رحيل المدن

مدار الساعة ـ نشر في 2021/02/14 الساعة 06:51
حين أذهب إلى الكرك لمنزلنا.. أراقب كل شيء فيه, وأتذكر طفولتي.. أتذكر الزوايا التي كنت ألعب بها، وشجرة (الدراق) التي زرعها أبي وما زالت.. وشجرة السرو، أتذكر صوت خطى أمي وهي تحمل الطعام في الممر, ومنفضة السجائر الخاصة بأبي.. ومكان التلفاز.. أحيانا أتمنى لو أني احمل منزلنا في الكرك وأحضره لعمان هنا, لكن الأمر مستحيل.. أتمنى أن أقوم بخلع زاوية السور كاملة, تلك التي كنت أخفي فيها كل المقتنيات المحرمة.. وأنصبها في بلكونة منزلي, ولكن الأمر صعب.. حتى شجرة السرو التي زرعها أبي في العام (1985).. وشاركته بزراعتها، وحفرت التراب معه.. أتمنى لو أني أحملها معي هنا وأزرعها على بوابة منزلي, ولكني أعرف أن السرو شجر إن خلع جذره من المكان يموت.. ..تنتابني بعض الأفكار المجنونة, وأنا أتأمل الحائط والسقف.. وأتأمل (مظلة) صنعها أبي مازالت شامخة, والحنفيات القديمة.. والشبابيك الحديدية التي طليت بألف نوع من الدهان.. وأتذكر حوض النعنع, أتذكر كل التفاصيل الجميلة.. كل شيء يستطيع الإنسان نقله, حتى القبور تستطيع نقلها.. والشواطئ، ولكن الذكريات صعبة النقل.. فالكرك لا ترحل من مكانها, وإربد ستبقى في ذات المكان وقد تتوسع.. لكنها لا تنقل ولا تفكك, ومعان هي ذاتها معان ببيوتها.. وأعمدة الكهرباء, والشوارع القديمة.. وعجلون لا تستطيع كل قوى الأرض الهندسية أن تنزعها من فوق الجبل, هذه مدينة اختارت أن تسكن فوق الجبال.. والجبال أحبتها.. المنطق يقول هكذا. في نظريات علم الاجتماع, وعلوم السكان الناس هي من ترحل وتبقى المدن.. إلا العالم العربي.. الوحيد الذي جعل المدن ترحل, حلب مثلا دمرت لم تعد حلب القديمة.. وصنعاء.. لم تعد صنعاء وكأنها رحلت من اليمن، وبغداد تغيرت.. ظلت المباني وظل النهر ولكن بغداد رحلت، ودمشق كأنها لم تعد تسكن بردى وصارت تسكن على ضفة الخوف.. وبيروت جرحتها الشواطئ, ولا أعرف هل بقيت أم رحلت..؟ أحيانا أشعر أن المدن تضج بساكنيها، وتطلب الرحيل عنهم.. لهذا أسكنت الكرك في قلبي, خوفا عليها من الرحيل.. احذروا رحيل المدن. Abdelhadi18@yahoo.com الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2021/02/14 الساعة 06:51