الباشا العمد يكتب: مضامين رسالة الملك لمدير المخابرات

مدار الساعة ـ نشر في 2021/02/21 الساعة 15:16

بقلم: لواء متقاعد / مروان العمد

هذه المقالة هي مضمون اللقاء الذي تم معي ليلة الامس في الاذاعة الاردنية / برنامج مساء الخير مع الاعلامي المميز الدكتور عبد الرحمن وهدان

قام جلالة الملك المعظم وبتاريخ السابع عشر من شهر شباط الحالي بتوجيه كتاب لعطوفة مدير دائرة المخابرات العامة والذي جاء متزامناً مع الاحتفال بيوم المتقاعدين العسكريين والذي وبتوجيهات ملكية يتم الاحتفال به في اليوم الخامس عشر من شهر شباط من كل عام وفاء لهم وتقديرا لعطائهم وتضحياتهم في الدفاع عن الوطن وعن ترابه . ومتزامناً مع احتفالات المملكة بانتهاء المؤية الاولى من عمرها وبداية المؤية الثانية ليكون هذا الكتاب خارطة طريق اصلاحية لولوج المؤية الثانية وليكون بالاضافة للاوراق النقاشية الملكية نبراساً لكل المسؤولين للسير على هدية.

ولا تقل اهمية هذه الخطوة عن اعلان عودة الحياة الديمقراطية الى الاردن عام 1989 والتي اطلقها جلالة الملك الباني الحسين بن طلال طيب الله ثراه ومتممة لها. وقد تضمن هذا الكتاب خطة عمل مستقبلية لدائرة المخابرات العامة تجعلها تتفرغ لعملها الاساسي كجهاز استخباري على مستوى عالٍ من الاحترافية والتخصص وان تتحمل كل مؤسسات الدولة مسؤلياتها ولتقوم بالاعمال المنوطة بها وبما منحتها لها نصوص الدستور والقوانين والتشريعات والانظمة من صلاحيات.

وفور الاعلان عن فحوى هذا الكتاب اخذ الكثيرون في قراءة وتحليل محتوياته وفِي تفسير سبب توجيهه لعطوفة مدير المخابرات. وقد ذهب البعض بعيدا في تحليلهم لهذا الكتاب وللقول انه جاء لتحجيم عمل دائرة المخابرات وحصره في العمل الاستخباري الخارجي ومنعها من التدخل في اية امور اخرى داخلية والقول انه انعكاس لعدم رضا جلالته عن اداء دائرة المخابرات. ومنهم من قال ان هذا الامر نتيجة تنازع الصلاحيات بين بعض الاجهزة السيادية في الاردن وبهدف الفصل بينها لازالة اسباب هذا الصراع. ومنهم من ذهب الى ابعد من ذلك بكثير وبما يخدم وجهة نظره ومواقفه الخاصة المغرضة.

ولتوضيح الحقيقة سوف استعرض بعض مضامين هذا الكتاب وبيان غاياته ولمن هو موجه بصفة اساسية مع ان الكتاب واضح وناطق بما فيه.

أولاً / لقد استهل جلالته رسالته بقوله ( تحية اعتزاز الى رفاق السلاح من منتسبي دائرة المخابرات العامة - فرسان الحق و فارساته عاملين ومتقاعدين الذين نذروا حياتهم لخدمة وطننا الغالي بكل إخلاص وكفاءة وتميز وإيثار وتضحية والتزام إلى جانب إخوانهم وأخواتهم من ضباط ومرتبات ومتقاعدي جيشنا العربي الباسل ونشامى الامن العام ). ولا يمكن ان يوجه جلالته هذ الكلمات لو كانت الدائرة او العاملون بها قد تجاوزوا صلاحياتهم وخرجوا على النهج. ولم يكتف جلالته بذلك فقد تابع قوله (وأن أؤكد أن اعتزازي برفاق للسلاح هؤلاء لا يدانيه اعتزاز. وان ثقتي والاردنيين جميعاً بهم هي ثقة راسخة وقد استحقوها عن جدارة نظير ما قدموه وما زالوا يقدمون من عمل دؤوب في الذود عن أمن أردننا الغالي وشعبنا الوفي الذي يشاركني التقدير والمحبة للساهرين والساهرات على امن الوطن ومنجزاته وصون كرامة المواطن وحقوقه في ظل سيادة القانون وتحقيق العدالة والمساواة للجميع) . ولم يكتف جلالته بذلك بل كرر في رسالته ثقته المطلقة بجميع العاملين ومتقاعدي الدائرة عدة مرات وهذ يعني ان ثقته تمتد بهذه الدائرة وما تقوم به منذ تأسيسها ولهذا اليوم.

