عبد الهادي المجالي

مدار الساعة ـ نشر في 2021/02/11 الساعة 01:15
غادر عبدالهادي باشا المجالي الحياة، فقد خاض كل المعارك الشرسة في العمر وانتصر بها.. وفي لحظة من العمر استسلم للمرض وإرادة الله..وقرر الرحيل عن الدنيا، إلى مثواه الأخير.. كان كبيرا على الأيام, ولم تكن هي الأيام كبيرة عليه.. وكان كبيرا على المنعطفات التاريخية، ولم تجرؤ تلك المنعطفات على تهميشه أو إبعاده عن المشهد بل طوعها وقام بثنيها, وقدم للتاريخ تجربة في العسكرية والسياسة.. من النادر على أردني أن يمر بها.. أو يخوض غمارها... أنا لا أعرف ماذا سأكتب عنه؟.. لكن قدري كان في بداية مشواري الصحفي.. أن يتعارك اسمي مع اسمه, كنت يومها بلا تاريخ سوى موهبة اكتسبتها من حواف الحب في الكرك ومن كحل البنات, ومن التراب المجبول بخطى من رحلوا.. وما رحلت عيونهم, وهو كان مدججا بكل التاريخ في الدنيا.. كان مدججا بالعسكرية والسياسة والسماحة, وكان له هيبة تكسر المرايا إن مر وجهه عليها.. ومع ذلك كنت أمازحه حين نلتقي وأقول له: (أنا الباشا)... ويضحك ثم نمضي.. أنا أكتب تعبي على الورق, وهو يناكف الدنيا.. ويلوي شعفة الأيام. الدنيا لن تحمل لنا رجلا مثله أدرك ذلك جيدا, وأدرك أن الأيام أيضا لن تحمل لنا رجلا ولد من صوان الكرك, ولن تحمل لنا رجلا.. كان سيد السماحة السياسية بلامنازع, فهو الوحيد الذي لم ينتج خصومات أبدا.. كتبوا عنه, وحرفوا الكلام..قالوا كل شيء عنه وفيه, وظلت ابتسامته.. تطبع على المدى أعجوية في الصدر الواسع.. والسجايا الحميدة, فقد سامح وتجاوز وتعاطف مع كل الذين أمطروه بسهام الخصومات.. النخل ربما لا يخاصم أحدا, فهو يتسلق المدى مستقيما.. ويرمي بظله والرطب.. كان النخل في عائلتي.. وكان في الشمس، حين وقفنا يوما كلنا تحت ظله.. وحده من كان في الشمس.. تراب الياروت.. سيحملك بين ثناياه, وستبكي بناتنا عليك.. وتودعك الكرك وأدري أننا سنتحدث عنك في مجالسنا, فكل واحد منا له قصة معك... وكل قرية لها حكاية معك, وكل درب سلكته.. له أيضا بعض الكلام معك، وشيحان الجبل الذي كنت تمر من جانبه..حين تعود إلى الياروت في المساءات العذبة.. سيلقي السلام عليك ويقرأ الفاتحة, والأطفال سيفتقدون سيارتك السوداء...التي كانت تعبر الدروب... ماذا سأكتب عنك أيها العزيز؟.. لا أعرف! ولكن وجعي يختم الكلام... فكل حرف عن موتك نكتبه , نشعر بأنه نصل سيف ينغرس في اللحم الفاني..ويحيل الجسد نزفا على النزف.. رحمك الله كنت أغلى وأحن وأجمل من مر على ديارنا وطوع دروبنا. abdelhadi18@yahoo.com الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2021/02/11 الساعة 01:15