الدباس يكتب :ملف المشروع النووي من لسان الدكتور علي مر
مدار الساعة ـ نشر في 2021/02/07 الساعة 01:22
محمود الدباس يكتب..
ملف المشروع النووي من لسان الدكتور علي مر..
انشغل الاردنيون في هذه الفترة بعدة موضوعات.. وكان احد اهمها موضوع راتب معالي د. خالد طوقان.. وملف الطاقة النووية.. وحتى لا اشخصن الموضوع او اخرجه عن اطاره.. وخصوصا في خضم الاحداث الكبيرة التي يمر بها الاردن والذي هو ليس ببعيد عن الاحداث الاقليمية والدولية.. راجيا ان لا تنحرف بوصلة اولويات الدولة عن الموضوعات الاكثر حساسية.. مع عدم ترك هكذا ملفات جانبا.. وذلك بتخصيص اناس ذوي دراية ومعرفة للتدقيق والتحقيق في الملفات التي تشغل الرأي العام.. وبالتالي اتخاذ المناسب من القرارات المبنية على التحقيق وبعيدة عن الاهواء والاشاعات والمعلومات غير الدقيقة.. ومع انني كنت اود التريث في طرق الموضوع.. الا ان اغتنام الفرصة كان اقوى من كبح جماح الكتابة.. حيث أتيحت لي الفرصة للتحدث مع الدكتور ابو هيثم.. وهو الخبير في مجال الطاقة النووية.. والحاصل على شهادة الدكتوراه والماجستير في الهندسة النووية.. وهو المسؤول المؤسس لمشروع المفاعل النووي الاردني المدعوم من وكالة الطاقة الذرية.. ومدير مؤسس لمشروع اليورانيوم في الاردن.. وكذلك هو المدير المؤسس لدائرة الطاقة النووية في الاردن.. والعديد العديد من المراكز الادارية والفنية لمشاريع محليا واقليما وعالميا..
وحين سألته عن رأيه فيما يُقال عن ملف مشروع الطاقة النووية وبعيدا عن شخص معالي د. طوقان.. أبدى اسفه واستغرابه -كما الكثيرون من الاردنيين- لما وصلت إليه الامور.. وقال هذا موضوع طويل ومتشعب ولا أرغب في الحديث عنه فقد تحدثنا عنه كثيراً وكتبت عنه.. ولي فيه مؤلفات عديدة.. ولكن سأختصره عليك بالاتي.. الطاقة النووية لها استخدامات في كل مجالات الحياة غير الكهرباء.. وتسمى التطبيقات الناعمة.. كالطب والصناعة والزراعة والمياه وعلوم الارض والبحث العلمي.. الخ.. وهي الأنظف والأرخص والأسرع إنجازًا والأغزر إنتاجًا والأقل كلفة والأكثر تشغيلًا للأيدي العاملة.. أنشأنا فيها أو استفدنا من عشرات المشاريع المحلية والإقليمية وهي غير مكلفة عشرات إلى مئات ألوف الدنانير.. ولكن فوائدها كبيرة جدًا..
ففي المجال الزراعي مثلًا.. حيث قمنا بتجربة لتحسين غلة نبات العدس الأردني.. وطبقنا تطبيقًا واحدا هو تهجين نبات العدس.. حيث أنتجت نباتا مطفرًا أو محسنًا صفاته كما يلي..
١- حجم الشتلة.. زاد من ١٥ سم ارتفاعًا الى ٤٥ سم.. يعني انتاج تبن أكثر.. وشكل هندسي أحسن.. وحصاد بالآلات بدلًا من القلع باليد..
٢- كمية الإنتاج.. ارتفعت من ١٨ حبة إلى ٩٠ حبة.. اي خمسة أضعاف..
٣- ينضج في الحقل في أسابيع قبل النبات العادي.. ما يعني تجنب رياح الخماسين الجافة التي تضرب النوار..
واكمل القول..
تصور لو أطلق هذا النوع للاستخدام.. لاستفاد منه جميع المزارعين في الأردن.. وليس له أضرار..
تصور لو تم تحسين جميع النباتات والمحاصيل الممكنة بنفس الطريقة..
تصور أن تجربة طفرات العدس السابقة كلفت ١٠٠٠٠ دولار فقط لا غير..
تصور لو تم استخدام التطبيقات الأخرى في النبات والحيوان والمياه والمراعي ومقاومة الأمراض وتحسين الإدرار والولادات وتحسين الأعلاف.. الخ..
تصور لو استخدمت الطاقة النووية في سائر مجالات الحياة التي ذكرتها.. بالتأكيد سنصبح دولة غنية جداً جداً..