ثانياً / من حق جلالة الملك ومن صلاحياته ان يقوم بتوجيه وتطوير عمل الدائرة لما فيه مصلحة الوطن . وقد خاطب جلالته عطوفة المدير بقوله ( لقد تحقق قدر كبير من الانجاز على مسار عملية التجديد والتحديث والتطوير المستمر التي كلفتك بها عندما عهدت إليك بإدارة المخابرات العامة تجسيداً لحرصنا على ان يظل هذا الجهاز العريق وصاحب الإنجازات التي نفاخر بها عنواناً للمهنية والانظباط والكفاءة والشفافية والنزاهة بأذن الله . وهذا يدعونا إلى الاستمرار في عملية التطوير والتحديث هذه لكي تظل المخابرات العامة في طليعة الأجهزة الاستخبارية قدرة وكفاءةً وتميزاً كما كانت دائماً . وانني على تقة كاملة بأنك لن تألو جهداً في تحقيق هذا الهدف والاهداف التي وجهتك لتحقيقها عندما توليت موقعك قبل نحو عامين ولاسيما ان بلدنا يتقدم بخطى ثابتة وواثقة إلي المؤية الثانية التي تستدعي العمل المخلص لتحقيق الرفاة والتنمية والحياة الافضل لمواطنينا وترسيخ قيم المواطنة المنتجة والاستحقاق على اساس الكفائة والقدرة وسيادة القانون على جميع الافراد والمؤسسات وفقاً لمرتكزات دستورنا العظيم والتحديد الدقيق للاختصاصات التي وضعها للسلطات الدستورية والتشريعية والتنفيذية والقضائية).

وعندما يقول جلالة الملك ذلك لمدير المخابرات ويعهد اليه بتنفيذ ذلك فأن هذا يدل على مدى ثقته بعطوفة المدير والعاملين بالدائرة وان هذه الثقة مستمرة ومتجددة .

ثالثاً / ثم تحدث جلالته عن الظروف والمخاطر التى مر بها الاردن عندما قال (لقد تعرض الاردن الغالي خلال المؤية الاولى إلى مخاطر جمة ولم تكن بعض مؤسساتنا صاحبة الاختصاص الاصيل تمتلك الوسائل والادوات ولا الامكانيات التي تمكنها من التعامل مع بعض هذه المخاطر مثل الحروب والهجرات القصرية باتجاه وطننا والارهاب والجرائم المنظمة والعابرة للحدود) وقال (لقد اجتهدت دائرة المخابرات العامة مشكورة ومقدرة في التصدي لملء الفراغ الخطير الناشئ عن عدم امتلاك بعض المؤسسات صاحبة الاختصاص الاصيل للقدرة على النهوض بمسؤولياتها واختصاصاتها وبخاصة في المجالات الاقتصادية والاستثمارية والرقابية خلال تلك الحقبة وجزى الله دائرة المخابرات العامة ومنتسبيها من عاملين ومتقاعدين عن بلدنا كل الخير لتوليهم مهمة ومشقة سد الفجوات في هذا الصدد رغم أنها خارج دائرة الاختصاص الموضوعي لها المتمثل في الاسهام في تعزيز الامن الوطني عبر العمل الاستخباري المحترف المستهدف لمصادر الخطر على بلدنا الحبيب داخلياً وخارجياً والعمل الاستخباري الهادف الى مد الدولة بالمعلومات والتقيمات الشاملة التي تمكنها من تعزيز امننا القومي في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية)

ومن هذا نجد وعلى لسان جلالة الملك المعظم ان الدور الذي كانت تقوم به دائرة المخابرات لم يكن تعدياً على صلاحيات الآخرين وليس تغولاً عليهم وانما هي انبرت مشكورة لملء الفراغ الذي تركته الكثير من المؤسسات ذات الاختصاص والتي لم تكن تملك امكانية القيام بواجباتها او انها تخلت عن ذلك . وانها بذلك قد انقذت الوطن من مخاطر جمة مع ان عملها الاساسي هو عمل استخباراتي امني . ومع ذلك فقد نجحت الدائرة بالقيام بجميع هذه المهام الاضافية مما جعلها تستحق شكر جلالة الملك وتقديره ، وبنفس للوقت فأنها نجحت نجاحاً كبيراً في القيام بواجباتها الاصلية وكانت ولا زالت من انجح واقوى الاجهزة الاستخباراتية في العالم بشهادة الاعداء قبل الاصدقاء . ونجحت في حماية البلد من الكثير من العمليات الارهابية وكان لها دوراً مشهوداً في محاربة الارهاب في المنطقة والعالم مما كان يتطلب منها المزيد من العمل والجهد وايصال الليل بالنهار . علماً ان بعض الانشطة الاقتصادية والاستثمارية التي كانت تقوم بها الدائرة نتيجة هذه الظروف كانت خارج الجسم الاستخباري ولا علاقة بينهما الا من النواحي الادارية ومن خلال عطوفة المساعد للادارة.

