الحكومة اللبنانية أصبحت رهينة تفاوض بين واشنطن وطهران
مدار الساعة ـ نشر في 2021/02/16 الساعة 14:14
مدار الساعة - فتح الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة اللبنانية سعد الحريري النار على عهد رئيس الجمهورية ميشال عون في خطاب الذكرى 16 لاغتيال والده -الرئيس الراحل رفيق الحريري- رفع الحريري الورقة البيضاء الملونة باللون الأصفر، تلك الورقة كدليل دامغ على أن عون قدم للحريري مجموعة أسماء مقترحة لتولي مناصب وزارية في الحكومة التي طال انتظارها، مع رفع الحريري للورقة المذكورة رفع عون عبر مستشار بابه العالي سليم جريصاتي الصوت بتذكير الحريري أن الأرض والسماء والبحر هي مسيحية، وأن النصارى هم مفتاح البلاد وهويتها الأساسية دون منة من أحد، لذا فإن المعركة السياسية الداخلية تؤكد أن لا حلول للمعضلة الحكومية محلياً وأن هذا الاستعصاء الداخلي مرده محاولة إيران الإمساك بملف تشكيل الحكومة اللبنانية كورقة في سياق المفاوضات المحتملة مع الولايات المتحدة الأمريكية حول برنامجها النووي.
ظريف لموسكو: لبنان ضمن ولاياتنا
لا تخفي طهران رغبتها في إعادة الاتفاق النووي مع واشنطن، لذا فإن وزير خارجيتها محمد جواد ظريف الذي يتواصل مع نظرائه الأوروبيين كان يحمسهم على لعب دور الوسيط لحل الأزمة المستعصية، والتي كان عرابها دونالد ترمب الذي أطاح بكل الموازين في السياسة والميدان، لكنه في الوقت نفسه فإن صوتاً آخر يعلو في طهران -قائد الحرس الثوري الإيراني- يؤكد أن بلاده ليست مستعجلة على عقد أي صفقة وأنها قادرة على العيش في الحصار والعقوبات، وعليه فإن ملف لبنان مؤجل حتى حين وليس ضمن أولويات أي من الطرفين.
فيما تؤكد مصادر دبلوماسية أن ظريف الذي زار موسكو مطلع الشهر الحالي التقى نظيره الروسي سيرغي لافروف وبحث معه ملفات إقليمية يدخل في سياقها لبنان، حيث شرح ظريف لنظيره الروسي استهجان القيادة الإيرانية لطرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإشراك إسرائيل والسعودية في المفاوضات مع واشنطن.
سمع لافروف مطولاً من ظريف توجساً إيرانياً من التمدد الفرنسي في لبنان ومحاولة العودة إلى الخط السوري عبر طرح إعادة الانفتاح على نظام الأسد في إطار الطموح الفرنسي بالحضور على شرق المتوسط، لذا فإن طهران غير جاهزة للتنازل لباريس في الساحة اللبنانية وتمرير حكومة على قياس الفرنسيين على حساب مكتسباتها الراسخة في لبنان، فيما الجانب الروسي أوضح للإيرانيين عدم استساغة فكرة فرض باريس وزراء في حكومة الحريري ووضع شروط على الأسماء والحقائب، لذا وبحسب المصدر، فإن موسكو ستعمل خلال الأيام القادمة على التواصل مع الرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط من أجل دعوتهما إلى موسكو والتشاور معهما في الأزمة الحكومية.