تصور... الليلة تحدث معي مهندس كان قد حضر من الولايات المتحدة في التسعينيات يريد أن يستقر في بلده. وظفناه براتب عقد ٤٠٠ دينار في الشهر. استخدم جهاز إشعاع كنا قد جمعناه بأيدينا حول مصدر نيترونات كان مهملًا في سلطة المصادر الطبيعية كلفنا ٥٠٠ دينار فقط.. هذا المهندس العبقري اكتشف طريقة لاستخراج النفط من الصخر الزيتي بتجربة بسيطة باستخدام هذا الجهاز.. حاول أن يسجل براءة اختراع في الأردن.. ولما تأخر أنهى عقده وعاد وسجلها في الولايات المتحدة بمل لكل برميل نفط يستخرج بطريقته.. اليوم أمريكا تنتج حوالي ٤ مليون برميل في اليوم من الزيت الصخري..
هذه هي الطاقة النووية وهذه هي فوائدها الهائلة قليلة الكلف..
تصور ان تعمل ١٠٠٠ تجربة في جميع قطاعات التنمية الإنتاجية والخدمية مثل التجربة السابقة.. ستكون الكلفة ١٠ مليون دولار فقط.. فستتحول الأردن في سنوات قليلة الى بلد مزدهر زراعيًا وصناعيًا وصحيًا وعلميًا يشار اليها.. إن امتلاك مفاعل بحثي صغير.. يخفض كلف هذه التطبيقات بالحد الأدنى..
اما بالنسبة لما يتم الحديث عنه واصبح الشغل الشاغل للجميع.. وهو مشروع المحطات النووية لتوليد الكهرباء.. فهو مكلف جدًا جدًا.. عشرات مليارات الدنانير.. وكلفة الإنتاج للكيلو واط ساعة كما يقول القائمون عليه -وهو خطأ فاحش- ٨ قروش.. وقارن مع الطاقة المولدة من الشمس والرياح.. والتي تكلف حوالي ٣ قروش.. ولا حوادث ولا تلوث ولا ماء ولا ولا.. واود ان اشير هنا.. انه يمكن لاي شخص ان يتحقق من المعلومات السابقة فهي معروفة ومتداولة.. وهي ايضا منشورة في كتاب قمت بتأليفه للهيئة العربية للطاقة الذرية التابعة للجامعة العربية.. وغيرها..
وسأعطيك نبذة عن المشروع -حديث الناس- وما واجهته شخصيا.. بدأ المشروع عام ٢٠٠٦ قبل انتقال "طوقان" من التربية وليس ٢٠١٠.. تمت إحالتي على التقاعد في عام ٢٠٠٨ مباشرة بعد معارضتي إحالة مشروع اليورانيوم على "شركة أريفا".. حيث كانوا يريدون تلزيمها بدون دراسة جدوى وتقرير بيئي.. وأنا طالبت بعطاء دولي يشترط الأمرين.. فاختلفنا حينها وأحلت على التقاعد.. وقبل ذلك استدعاني وزير الطاقة د. خالد الشريدة في احد الايام الساعة ١٠ مساءا من عام ٢٠٠٦.. وقال إن د. خالد طوقان يريد إنشاء محطة نووية "١٠٠٠ م و" من خلال مفاعل "كاندو" في منطقة العقبة.. قلت له الخيارات الثلاثة المطروحة جميعها خاطئة.. وقمت بإعداد مذكرة من ثلاث صفحات في اليوم التالي بناء على طلبه.. وسلمتها له ليعرضها على رئاسة الوزراء.. وبينت فيها الموقف العلمي وأسباب الخطأ والمخاطر.. التي تترتب على هذه الخيارات (القصة طويلة وثبتت صحتها فيما بعد).. ولكنهم أصروا ودفعوا ١٢ مليون دولار لشركة بلجيكية لدراسة موقع العقبة وصلاحيتها للمشروع.. وخَرَجت بالنتيجة التي خرجت انا بها.. بدون ان اكلف الخزينة أي فلس.. وذلك لأنني شاركت في برنامج تأهيل عام ١٩٨١ في مجال اختيار المواقع المناسبة للمنشآت النووية. ولدينا معرفة مسبقة بخصائص منطقة العقبة الإشعاعية والزلزالية..
وها انتم ترون.. لا هم أنتجوا اليورانيوم عام ٢٠١٢ كما كانوا يصورون.. ولا بنوا محطة كهرباء نووية عام ٢٠١٥ كما كانوا يعلنون.. وحسب تلك التصريحات.. كان مقررا إنتاج يورانيوم بدءاً من عام ٢٠١٢ وبما يكفي لتسديد ثمن المحطات النووية الأربع التي كانوا يريدون إنشائها.. وتوفير الوقود لها مدة ١٥٠ سنة.. وحتى تحويل الأردن لمركز عالمي لتخصيب وتجارة اليورانيوم..
