بكل ما يلزم واستبدلت فراش القش بفراش من القطن
وتستطرد ..أتعلمين ان المندوب السامي دعاني الى منزله ثلاث مرات ،كذلك قمت بزيارة البابا في الفاتيكان مع آلِ نزال والذين بنوا فندق فيلادلفيا …لي أعطاني الله المال فأنفقته في سبيله وانا مرتاحة بهذا العطاء
وفجأة يتغير حالها الى الحزن وتحضر صورة لأحد الضباط وتقول انظري هذا اخي الصغير علي شقم الذي سقطت طائرته واستشهد ،كان اخي وابني الذي لم ارزق به ،لقد جهزت من اجل ذكراه غرفة كاملة بمستشفى الهلال في عمان وغرفتين في مستشفى الهلال بالقدس وانا أقدرهم كثيرا فهم يعطون عنواني لكل من يستعمل الغرفة وأتلقى رسائل شكر منهم ،وتقول:
لقد اشتركت في ثمان جمعيات ولكن لم يطل عمر اَي جمعية اكثر من ثلاثة أشهر
وأم درويش ام الجيش تكره الحروب والسياسة وتحب السلم والسلام
لقد تركت السيدة الجميلة ، تركتها مع ذكرياتها ،وأغلقت مسجلي وعدت ابحث عن نساء أخريات متميزات من وطني ...