العرب وإيران.. مراوحة بين القرب الجغرافـي والبعد التاريخي

مدار الساعة ـ نشر في 2021/02/27 الساعة 23:54
راوحت العلاقة بين العرب وإيران بين الهدوء الذي يبطن صخباً، والحروب التي تهدف إلى الهيمنة وفرض السيادة على أراضي دول الجوار (جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى) واستنزاف قدرات دول أخرى عن طريق تسليح ودعم حركات التمرد (تحريض الأكراد شمال العراق). عام 1979 رحل شاه إيران، الإمبراطور محمد رضا بهلوي، بعد أن فشل في الاستمرار بأداء دور شرطي الولايات المتحدة في المنطقة، وبعد أن رأت الدوائر المعنية فيها أن كلفة تثبيته تفوق بكثير الفائدة المرجوة من بقائه. لم يثبت حتى اللحظة أن مجيء الخميني الذي كان يرسل من منفاه في فرنسا خطابات مسجلة على أشرطة كاسيت تدعو الشعب الإيراني للثورة على الشاه، كان بدعم من الولايات المتحدة، مع وجود قناعة غير مؤكدة أيضاً أنها أي الولايات المتحدة لم تعارض الأمر وكانت تراقب تقدم الثورة دون تدخل داعم أو معرقل، وهذا بحد ذاته موقف أقرب إلى الرضا منه الى الرفض. كان أول قرار أفرح العرب بعد وصول آية الله الخميني إلى طهران واختياره ممارسة الحكم من قم، قطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني وجعل مقر سفارة الكيان مقراً لمنظمة التحرير الفلسطينية في طهران. في هذه الفترة كان العالم كله يترقب توجهات النظام الجديد في إيران الذي البس الدولة كلها الشادور وأوكل للعمائم حكم البلاد. لكن الأمر لم يتوقف على لبس الشادور، وإطلاق أيدي آيات الله في الحُكم في البلاد والعِباد، فقد تعداه لتمتد أعين النظام الجديد على أراضي دول الجوار حيث أُسَّست لهذه الغاية وزارة تصدير الثورة، ليبدأ بعد ذلك التحرش بالعراق وشن هجمات على المخافر الحدودية، وأحياناً توغل قوات محدودة في الأراضي العراقية، وبالطبع كانت القوات العراقية ترد على النار بالمِثل وتجبر المعتدين على العودة من حيث أتوا. التقط الداهية هنري كيسنجر الذي كان فعلياً من يدير السياسة الأميركية الخارجية من خلال أهم موقعين كان يشغلهما وهما مستشار الأمن القومي، ووزير الخارجية أواخر ستينيات القرن الماضي وطوال عقد الثمانينيات، فرصة التوتر بين البلدين، فعمل على عدم اضاعتها باستثمار التوتر لاشغال حرب تدمر قدرات دولتين مُدجَّجتين بالسِلاح والمال والعِداء لإسرائيل. نجح كيسنجر في جرّ البلدين إلى حرب امتدت ثماني سنوات قضت على الأخضر واليابس، وأدت إلى إنهاك وتعب الدولتين المتحاربتين. لكن المفاجأة كانت أن عمل البلدان على إعادة بناء قوتهما بأسرع من التوقع ما يعني أن خطر تهديد إسرائيل ما زال قائماً، ولا بُدّ من عمل شيء جديد لإنهائه، فتم استدراج العراق لغزو الكويت تمهيداً لاحتلاله وافقاره عن طريق ادخاله في دوامة من الاقتتال الداخلي والفساد وحروب تصفية الحسابات. الاحتلال الأميركي للعراق كان بالنسبة لإيران فرصة للأخذ بالثأر، وتحقيق هدف الهيمنة الذي لم تستطع تحقيقه بقوتها الذاتية خلال ثماني سنوات من المواجهة المُسلحة مع الجيش العراقي، فعملت في الجسد العراقي نهباً وإضعافاً بكل الوسائل تحت سمع وبصر ورضا قوات الاحتلال الأميركي، التي رأت في الأعمال العِدائية الإيرانية في العراق تنفيذاً مجانياً للأهداف التي جاءت من أجلها إلى هذا البلد. لم يكن يعلم قادة إيران ان دورهم قادم لأنهم جزء من مخطط يستهدفهم بعد العراق، لكنهم وبسبب ما يُعرف عن الشيعة من تكتم وتقية تبطن غير تُظهر، وبسبب الانغلاق على الذات وعدم الانفتاح