ربيحات يكتب: عبدالهادي المجالي.. الصفحة الاخيرة والقلق على الاوضاع والاشتباك من مقاعد المتفرجبن
مدار الساعة ـ نشر في 2021/02/10 الساعة 10:23
مدار الساعة - كتب: الوزير السابق الدكتور صبري ربيخات
اليوم أفاق الكثير من الاردنيين والمشتغلين بالعمل السياسي على نبأ رحيل احد اكثر رجالات الاردن انغماسا بالعمل العام وغنى وتنوع الخبرة التي اكتسبها من رحلة عمل امتدت من هندسة القوات المسلحة الى دبلوماسية العلاقات الدولية ومن تطوير التقنيات والاساليب الامنية الى العمل الحزبي وسياسة النقد الناعم وتكييف الفكر والعمل الجماهيري ومحاولات دمجه في قوالب واطر حزبية اقبل عليها البعض وارتد عليها البعض الآخر..
في الاردن يصعب الحديث عن مجلس النواب وشكله الجديد الذي تبلَور في حقبة التسعينيات من القرن الماضي وحتى نهاية العقد الاول من الالفية الثالثة فقد كان رمزا وعنوانا ولونا لا بل مدرسة في تقديم الاساليب والمناهج للحوار الهادي المنضبط والتنسيق اللامتناهي بين السلطات وقيادة العديد من اقطاب العمل البرلماني الجدد وادماجهم في التيار الذي تذوق حلاوة القرب وبرودة وجفاء البعد.
كاحد ابناء شرق الاردن الذين كانت بيوتهم وعائلاتهم معاهد ابتدائية لتعليم صغارها الجندية فتحت عيوني علي سماع قصص الجنود وتشكيلات الجيش والقيادات الواعدة فقد كان العساكر العائدون من معسكراتهم في اجازات نهاية الشهر يتحدثون في مجالس َومناسبات القرية عن الضباط اللامعين وسجاياهم فيذكرون حابس المجالي وقاسم المعايطة وبهجت المحيسن وكاسب الصفوق وغازي عربيات وغيرهم من القادة الذين لا عقيدة ولا ميل لهم غير الايمان بالله وخدمة الوطن... كان البعض من ابناء قريتنا يتحدثون عن هؤلاء الرجال كما تتحدث التغريبة عن ابو زيد الهلالي وجساس وكليب والزير فهي القصة الوحيدة التي كان بمقدور الجميع في قريتنا استيعابها ومعرفة خصائص ابطالها.
في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي عين عبدالهادي المجالي مديرا للامن العام وقد كان نجمه ساطعا واستبشر الجهاز بقدومه فقد جاء القرار بعدما كان عبد الهادي سفيرا لدى الولايات المتحدة واليابان وفي اعقاب رحلة عمل عسكرية اوصلته الى موقع رئيس اركان الجيش العربي....
في تلك الايام شهد الجهاز نهضة كبيرة اخرجته من دائرة ضبط الجريمة وملاحقة الفاعلين والواجبات التقليدية الى مفهوم تلامن الشامل والمراكز الامنية واتمتة العمل الامني ومشاركة المجتمع في مسؤوليات الحماية والتنمية والتصدي وقد بدى الجهاز كخلية نحل منتجة.
خلال الاعوام التي امضاها في الجهاز شعر الجميع بانهم بأمرة قائد متزن وهادئ عقلاني يستمع ولا ينساق خلف الانفعالات والاقاويل.. للكثير من الذين تشرفوا بالخدمة الشرطية وبالرغم مما قيل وبقال احيانا فقد كانت المرحلة ذهبية بحق.
الرجل الذي ما توفف عن التكيف والتموضع والجاهزية للخدمة العامة وزيرا وسفير ونائبا وقائدا عسكريا وشيخا وزعيم حزب يطوي الصفحة الاخيرة من رحلة عمل قاربت علي الستين عاما وهو قلق على الاوضاع ومشتبك من مقاعد المتفرجبن مع الاحداث....
اليوم يرحل زعيم وشيخ وقائد من قادة اجهزتنا ومجتمعنا تاركا لنا الكثير مما يمكن النظر اليه والتمعن فيه... لقد رحل الفريق اول عبدالهادي المجالي.. ليترك فراغا يصعب ان يملأ
الرحمة لروحك والعزاء لنا جميعا....
مدار الساعة ـ نشر في 2021/02/10 الساعة 10:23