أكفان برتقالية!

مدار الساعة ـ نشر في 2016/12/15 الساعة 01:07

 احمد حسن الزعبي

في محاولة جادة للهروب الأخير كما يفعل كل أصحاب السيقان الفتية..حاول زوجها أن يهرول بها و بكرسيّها المتحرّك..نزلا الى الشارع ، كان الجو قارس البرودة رغم الموت المشتعل في كل مكان..البنايات استفرغت كل ما في جوفها من أثاث وأسرة أطفال وطوب معجون بالجثث النائمة..المنافذ مغلقة والنوافذ تسيل منها أشلاء ملابس وأشلاء قتلى ، التفت حوله طويلا...كانت زوجته المقعدة تلفظ أنفاساً متسارعة ،حاول أن يدفئ قدميها الباردتين بيديه ، دلكهما، نفخ عليهما كمن ينفخ على الجمرة الأخيرة في موقد الحياة..أرجعت العجوز رأسها الى الخلف أطلقت روحها للسماء المزدحمة بالسوخوي وماتت، لتبقى في عينيها صورة مدينتها المقلوبة..

يا الهي كم تشبه هذه السيدة المسنّة عروبتنا..!!.

**

لم تعد الأكفان بيضاء..تناسب حال المدينة..فاللون الأبيض للموت المسالم ، لشخص صارع المرض طويلا، لبلدة نادراً ما تودّع وتحزن ، ليس لحلب التي خانها الوقت في كل شيء حتى في توديع أبنائها كما تفعل كل الأمهات ، في حلب لم تعد الأكفان بيضاء ومقطوعة على مقاس الميت ،فقد استبدلتها منظمات الإغاثة بأكياس برتقالية مطبوع عليها شعار الأمم المتحدة وسهم يشير الى رأس الضحية وآخر الى قدميه لغايات شرعيّة ليس الا..فعمل المنظمات دقيق ، وثمة منافسة في سرعة الموت وسرعة التوصيل أيضاَ...أكفان برتقالية كملابس الإعدام ؟!! كم هي ملائمة تماماً هذه الرايات الحادة عندما تنتصب يوم الحساب شاهدة على الإعدام الأممي المتفق عليه..

**

محزن أن ينتشي تجّار الشعارات للانتصار..أي انتصار؟ انتصار الروسي على السوري؟..انتصار الصاروخ على الطفل؟..انتصار الدبابة على الوسادة ؟ انتصار الطائرة على أقلام التلوين؟ انتصار برميل المتفجرات على رضعة الحليب؟..اخلعوا كل إرثكم السياسي المهترئ وارتدوا مرة واحدة رداء الإنسانية..بلد السبع بحرات تهدّم..بلد القدود..صارت بلد القيود..انهم لا يقتلون شعبكم لينتصر النظام...انهم يقتلون شعبكم ليهزموا الوطن..ليهزموا سوريا الى الأبد..انه استثمار طويل الأمد يا سادة...وهذا القتل جزء من حفريات «العطاء»..

**

اما نحن ،فما زلنا نمارس تضامننا المترف ، نجلس حول مدافئنا، نمسك اجهزتنا الخلوية ونرسل عبر الواتساب لقوائم الأصدقاء «نريد هذا الدعاء يلف الناس..تعالوا ندعو لحلب»..الدعاء وحده لا يؤوي عائلة ، ولا يهدّئ من خوف طفل، ولا يحمي قاصراً ، ولا ينصب خيمة ، ولا يعالج مصابا..مساعداتنا تعمل كل ذلك، أموالنا تفعل كل ذلك..سنبني حلب من جديد..و»سنتبنّى حلب»..لأن عروبتنا لا تحتاج الى قرار من احد...وإنسانيتنا لا تطلب الإذن من حزب أو تيار أو حليف..

تباً للمبادئ إذا لم تحرّكها الإنسانية!

تبّاً لكل المصفقين لهدم حلب!

تبّاً لكل الفرحين بالموت!

المصدر: الرأي

مدار الساعة ـ نشر في 2016/12/15 الساعة 01:07