على العالم نجحوا بإخفاء الكثير من النوايا على مختلف الصُعد سواء البرامج النووية أو التسلح الصاروخي، أو اقامة علاقات سرية مع عديد الحركات في العالم العربي مستغلين العامل المذهبي، وإدعاء مظلومية اتباع المذهب الشيعي من مواطنيها، والأهم من كل ذلك دعم المنظمات التي تقاوم الاحتلال الإسرائيلي بالمال والسلاح، وهذا العامل أوجد بالتأكيد تقديرا? لإيران وإعلاء لشأنها عند جماهير عريضة في العالم العربي، زاد من هذا الاعجاب العِداء الأميركي لها واستهدافها بالحصار وفرض العقوبات وغيرها من أدوات الضغط المعروفة. العرب أو معظمهم نسوا أنهار الدمار التي سالت من أجساد أبنائهم نتيجة الحرب مع إيران، وقرروا أن الدعم الإيراني للمقاومة في فلسطين ولبنان وسوريا، يجب ان يقابل بالوقوف إلى جانب إيران ضد الاستهداف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة لمصلحة إسرائيل، وتغاضوا عن حقيقة أن إيران لم تشتبك مع الولايات المتحدة أو إسرائيل بشكل مباشر إلا بالكلام. أمَّا العرب الذين يراقبون الصعود الإيراني بحذر أقرب إلى القلق، فقد كانت مواقف حكامهم متشابهة، ومواقف شعوبهم متشابهة أيضاً لكن بالاتجاه المعاكس لمواقف الحُكام. بالمقابل خان الذكاء حُكام إيران، فبدلاً من أن يطمئنوا الدول العربية أن لا أطماع لهم في أراضيها، أو رغبة بالتدخل في شؤونها استمروا باطلاق التصريحات المُعادية لهذه الدول وحكامها محرضين الشعوب عبر وسائل الإعلام اقاموها في غير دولة عربية كمنابر للتحريض والحرب الإعلامية. الأفعال العدوانية الإيرانية بحق العرب هي التي دفعتهم لقبول عروض الحماية من الغرب وتحمل كلفها الباهظة لكنه مسار اجبرتهم إيران على سلوكه وهي التي حالت دون الاقتراب منها وهي خطايا لا يمكن الدفاع عنها، وأكبرها اصرار إيران على فرض وصايتها على الشيعة في أية دولة في العالم، ومنح نفسها حق التدخل لحماية أتباع هذا المذهب بغض النظر عن أعراقهم أو الجنسية التي يحملونها أبا عن جد، وهذه قضية ما زالت إيران غير قادرة على التخلي عنها، وهي حالة فريدة ومرفوضة، لأنها تفتح الباب ان شُرِعَتْ لتدخل كل الدول ببعضها بعضاً، وبخاصة ا?قوية بحجة الدفاع عن مصالح أتباع الديانة التي تنتمي إليها الدول المتدخلة فيقع العالم مرة ثانية وبخاصة العرب تحت سيطرة القوى الاستعمارية الكبرى. إيران يمكنها أن تجعل من العالم العربي عمقاً يسندها اقتصادياً وبشرياً لو نظرت إلى فوائد التعاون والتعامل بحسن نيّة مع المحيط العربي لما في هذا المحيط من ثروات وامكانات، فالعرب الآن ومع بقاء حالة الريبة بين بعض دولهم وإيران، يقفون معها ولو ضمنياً في حقها بامتلاك كل أسباب القوة بما فيها قوة الردع النووي، لأنهم يعرفون انهم غير مقصودين بهذا الردع، بل المقصود عدوهم الإسرائيلي وهم بالتأكيد يفرحون بامتلاك أية دولة لهذا النوع من السلاح إذا كان موجها ضد عدوهم الذي يتفرد بامتلاك السلاح النووي بدعم كامل من الغرب المنح?ز لعدوهم. والعرب يرون في إيران جاراً أزلياً وليس دخيلاً طارئاً لكنهم يتمنون على إيران أن تلتزم بآدب الجوار وتقاليده، وهم بالنهاية إذ يذكرون لإيران دعمها للمقاومة ضد العدو الصهيوني، يرغبون أن لا يتذكروا تدخلاتها في شؤون بعض دولهم، ويتمنون أن توقف إيران هذه التدخلات حتى ينسوها كما نسوا ما هو أهم منها. الكرة في يد إيران، والملعب على أرضها وأرض العرب، فهل تعلن بوضوح عن بدء اللعب النظيف؟. الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2021/02/27 الساعة 23:54