عن حكاية الرواتب
مدار الساعة ـ نشر في 2021/02/16 الساعة 00:54
كان المرحوم سعد جمعة سابقاً لعصره, عندما أصدر كتابه مجتمع الكراهية, وهو الوصف الذي أكدت صدقيته فيما بعد وسائل التواصل الاجتماعي عندما كشفت حجم الكراهية في مجتمعنا, التي تنضح بها هذه الوسائل, معبرة عن ثقافة مشربة بالحسد والحقد والكراهية, يقود ذلك كله جهل مطبق لا يردع صاحبه عن التطاول على أي شخص, ولا على أي شيء.
كثيرة هي الوقائع التي تدل على الاحتكام إلى الجهل وثقافة الكراهية التي صارت سائدة في مجتمعنا, وآخرها قضية الرواتب واعتراض البعض على تفاوتها بين الناس, بالرغم من أنه تفاوت طبيعي موجود في كل المجتمعات, فمثلما أن الناس متفاوتون في الدرجات والقدرات كما أراد ربهم, فإنهم أيضاً كما أراد متفاوتون بالأرزاق, ومنها الرواتب ففي كل دول العالم لا تتساوى الرواتب بين العاملين, وقد تجد صاحب اختصاص يتقاضى راتباً أعلى من راتب الوزير, وربما من راتب رئيس الدولة, بل أن في بلدنا رواتب بعض الموظفين ممن ليسوا من الصف الأول, ولا من ?لصف الثاني تفوق رواتب موظفي الصف الأول والثاني, وقد عشنا أياماً كان فيها «المراسلون» يحصلون على رواتب اكبر من رواتب رئيس قسم ويحملون جوازاً أحمر, يوم كان هذا الجواز يصرف لمن يصل إلى الدرجة الخاصة, لذلك حمله «مراسلون» بحكم طول فترة الخدمة التي أوصلتهم إلى الدرجة الخاصة وجواز السفر الخاص, ولم يكن أحد يستغرب ذلك أو يستنكره, فقد كان مجتمعنا أكثر رضا وقبولاً ومحبة وأقل كرهاً وحسداً وضغينة, ولم تكن ثقافة الكراهية قد تمكنت منه كما هي الآن.
وإذا كانت سنوات الخدمة سبيلاً لزيادة الراتب والحصول على امتيازات وظيفية أخرى, فقد جرت العادة في كل بلاد الدنيا أن يتم شراء الخبرات برواتب وحوافز كبيرة, ولعل هذه من أسباب هجرة العقول من بلاد العالم الثالث, فلولا الإغراءات المالية بالإضافة إلى مناخات البحث العلمي لما هاجرت هذه العقول, وفي تراثنا أن الخلفاء كانوا يكافئون من يترجم كتاباً إلى اللغة العربية بوزنه ذهباً, لذلك ازدهرت أمتنا عندما كرمت أصحاب الاختصاص, وتراجعت عندما قترت عليهم, ولم تنفق على البيئة العلمية بما يؤهلها لصناعة العلماء.
لا يقتصر الاغراء المادي الدول على العلماء فقط, بل أننا نقرأ دائماً عن المبالغ الخيالية التي تدفع لاستقطاب اللاعبين الرياضيين, بأعتبارهم ثروات تسهم في إثراء الدول التي تستقطبهم ليكونوا وسيلة من وسائل إنجازها, كما تحرص دول أخرى على الدخول في شراكات علمية من أجل هذا الهدف, كما فعلت الإمارات العربية المتحدة مع الصين من أجل الوصول إلى لقاح يقاوم فيروس كورونا, ومثلما فعلت في إطلاق المسبار الفضائي, فماذا فعلنا نحن في مواجهة مشروعنا النووي وهيئته, غير أننا تركنا كل شيء وانشغلنا برواتب مجموعة من علمائنا, لا يتجاوز ?اتب الواحد منهم راتب أستاذ جامعي أقل منه رتبة وسنوات خدمة, في ممارسة تدل على الكراهية والحسد وغياب الرؤية الحضارية عند الكثيرين منا سامحهم الله.
Bilal.tall@yahoo.com
الرأي
الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2021/02/16 الساعة 00:54