رابعاً / قال جلالته في رسالته (اننا وبعد ان دخلنا المؤية الثانية من عمر المملكة، وبعد ان تم انجاز الكثير من اسباب التمكين لمؤسساتنا صاحبة الاختصاص التشريعي الاصيل وخاصة في القضايا المرتبطة بالتثبت من سلامة الاستثمار وسلاسته وشرعية مصادر التمويل وبعد ان تم استكمال بناء مؤسسات ترسخ النزاهة وتحارب الفساد وانجزنا عملية تطوير مؤسسات الرقابة المنصوص عليها في الدستور مثل ديوان المحاسبة وتطوير منظومتنا القضائية فإنه اصبح يتعين على هذه المؤسسات والجهات أن تتصدى لاختصاصاتها الدستورية والتشريعية الاصيلة لتتحرر دائرة المخابرات العامة من العبء الكبير الذي نهضت به مشكورة ومدفوعة بالحرص العميق على بلدنا الغالي ولسد الثغرات التي كانت موجودة ، ولكي تتفرغ بعد ذلك للعمل الاستخباري المحترف بمفهومه العصري الشامل في مجال مكافحة الارهاب والتصدي للمخاطر الامنية التي تستهدف بلدنا ولتقدم افضل التقيمات الاستخباراتية في المجالات الامنية والسياسية والاقتصادية بعيداً عن الدور الرقابي والتنظيمي الذي فرضته الظروف عليها نتيجة وجود بعض جهات الاختصاص التي لم تكن تمتلك وسائل وادوات ممارسة اختصاصاتها التنظيمية والرقابية واصبحت اليوم تمتلكها ويتعين عليها ان تباشرها وتتولاها بالكامل ودون ابطاء).

ومن هذا نجد ان الخطاب الاساسي في هذه الرسالة موجه لبعض جهات الاختصاص والتي لم تكن تقوم بواجباتها على النحو السليم لعدم امتلاكها في السابق وسائل التمكين والتي اصبحت الآن تملك امكانية ممارسة صلاحياتها لتقوم بذلك دون تقصير او تأخير ودون الاختباء تحت عبائة المخابرات او عبائة تعليمات من فوق . وذلك حتى نسير في الاردن مع بداية المؤية الثانية الى الامام وان يقوم الجميع بواجباتهم وفِي مجال اختصاصهم و لنصبح دولة مؤسسات ودولة قانون وتشريعات وصلاحيات، و لتتفرغ دائرة المخابرات لمجال عملها لحماية الامن الاردني الخارجي والداخلي وخاصة مع زيادة المخاطر الامنية والارهابية

خامساً / وعاد جلالته للتأكيد على ضرورة ان تعمل الدائرة على تطوير نفسها لكي تتماشى مع عمليات التطوير التي جرت في القوات المسلحة الاردنية والاجهزة الامنية لكي تتمكن من القيام بالواجبات الموكولة اليها حيث قال مخاطباً عطوفة مديرها ( انني على ثقة بأنك لن تتدخر جهداً في الاستمرار بوتيرة اسرع وخطى ثابتة في انجاز عملية تطوير وتحديث دائرة المخابرات لتظل مؤسسة يشار اليها بالبنان كعنوان للكفاءة والاقتدار والتميز ومواكبة العصر ومتطلباته وتطور انماط العمل الاستخباري وذلك ضمن الاطار التطويري و التحديثي الشامل الذي أنجز ، وما يزال ينجز في قواتنا المسلحة الباسلة والاصلاح الشامل الذي انتج مديرية الامن العام لتستوعب الامن العام ، والدرك والدفاع المدني في إطار مؤسسي واحد ، وبأنك ستعمل على ان تركز جهودها في مجالات اختصاصها المهمة والحيوية لأمننا الوطني وستلقى مني كل الدعم والمؤازرة).

وجلالة الملك المعظم في هذا الجزء من الرسالة يرسم ملامح الدور الذي يجب ان تقوم به دائرة المخابرات بالمستقبل لكي تواكب التطورات التي حصلت في القوات المسلحة والامن العام.

سادساً / وفِي النهاية قال جلالته في رسالته (وإنني اذا أحي من خلالك جميع منتسبي دائرة المخابرات العامة وانتم محل ثقتي الكبيرة وموضع التقدير من قبل بنات وأبناء شعبنا الغالي ، انتم ورفاقنا في السلاح من منتسبي جيشنا العربي الباسل ومديرية الامن العام لأسأل المولى عز وجل ان يوفقكم في خدمة الاردن العزيز حتى يظل كما كان على الدوام ، حمى منيعاً وآمناً يليق بشعبنا الاصيل).

