حتى لا تكون المئوية الثانية عاماً مُكرراً مئة مرة

مدار الساعة ـ نشر في 2021/02/21 الساعة 09:27

لفتني مستوى الوعي وطريقة التفكير الخلاّق والمتفتح لدى مجموعة من الشباب الذين استضافتهم شاشة تلفزيون المملكة الأسبوع الفائت عبر برنامج جلسة علنية.

الحوار كان عن مستقبل الأردن بالمئوية الثانية، كيف ينظر الشباب للمرحلة المقبلة وما هي تطلعاتهم ورأيهم في ما يجب أن يكون عليه نمط الحياة في المستقبل.

بالطبع لم يخلُ الحديث عن ضرورة مراجعة المسيرة لتصحيح الأخطاء وتعظيم الايجابيات وتطويرها وتوظيف أدوات الحاضر المتغيرة دائماً لرسم شكل المستقبل في المئة سنة القادمة.

وأنا استمع لآراء الشباب الذين استضافهم الزميل مقدم البرنامج شعرت بالفخر والواجب في آن معاً، فقد بعث وعي هؤلاء الشباب في نفسي الأمل بالتغيير، كما دفعني وعيهم لمطالبة أجهزة الدولة بالاعتراف بأن الزمن لهم مما يفرض على الجميع تسليم الراية طوعاً واقتناعاً بقدرة الجيل الشاب على قيادة سفينة الوطن بمهارة فرضتها أدوات التطور الزمني السريعة التي لم تكن موجودة في الحقبة الماضية.

جيل القرن العشرين «كفوا ووفوا»، وآن لهم أن يرتاحوا ولم يعد مطلوباً منهم سوى تقديم المشورة والحكمة عند الحاجة.

أولويات الجيل الجديد الذي جاء إلى الحياة أواخر القرن الماضي واوائل القرن الحادي والعشرين تختلف عن أولويات اولئك الذين ابتلينا بهم خلال العقدين الماضيين، الذين انحصرت اولوياتهم بتعبئة جيوبهم بأسرع وقت ممكن عن طريق بيع ممتلكات الدولة وأصولها الشباب الذين اتحدث عنهم هم الذين اكتووا بنار الفساد الذي أغرق الوطن بالديون، الشباب الذين اعنيهم ابناء الحياة الذين يتطلعون للمستقبل برجاء التخلص من معيقات التقدم، لديهم اجندة وطنية تختلف عن اجندة الذين باعوا واشتروا خلال العشرين سنة الماضية وتتعارض مع المتشبثين بقوانين الجاهلية المنغلقة التي يخشى اصحابها الانفتاح على العالم حتى لا يفقدوا مكاسبهم، الخائفون من اجتياح التكنولوجيا الذي سينهي اقصاءهم للآخر واحتكارهم لكل شيء.

إن جيل الشباب النظيف هو الذي سينقل الدولة الى فضاءات الاتصال مع العالم والاستفادة من حوار الحضارات، وذلك بالعلم وامتلاك المعرفة ومهارة استخدام مخرجات التكنولوجيا الحديثة، والتعامل مع تأثيراتها على مختلف طرائق الحياة، التي تقود بالضرورة نحو التقدم والرفعة.

الحرية وحقوق الانسان والمساواة كانت مبادئ مطبقة بأمانة والتزام من قبل جيل المؤسسين، لكن احكام وظروف زمان التأسيس كانت تفرض التغاضي عن بعض التفاصيل بالنظر الى الحاجات الاكثر إلحاحاً، لكن اختلافاً وتغيراً في الأهميات طرأ مع مرور الزمن وتقدم المجتمعات، فصار حق حرية الرأي والتعبير حقاً أصيلاً لكل الناس لا يمكن التخلي عنه تماماً مثل حق التعليم والاستشفاء، كما صارت محاسبة المسؤول متاحة ومباحة لا يجوز منعها أو استهجانها.. تلك هي الحياة في حالة تطور دائمة ومن لا يعجبه التطور يقذفه التيار خارج المضمار.

لقد لخَّص القول المأثور مسألة تعاقب الأجيال بقوله: «علموا أولادكم غير ما تعلمتم، فقد خلقوا لزمان غير زمانكم». تحمل هذه الوصية من فقيه الأُمَّة فهماً عميقاً لأهمية اخضاع الحياة لاحكام الأزمان وقوانينها وضرورة تداول السلطة بين الأجيال لضمان ديمومة التجدد والتطور.

إن عملية صناعة مستقبل الدولة في المئوية القادمة يجب أن يتولاها الشباب بقبول تام من الجيل الأكبر سناً، وبدعم مطلق من الجميع، إن أردنا أن لا تكون المئوية القادمة عبارة عن عام واحد مُكرَّر مئة مرَّة.

وهذا يتطلب بالضرورة اكثر من مجرد عملية تجميل للبرامج وتغيير لبعض القوانين، فهذا الاسلوب ينطوي على تضليل ومراوغة بهدف الالتفاف على الحقائق.

المطلوب اطلاق حوار تشارك فيه كل قوى المجتمع وفي مقدمتهم الشباب لوضع خطة توزع فيها المهام والمسؤوليات على الجميع لنخرج من عادة الطبطبة على المقصرين، وتكرار مبدأ عفا الله عما مضى وفتح صفحات جديدة المرة تلو المرة إلى ما لا نهاية.

الرأي

مدار الساعة ـ نشر في 2021/02/21 الساعة 09:27