سقط سهوا

مدار الساعة ـ نشر في 2021/02/16 الساعة 00:48
زمان حين بدأنا في الصحافة، كانت ترسل لنا بعض الردود من المؤسسات حول أخبارها، وتبدأ بجملة (سقط سهوا).. ثم تذكر المعلومة التي أغفلتها هذه المؤسسة, وجملة سقط سهوا في اللغة تعني: نسي ذكره. أحيانا لم تكن القصة سقط سهوا, بل كانت سقط عمدا.. كنا نعرف أن المدير أغفل في الحديث جزئية مهمة,.. عامدا متعمدا , ولكن اللغة أفردت لعبارة سقط سهوا مساحات هائلة في الردود في الرواية, في المسرح, في الشعر.. ولم تذكر اللغة العربية سقط عمدا, في نص لحكيم..أو قصيدة لشاعر ما, أو دراسة أدبية محكمة... مع أن كل ماحدث في العالم العربي هو يقع في باب سقط عمدا وليس سهوا. أحيانا أحس أني (سقطت سهوا), حين أتذكر كيف جئت للصحافة, ومع ذلك ما زال هذا السهو مستمرا منذ (25) عاما ولم يتوقف.. وأحس أني سقطت سهوا، حين كذبت على أبي وقلت له أن لدي (تبسط) في القدم ولم أقبل في مؤتة العسكرية... أحس أني سقطت سهوا, حين ذهبت للجامعة.. وكنت أنظر لها على أنها المكان الذي يغيب فيه الكتاب والدفتر , وتحضر الجدائل والعيون.. ويحضر الكحل وطلاء الأظافر, وحتما سأنشغل بمطاردة الغزلان... وربما ستكتب ليلى عني أجمل قصيدة..وربما ستنتحر طالبة من الحقوق لأني رفضت الوقوع في غرامها، ولكن تبين لي فيما بعد.. أن كل?قصص الغرام التي خضتها كانت فاشلة. أحس أن القلم سقط سهوا في يدي أيضا, وأحس أن ذهابي للسجن كان سهوا أيضا.. وأشعر أحيانا بأن المعارك الورقية التي خضناها, كانت مجرد سقطات في السهو.. ولم يكن لها من داع.. أحس أيضا بأن كل هذا الحب الذي نثرناه للتراب وللزيتون وللتاريخ.. تعاطوا معه على أنه سقوط في السهو ليس إلا.. حتى المدرسة كانت (سقط سهوا), كنت أظن أنها المكان الأنسب للعب، وحين التحقت بمرتبات الصف الأول الإبتدائي، ظننت أني أستطيع متى شعرت بالملل أن أحمل حقيبتي وأغادر, أمضيت الصف الأول مغادرا.. وكانت تأتيني المديرة وتصفعني ثم تعيدني للصف, وفيما بعد صرت أهرب من فوق السور.. كنت أظن أنهم سيقومون بمراعاة طفولتي, وضعفي والدموع التي تنسكب على وجهي.. لكنهم كانوا قساة بما فيهم أقراني في الصف, وفيما بعدت أقتنعت أن المغادرة من المدرسة دون إذن تحتاج.. لموافقات متعددة. بعد كل هذا العمر اكتشفت أن جملة (سقط سهوا) كاذبة, أينما قرأتها عليك أن تعرف أن الأمر كان متعمدا.. وأن هذه الجملة تستعمل لتبرير الكذبات الكبيرة.. ومن (سقط سهوا) هو أنا, في عالمنا العربي لايوجد شيء إسمه (سقط سهوا ) أبدا لا تصدقوهم.. المواطن هو الوحيد الذي سقط سهوا.. وها نحن نعيش العمر سهوا... كم أتمنى لو أن يكون اسمي على المقال (سقط سهوا راجي المجالي). abdelhadi18@yahoo.com الرأي
  • أخبار
  • عربية
  • محكمة
  • عرب
  • مؤتة
  • نعي
مدار الساعة ـ نشر في 2021/02/16 الساعة 00:48