ومن كل هذا نجد ان رسالة جلالة الملك هي موجهة لجميع المسؤولين الاردنيين في جميع مواقعهم للقيام بواجباتهم بعد ان توفرت لهم امكانية القيام بذلك وليكون ذلك فاتحة خير في مؤية الاردن الثانية . وانه ليس هدف الرسالة تحجيم دائرة المخابرات او انعكاساً على عدم رضا جلالته عنها وعن ما تقوم به او العاملين فيها ، بل هو دعم لها الى ابعد الحدود لتمارس العمل الذي اسست للقيام به ، ودعوة لتطويرها كما جرى تطوير القوات المسلحة الاردنية واجهزة الامن العام . وسيبقى للدائرة دورها في الاشراف والمراقبة على حسن اداء العمل وجمع المعلومات ووضعها امام الجهات المختصة من غير ان تتدخل هي مباشرة في الاعمال . وسيبقى لها دورها الاستخباراتي في حفظ الامن الداخلي مثل الخارجي والذي قد يتشابك في بعض الاحيان مع عمل المؤسسات الاخرى حيث ان الاخطار المحدقة بنا والتي تهددنا ليست محصورة بالاعمال التخريبية والمسلحة ولكن من الممكن ان تتسلل الينا من خلال الاعمال الاقتصادية او الاستثمارية او من خلال مؤسسات المجتمع المدني او من خلال الغزو الفكري والثقافي والديني وهذه الامور تبقى دائرة المخابرات اقدر على متابعتها ومنع تسللها الى مؤسسات الوطن وكياناته ولكن على ان يكون ذلك باسلوب جديد لا يخل باستقلال هذه المؤسسات ولكنه ايضاً لا يخل بالامن الداخلي . ولتكون هذه الرسالة فاتحة نهج جديد في الادارة التشاركية لجميع دوائر ومؤسسات الوطن واجهزته وبحيث يقوم كل منها بواجباته المناطة به من غير تدخل او استقواء جهة على اخرى ولكن بعمل تكاملي يمهد الطريق لاستكمال اصدار القوانين والتشريعات التي تمكن الاردن لأن يصبح في طليعة الدول الديمقراطية.

و لا يمكن فصل مضامين هذا الرسالة عن الاشارات التي اشار اليها جلالة الملك المعظم في حديثه مع وكالة الانباء الاردنية بتاريخ 30 / 1 / 2021 واقتططف منها قوله رداً على سؤال فيما اذا تحقق الاصلاح الاداري الذي كان جلالته قد تحدث عن اهميته حيث قال ( بصراحة ليس بعد ، تم انجار خطوات عده ولكن بقي الكثير ، لذا وجهت الحكومة الى وضع برنامج لتحقيق انجازات عملية وملموسة لتطوير وتحسين فعالية جهازنا الاداري وتكريس معايير واضحة للتقيم الاداري والاداء تحفز الابداع والعمل الجاد ولا تسمح بالتكاسل لقلة لا تؤدي دورها او تعيق التقدم . ويجب وضع برامج تدريب مستمرة تنمي الكفاءات ومواكبتها للتطورات . ويجب تنقية جهازنا الاداري مما علق به من شوائب مثل الواسطة التي هي ظلم وفساد . ويجب توفير الأتمتة والخدمات الالكترونية لحقيق الفعالية في الاداء . ولابد من تعزيز الادوات الرقابية في مؤسسات الدولة لضمان آداء فاعل وشفاف يخدم التشريعات والسير نحو الاهداف . وان على كل مؤسساتنا ان تبدأ اليوم وقبل الغد بوضع برامج لتحسين آليات توفير الخدمة للمواطنين والعدالة في ايصالها لتحقيق خدمة هذه الاهداف.

كما قال جلالته في نفس اللقاء بأنه لابد من النظر في القوانين الناظمة للحياة السياسية كقانون الانتخاب وقانون الإدارة المحلية والسعي المستمر لمواصلة مسيرة التنمية السياسية للوصول الى حياة حزبية برامجية راسخة تمثل فكر الاردنيين وانتماءاتهم وتحمل همومهم وقضاياهم الوطنية الجامعة وتعمل على تحقيق مطالبهم عبر إيصال صوتها وممثليها الى قبة البرلمان. كما دعا جلالته الحكومة والنواب الى تعزيز عمل مجلس النواب لاستعادة ثقة الشعب بالمؤسسات وتكريس منهج التعاون بين السلطتين.

وبهذا نخلص الى القول ان مضامين رسالة جلالة الملك لعطوفة مدير المخابرات العامة هي حلقة في سلسلة من الاصلاحات الشاملة التي يسعى جلالته ان ندخل الى المؤية الثانية ونحن متسلحون بها

مدار الساعة ـ نشر في 2021/02/21 الساعة 15:16