الإنسان والوحش
مدار الساعة ـ نشر في 2021/02/11 الساعة 01:17
ولدنا على الفطرة طيبين وعلى خلق ودين، وما إن ندخل مدرسة الحياة القاسية حتى نتعرّف على أسوأ ما يمكن أن يكون عليه الإنسان من شدّة وغلظة وانعدام للقيم والمبادئ والأخلاق التي تعلمها في الغرف الصفية التابعة لمدارس التربية والتعليم، مدرسة الحياة أقوى بكثير من مدارس وزارة التربية، وأكثر قساوة، بحيث تترك بصمتها في عقل وقلب كل من يدخلها.
كثيرة هي المواقف التي يعيشها الإنسان فيقف في دهشة وحيرة ولا يملك إلا أن يغلّط نفسه بسبب طيبته، ليرتفع على سلم القسوة درجة، وهكذا تستمرّ مواقف القهر والذلّ والاحتقار بهذا الإنسان، لتجعله يرتقي بسرعة جنونية على سلّم القسوة حتى يصل إلى أعلاه ويبلغ منهاه، وتخرّج من مدرسة الحياة.
هذا الانقلاب على الذّات نحن من نصنعه بالآخرين بسبب طمعنا وجشعنا وقلة أخلاقنا، ينقلب الناس على ذواتهم، فيُحوَّلون من فطرتهم السليمة الطيبة إلى وحوش عادية ضارية لا تعرف رحمة ولا شفقة، ولهذا يشبّهون الحياة بالغابة، والناس بالوحوش، القوي فيها يأكل الضعيف.
كم هي المواقف التي آذيت فيها الطيبين من الناس، أو احتقرتهم، أو استهزأت بهم، أو شتمتهم، أو ضربتهم، أو أكلت حقهم، كل هذه التصرفات البشعة واللاأخلاقية واللاإنسانية هي من تجبر الإنسان الطيّب أن يمزّق جلد الطيبة عنه، ليظهر لنا الوحش الكامن تحته، لنعاني من وحشيته.
أكل مال الناس ليس شطارة إنه سرقة وغصب، استغلال طيبة الناس لأكل حقوقهم ليس فهلوة إنه نصب واحتيال، احتقار الناس ليس يعني أنك شخصية محترمة وقوية بل يعني أنك متكبر ومتعالٍ ومغرور، ضرب الآخرين ليس قوة وشجاعة إنه بلطجة وزعرنة وتشبيح، وشتم الآخرين ليس جرأة إنه وقاحة وقلة أدب.
إذا وضعت الأمور في نصابها الصحيح لا بدّ لنا أن نعيد حساباتنا في التعامل مع الآخرين، والقاعدة الإسلامية الناظمة لهذه المعاملة أننا كلّنا لآدم، وآدم من تراب، فلنحافظ على طيبة الإنسان، ونحذر من خروج الوحش الكامن فيه.
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2021/02/11 الساعة 01:17