واشنطن: حكومة من دون حزب الله
بحسب المصادر الدبلوماسية، فإن الفرنسيين أبلغوا الرئيس المكلف سعد الحريري خلال زيارته لباريس عن رغبة أمريكية بتشكيل حكومة لا وجود فيها لحزب الله ولا ثلث معطل لجبران باسيل، شريطة تمريرها دون التأثير على المفاوضات الأمريكية – الإيرانية، فالأمريكي يحرص على عدم التعامل مع ملف لبنان على أنه ملف صف أول، فما يوده الأمريكيون أن يكون لتفاوضهم مع طهران جدول محدد لا يدخل لبنان في مراحله الأولى، فيما الإيراني يسعى للإمساك بملف الحكومة والضغط من خلاله على أي طاولة مفاوضات مرتقبة، وبحسب المصادر فإن الحريري سمع نفس الكلام خلال زياراته إلى إسطنبول والقاهرة وأبوظبي، أي رغبة إقليمية بإبعاد حزب الله والتيار الوطني الحر عن الحكومة حتى تمظهر الشكل الأولي لجدول أعمال المفاوضات المرتقبة، فالدول الإقليمية والتي وعدت الحريري بدعم حكومته القادمة وتغطيتها عربياً وإقليمياً -وتحديداً تركيا- لا تود إعادة تكرار الحكومات المتعاقبة، أي تغطية لحروب وصراعات من وقت وجيوب الدول الداعمة للبنان.
قطر على الخط .. اتصالات فزيارة
لا تخفي دولة قطر ارتياحها لوصول جو بايدن لسدة الرئاسة الأمريكية، فالدوحة الحليف الأبرز لواشنطن في المنطقة حصدت من عهد ترمب حصاراً عربياً ومحاولة اجتياح أوقفتها الدولة العميقة الأمريكية والحضور العسكري التركي في قطر والذي كان النجدة الأسرع لحماية الدوحة من أي "حماقة متوقعة حينها"، لذا فإن دولة قطر ومنذ اليوم الأول لوصول بايدن بدأت بإجراء اتصالاتها مع إدارته الجديدة، حيث تواصل وزير خارجيتها عقب فوز بايدن مع نظيره أنطوني بلينكن، وأبدت الدوحة رغبتها بالتعاون لحل أزمات المنطقة.
فالدوحة تعول على لعب دور الوسيط بين الإدارة الأمريكية وطهران حول إعادة ترتيب اتفاق جديد، كما أنها تتوقع أن تلعب دوراً لتخفيف حدة أي نزاع مرتقب بين واشنطن وأنقرة في ظل معرفة مسبقة بتعاطف بايدن مع الأكراد بدرجة عالية، كذلك سيكون دقيقاً في التعاطي مع طموحات أردوغان في المتوسط والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وسيرفض استفزاز تركيا للحلفاء الأوروبيين في الأطلسي، ولاسيما فرنسا.
وبحسب المصادر المطلعة، فإن التواصل بين الدوحة وواشنطن بقي مستمراً دون انقطاع، وإن اتصالاً جرى بين وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ومستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سالفيان، أعقبه اتصال آخر مع مستشار الأمن القومي الإيراني علي شمخاني، يوم الأحد 7 فبراير/شباط الجاري، أي قبل زيارة الوزير القطري لبيروت بيومين، وبحسب المصادر، فإن الدوحة تود إيصال رسائل، أبرزها أنها الأكثر حضوراً في لعب دور الوساطة بين طهران وواشنطن.
لكن ما يمكن قراءته من زيارة الوزير القطري لبيروت في ظل استمرار الكباش المستعصي بين واشنطن وطهران يمكن تلخيصه بأن الدوحة لا تود الغياب عن مسرح الأحداث الإقليمية المعقدة، فهي الأكثر قدرة على لعب دور الوسيط بين كل الأطراف اللبنانية المتصارعة، لكونها الدولة الوحيدة التي تمتلك علاقات جيدة مع كل الأطراف، بمن فيهم حزب الله، وأنها تستطيع تأمين غطاء أمريكي وإيراني وتركي في تحركاتها في المشهد اللبناني، لذا فإن الوزير القطري الذي التقى رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أسمع الأخير ضرورة التنازل في الملف الحكومي والتخلي عن الشروط التعجيزية المعطلة للحكومة.
ووفق المصادر، فإن الجولة الخارجية الثالثة للحريري ستشمل الدوحة والكويت، في إطار محاولات الحريري لتأمين غطاء عربي ودولي لتمسكه بشروطه بعدم منح أي طرف سياسي شروط الإمساك في الحكومة.
مدار الساعة ـ نشر في 2021/02/16 الساعة 14:14