وادي زرقاء ماعين.. منتجع الاودية العملاقة (صور)
مدار الساعة - كتب : أ.د. أحمد ملاعبة.. والإعلامي أسعد العزّوني
من الجنوب الغربي لمدينة مادبا وبلدة ماعين، تنساب أودية كثيرة مميزة متشعبة تقابلها أودية أخرى، قادمة من شمال بلدتي مليح ولبّ، لتشكل شبكة من الأودية تلتقي في ملتقاها الأول عند منطقة سد زرقاء ماعين، الذي أنشئ في الجزء العلوي من الوادي.
ورغم أن مكان السد مميز إلا أنه لم يستطع تجميع المياه القادمة من الأعالي، التي يكون بعضها مصادر الينابيع والعيون، والبعض الآخر من الأمطار الفيضية وخصوصا في موسم الشتاء، لذلك بقيت الكثير من الأودية المتفرعة خارجة عن سيطرة السد، وإجمالي عدد فروعه وروافده تزيد على الأربعين كيلو متراً متشعبة من عدد من القرى والأراضي منها: حريثين، ام رصيصة الدير، الزارة، جبل بني حميدة، تيم، المريغات، لقطان، ماعين، وغيرها ليصب في نهايته بالبحر الميت. ما يزيد عن خمس وخمسين عين ماء ما بين العذب البارد والحار المعدني بدرجات حرارة متفاوتة تصل في بعضها إلى ستين درجة مئوية، وبتنوع نباتي وجيولوجي يبدأ من إرتفاع إلى مايزيد عن 800 فوق سطح البحر للجبال المحيطة به وينتهي عند البحر الميت عند منسوب سالب 428 متر تحت سطح البحر.
ويشكل أسفل نبع ماعين الذي يشكل شلالات ماعين. مع المياه المنسابة من السد بعد نحو 3 كم،ومن الجدير ذكره أنه تم تصميمه كسد إسمنتي، لا تتجاوز سعته التخزينية ال ٣ مليون متر مكعب،رغم أن الحوض التجميعي للسد تبلغ مساحته نحو 86 مليون متر مكعب،ويمكن تصريف مياه السد من خلال أنبوب قطره مترا واحدا.
يمكن تقسيم الوادي إلى ثلاث مناطق رئيسية هي:منطقة حوض السد وهي المنطقة العلوية،ومنطقة حوض الصبّاب وهي السفلية ،ويمكن إفراد منطقة الشلالات وحمامات ماعين وإجمالي مساحة هذه الأحواض على امتداد 32 كيلو مترا،وهي تمثل طول الوادي من بدايته إلى أن يصل إلى شواطيء البحر الميت،بمساحة إجمالية تعادل حسب حسب الإحصائيات المنشورة بوزارة المياه والري 272 كيلو مترا مربعا،تنقسم إلى 182 كيلومترا مربعا في الحوض العلوي لمنطقة السد ،و90كم2 في الحوض السفلي أو حوض الشلالات،ويوجد على جنبات هذا الوادي : حقل ماعين البركاني:وهو حقل يتميز بوجود سبعة انفجارات بركانية تظهر على هيئة قمم أو جبال بركانية وتبدأ ببركان عطروز ،ويمثل في التراث المحلي قصة تميل إلى الخرافة أكثر من الواقع ،إذ يعتقد أنه مرقد للجن ،وقد وجدت حضارات وكهوف في هذا البركان تعود العصر الحجري الحديث،ولعل أكبر هذه البراكين حجما هو بركان مكاور ،وهو جبل بركاني يبعد عن جبل مكاور الشائع الصيت نحو 7 كم بشكل أفقي، ويستخدم بركان مكاور حاليا من قبل شركات الإسمنت لكون خاماته مفيدة في تصحيح نسب الحديد في المنتج الإسمنتي.
كلما انحدرت غربا في هذا الحقل تظهر لك براكين أخرى مثل مغاور القرب"وتلفظ بالعامية مغاور الجرب"،لكثرة المغر الموجودة في كتلة البركان،بعضها حفرت بفعل النشاط البشري كمأوى أو سكن ،وكما قال سبحانه في محكم كتابه العزيز"{وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَال بُيُوتًا آمِنِينَ }. ووردت أيضا بمارحين ،وفي رواية أخرى فارهين، والأخرى كهوف أصغر حجما حفرتها الطرائد والمفترسات وخاصة الضباع التي كانت تختبيء نهارا بداخلها.