في يوم من الايام تمت دعوتي الى اجتماع.. وقدم فيه د. خالد طوقان محاضرة.. تحدث فيها عن المشروع النووي واليورانيوم.. والذي قال إنه يكفي لتشغيل المفاعلات وقودًا وايضا للتصدير والتخصيب.. قمت بتسجيل العديد من النقاط الخطأ التي وردت في محاضرته.. لأتكلم وأرد عليه.. وحسبت ثمن كمية اليورانيوم التي قال إنه سينتجها كل سنة.. فكانت ١٦ مليون دينار.. وكانت العملية الحسابية بسطر ونصف السطر.. ضجت القاعة.. واعترض السيد حماد سلامة الذي كان قد عُين رئيسًا لشركة مصادر الطاقة (اليورانيوم)..
وقمت بحسابها مرة أخرى.. فما كان منهم الا ان أنهوا الاجتماع..
وهنا لا بد من ذكر ان.. المفاعلات الصغيرة غير مجدية بسبب قلة الإنتاج.. والحاجة إلى بنية تحتية وخدمية تشمل كل قطاعات التنمية والخدمية وهي ١٩ قطاعًا حكومياً.. كما بينت للدكتور شريدة.. الزراعة والصناعة والدفاع والأمن والصحة والمياه والطرق والتعليم وشبكة الكهرباء.. الخ..
المحطات النووية الكبيرة غير مجدية.. فهي عالية الكلفة الرأسمالية.. اما الطاقة المتجددة فهي.. أقل كلفة رأسمالية وجارية.. ونظيفة وبدون حوادث.. وصيانتها قليلة.. ولا تستهلك الماء والذي مصادره شحيحة أصلًا.. ولا تخضع للموردين والمشغلين الأجانب.. وتقلبات السياسة الدولية والسوق النووي الأكثر احتكارًا.. والرقابة الدولية الأشد دقة وصعوبة وكلها مكلفة..
أما المفاعلات المبردة بالغاز التي يتحدثون عنها فهي خطيرة.. وتستخدم في نطاق ضيق في روسيا والدول التي كانت معها الاتحاد السوفييتي فقط.. ولبعض الصناعات العسكرية والبحوث.. وحتى روسيا منتجة هذا النوع تخلت عنه بسسب الحوادث وصعوبة التحكم والتبريد.. مثل ما حدث في تشرنوبل.. رفضنا خيار الخربة السمراء لبناء المحطات النووية فيها لعدم وجود ماء كاف.. ولاعتماد المشروع المتوقع على مياه مجاري مكررة.. وخط نقل طويل لمياه المجاري.. عرضة للتصدع بسبب الزلازل الشديدة في المنطقة.. ونقص ماء التبريد للحوادث..
اضف الى ذلك ان الماء الذي سيؤخذ للتبريد سيحرم عددًا مكافئا من المزارعين من مصدر مياه يستخدمونها في الري.. الامر الذي سيتسبب في حرمان المزارعين من الدخل واختفاء الغطاء الأخضر في منطقة صحراوية.. علاوة على كلفة التكرير لمياه المجاري.. وجميعها مكلفة ويجب أن تضاف للكلف الجارية والرأسمالية.. علاوة على كلف الوقاية البيئية والزلزالية وأخطارها..
الا ان القائمين على المشروع أصروا ودفعوا ١١ مليون دولار لدراسة صلاحية الموقع للمفاعلات النووية الكبرى.. ولم تثبت جدواه وصلاحيته..
في النهاية اود ان اسوق قصة قصيرة وطريفة حدثت.. كنا في مؤتمر شعبي عن المشروع النووي عقد في قصر الثقافة في مدينة الحسين الرياضية ضم خبراء دوليين.. وحضره طبيب أردني متقاعد كهل.. بالكاد كان يمشي مترنحًا.. وقف بعد ان فهم الموضوع.. وذهب إلى المنصة للحديث بدون أن يكون على قائمة المتحدثين.. فتعجبنا وانتظرنا ما سيقول.. فقال أيها الإخوة.. إذا كان هذا هو الحال.. وسيبرد المفاعل بماء المجاري المكررة.. فإن الحل بسيط لدي.. فوجئنا وانتظرنا ما سيقول.. فقال.. أقترح على دولة الرئيس والحكومة.. مضاعفة كميات حبوب مدر البول التي تستوردها المملكة كل سنة بمقدار يكفي للتبريد العادي وفي الحوادث.. هذا هو مشروع المحطات النووية باختصار شديد جدا.. وسامحني يا صديقي.. وشكرًا لك..
وفي الختام لا يسعني الا ان اختم بما اختم به دوما..
