النوايسة يكتب: رحيل الباشا عبد الهادي المجالي وروايته التي تأخرت
مدار الساعة - كتب: د. زيـد النوايسـة
ليس من السهل الكتابة عن شخصية سياسية مؤثرة بحجم الراحل الباشا المهندس عبد الله الهادي المجالي حيث المحطات كثيرة ومتنوعة وغنية. هل تكون البداية من الحديث عن مناقبيته العسكرية وانضباطه وألمعيته التي أوصلته في منتصف سبعينيات القرن الماضي لرئاسة أركان الجيش العربي، ليغادرها في بداية الثمانينيات للعمل الدبلوماسي سفيراً في أهم عواصم صنع القرار –واشنطن-ومن ثم العودة لقيادة جهاز الأمن العام والانخراط لاحقاً في الحياة الحزبية مؤسساً لأهم الأحزاب الوسطية الأردنية الهوى والهوية ثم نائباً ورئيساً لمجلس النواب الأردني لعدة دورات، كان خلالها علامة فارقة في الأداء البرلماني الرزين الصادق الانتماء للأردن وقيادته. اتفق معه كثيرون واختلف معه كثيرون أيضاً، ولكنه بقي خارج سياق المقارنة بغيره في هذا الموقع. كان منشغلاً في الهم العام وشاغلاً لكثيرين، معجبين وكارهين. كان متقبلاً بصدر رحب للنقد ومترفعاً عن الإساءة والخصومة التي تجاوزت في أحيان كثيرة حدود الخلاف والاختلاف في الرأي والموقف السياسي لاغتيال الشخصية والتشهير.
قبل أشهر زرنا نحن مجموعة من أبناء الكرك الباشا المرحوم عبد الهادي المجالي في منزله للسلام عليه والتضامن معه بعد تعرضه لحملة إساءة منظمة تبين لاحقاً أن من يقف وراءها مسؤول لأحد فروع تنظيم سياسي إسلامي، وتبين أن هذا الشخص يقيم في تركيا مستغلاً فوضى التواصل الاجتماعي ليؤلب الناس تحديداً ضد الباشا المجالي بالرغم من أنه ابتعد عن الحياة البرلمانية والسياسية واعتزلها منذ سنوات، ولكن هناك من اعتاد على التقيؤ السياسي الذي يستهدف في الباطن الدولة الأردنية وقيادتها وشعبها، ولكنهم يسلكون لذلك طريقاً تشوية صورة الشخصيات السياسية في الأردن ليتكرس انعدام الثقة فيها وبالتالي الإساءة للأردن تنفيذاً للأجندات المعروفة التي لا تخفى على أحد.
سألت الباشا المجالي رحمه الله يومها فقلت له: ربما لم تتعرض شخصية سياسية اردنية انخرطت في العمل العام خلال العقود الأخيرة للإساءة والتجريح والتشهير كما تعرضت ولكنك آثرت أن تبقى مترفعاً عن الرد وحتى الذهاب للقضاء وهذه من سجايا وشيم الكبار المعروفة عن عائلتكم؛ لكننا نتمنى عليك أن لا تُبقي رؤيتك وشهادتك السياسية غائبة لأنها لم تعد ملكا لك باعتبارك من أبرز الحاضرين والفاعلين والشهود في مراحل من أخطر ما تعرض له الأردن الدولة والقيادة والدور السياسي، وهذا يتطلب ألا تتأخر كثيراً في نشر هذه الرواية التي تحتاجها لإنصافك اولاً ولتسجل في التاريخ للأجيال القادمة. رد الباشا رحمه الله بلطف وتهذيب بأنها جاهزة في المراحل الأخيرة تمهيداً للطبع. وأما بخصوص الإساءة الشخصية له فقد قال إنه غير معني كثيراً والمهم اليوم أن يعبر بلدنا الأردن التحديات التي تواجهه وخصوصاً مشروع التسوية الأمريكي "صفقة القرن" وهذا يتطلب أن يلتف الأردنيون حول قيادتهم الهاشمية.
يغيب المرحوم الباشا المجالي وهو الشخصية الاستثنائية صاحبة الحضور والدور والتأثير وستظل حاضرة في التاريخ السياسي الأردني الحديث بعد مسيرة حافلة من الانخراط في الحياة العامة فاعلة ومؤثرة ومشتبكة اتفاقاً واختلافاً ولكن دائماً بفروسية ونبل وبأخلاق شيخ العشيرة.
رحل الباشا المجالي لرحاب الله وستظل تجربته السياسية الغنية قابلة للنقاش بين مؤيد ومؤمن بما قدمه وبين من يرى خلاف ذلك. ولكنه بالتأكيد لم يكن عابراً في الحياة السياسية بل كان دائماً في دائرة الفعل الهادئ المتزن المؤمن بالأردن الدولة والقيادة والدور. رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته، والعزاء للأردن والكرك ولعشيرته الكريمة ومحبيه ورفاقه.