هنالك براكين أخرى وهي القلب الواقع في منتصف القلب،ومن هنا جاءت تسميتها بالقلب ، وبركان البدنية ذو الشكل المدبب وبركان آخر يجلس وحيدا وكأنه يراقب البراكين الأخرى وسمي بالميّادة لأنه يميد كما تميد الفتاة بخصرها،ولقد أجريت على هذا الحقل البركاني دراسة مميزة قامت بها المهندسة م.إنعام البطاينة وعنوانها"تقييم هندسي ومعدني وجيوكيميائي لبركان مكاور لأغراض صناعة الاسمنت"، وتحت هذه البراكين كانت اللافا البازلتية قد إنسابت في منتصف الوادي ،وبسماكة عالية حتى أغرقته بالصهارة الماغماتية،وأغلقت منافذه ،ولكن كما أسلفنا في الودية السابقة أن قوة المياه أزالت الصخر البازلتي الذي تصلب في مجرى الوادي ،ولم يبق منه سوى البازلت الموجود على الجنبات.
يذكر أن البازلت إنساب على فالق يشكل مصدر قلق وإزعاج ليس للوادي فقط بل لكل الأردن وهو فالق زرقاء ماعين ،ولعل روعة وميزة الوادي تكمن في وجود شلالات مائية ساخنة نادرة على مستوى العالم وهي شلالات ماعين،التي تعد نتاج ينابيع غزيرة توجد على بعد عشرات المتار من الشلالات إذ يتدفق الماء من هذه الينابيع بدرجة حرارة عالية ،تزيد عن 60 مئوية،وسجلت رقما قياسيا في بعض المواسم وبلغت 82 درجة مئوية.
لقد أثارت هذه الشلالات إنتباه كافة الحضارات ،فإستخدمتها لأغراض علاجية كثيرة ،وتم ترميم هذه الينابيع ،إذ قام الرومان بحفر نفق لزيادة إنسيابها حيث تنساب كالنهر قبل تفرعها إلى ثلاثة شلالات وهي :الشلال الكبير الذي إعتاد الإعلام على تسويق الشلالات من خلاله،وهنالك شلال آخر يسبق الشلال الكبير الذي خصص لإستخدامات الرجال ،ويتواجد الشلال الثالث قبل شلال الرجال ،وعلى يمين الطريق التي أنشئت للوصول إلى الوادي،وتم إنشاء فندق عصري مقابل الشلال الكبير ،ولكن كلفة النزول والمبيت فيه عالية لا تتناسب ودخل المواطن الأردني،وعلى كتف الوادي المقابل للفندق أنشئت البرك العلوية التي كان يزورها الملك عبد الله المؤسس.
ولعله من المناسب ذكره أن الأهالي قديما قبل إنشاء الفندق أو البرك كانوا يقصدون الوادي ويمكثون فيه عدة أيام من خلال الخيام التي كان يوفرها لهم السكان المحليون بأجرة رمزية،وكانت هذه النقطة المميزة من الوادي مكتظة بشكل كبير في سبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم.
إن كثرة المساحات المستوية والتي تكسوها التربة الغنية شجعت المواطنين على زراعة مزروعات كثيرة أهمها الزيتون والعنب والزراعات التقليدية الأخرى كالخضروات،إضافة إلى المزروعات الناتجة عن التعاقب الطبيعي مثل أشجار الطرفة والنبق ،وشجيرات الرتام والشيح والقيصوم والحرمل.
إن جماليات الوادي أغرت الجميع بزيارة الوادي وخصوصا السبعة كيلومترات ما بعد الشلالات بسبب تدفق المياه الساخنة العلاجية ،هربا من تكلفة الدخول ،ولكنها مغامرة خطرة حيث الحفر العميقة والبرك غير المحمية وخصوصا بركة الشلالين التي يصل عمقها عن المتر والنصف ولكن المشكلة أن في وقعها رسوبيات كلسية وطمي ولقد حدثت فيها في الآونة الأخيرة حوادث غرق مات فيها ٧ اشخاص ،ولذلك لا بد من توجيه رسالة واضحة وهي انه بدلا من تجميع المياه في العبارة الصندوقية على مدخل الوادي، وبيعها للفنادق المشاطئة للبحر الميت بأسعار خيالية،أن يتم تأهيل هذا الجزء من الوادي بإنشاء منجعات تناسب دخل المواطن الأردني، ليتمكن من الإستجمام والتشافي في هذه المياه العلاجية،وهو مشروع غير مكلف بتاتا ،ولكنه يمكن أن يمثل علاقة تكاملية بين سحر الطبيعة في الوادي وإحتياجات المواطن ،وأيضا في حال تعذر ذلك يمكن نقل المياه بعد الشلال بأنابيب معزولة لا تبرد ،وعمل برك بين مدخل الوادي وشواطئ البحر الميت لتشجيع السياحة العلاجية الداخلية والخارجية،وإنشاء مجمع علاجي عالمي،بحيث تكون الفائدة مزدوجة من المياه الساخنة وما يجاورها من مياه البحر الميت المالحة،ولتسويق منطقة الشلالات عالميا قام البروفيسور أحمد ملاعبة بتسجيل برنامج علمي ووثائقي مع الفضائية اليابانية"NHK"،ضمن سلسلة الطبيعة العملاقة في العالم،إذ تم تسجيل 8 مواقع رئيسية منها شلالات ماعين وبثت على مدى شهرين عام 2014.