حمى الله الأردن ملكا وشعبا وأرضا..
ابو الليث..
ملف المشروع النووي من لسان الدكتور علي مر..
انشغل الاردنيون في هذه الفترة بعدة موضوعات.. وكان احد اهمها موضوع راتب معالي د. خالد طوقان.. وملف الطاقة النووية.. وحتى لا اشخصن الموضوع او اخرجه عن اطاره.. وخصوصا في خضم الاحداث الكبيرة التي يمر بها الاردن والذي هو ليس ببعيد عن الاحداث الاقليمية والدولية.. راجيا ان لا تنحرف بوصلة اولويات الدولة عن الموضوعات الاكثر حساسية.. مع عدم ترك هكذا ملفات جانبا.. وذلك بتخصيص اناس ذوي دراية ومعرفة للتدقيق والتحقيق في الملفات التي تشغل الرأي العام.. وبالتالي اتخاذ المناسب من القرارات المبنية على التحقيق وبعيدة عن الاهواء والاشاعات والمعلومات غير الدقيقة.. ومع انني كنت اود التريث في طرق الموضوع.. الا ان اغتنام الفرصة كان اقوى من كبح جماح الكتابة.. حيث أتيحت لي الفرصة للتحدث مع الدكتور ابو هيثم.. وهو الخبير في مجال الطاقة النووية.. والحاصل على شهادة الدكتوراه والماجستير في الهندسة النووية.. وهو المسؤول المؤسس لمشروع المفاعل النووي الاردني المدعوم من وكالة الطاقة الذرية.. ومدير مؤسس لمشروع اليورانيوم في الاردن.. وكذلك هو المدير المؤسس لدائرة الطاقة النووية في الاردن.. والعديد العديد من المراكز الادارية والفنية لمشاريع محليا واقليما وعالميا..
وحين سألته عن رأيه فيما يُقال عن ملف مشروع الطاقة النووية وبعيدا عن شخص معالي د. طوقان.. أبدى اسفه واستغرابه -كما الكثيرون من الاردنيين- لما وصلت إليه الامور.. وقال هذا موضوع طويل ومتشعب ولا أرغب في الحديث عنه فقد تحدثنا عنه كثيراً وكتبت عنه.. ولي فيه مؤلفات عديدة.. ولكن سأختصره عليك بالاتي.. الطاقة النووية لها استخدامات في كل مجالات الحياة غير الكهرباء.. وتسمى التطبيقات الناعمة.. كالطب والصناعة والزراعة والمياه وعلوم الارض والبحث العلمي.. الخ.. وهي الأنظف والأرخص والأسرع إنجازًا والأغزر إنتاجًا والأقل كلفة والأكثر تشغيلًا للأيدي العاملة.. أنشأنا فيها أو استفدنا من عشرات المشاريع المحلية والإقليمية وهي غير مكلفة عشرات إلى مئات ألوف الدنانير.. ولكن فوائدها كبيرة جدًا..
ففي المجال الزراعي مثلًا.. حيث قمنا بتجربة لتحسين غلة نبات العدس الأردني.. وطبقنا تطبيقًا واحدا هو تهجين نبات العدس.. حيث أنتجت نباتا مطفرًا أو محسنًا صفاته كما يلي..
١- حجم الشتلة.. زاد من ١٥ سم ارتفاعًا الى ٤٥ سم.. يعني انتاج تبن أكثر.. وشكل هندسي أحسن.. وحصاد بالآلات بدلًا من القلع باليد..
٢- كمية الإنتاج.. ارتفعت من ١٨ حبة إلى ٩٠ حبة.. اي خمسة أضعاف..
٣- ينضج في الحقل في أسابيع قبل النبات العادي.. ما يعني تجنب رياح الخماسين الجافة التي تضرب النوار..
واكمل القول..
تصور لو أطلق هذا النوع للاستخدام.. لاستفاد منه جميع المزارعين في الأردن.. وليس له أضرار..
تصور لو تم تحسين جميع النباتات والمحاصيل الممكنة بنفس الطريقة..
تصور أن تجربة طفرات العدس السابقة كلفت ١٠٠٠٠ دولار فقط لا غير..
تصور لو تم استخدام التطبيقات الأخرى في النبات والحيوان والمياه والمراعي ومقاومة الأمراض وتحسين الإدرار والولادات وتحسين الأعلاف.. الخ..
تصور لو استخدمت الطاقة النووية في سائر مجالات الحياة التي ذكرتها.. بالتأكيد سنصبح دولة غنية جداً جداً..
تصور... الليلة تحدث معي مهندس كان قد حضر من الولايات المتحدة في التسعينيات يريد أن يستقر في بلده. وظفناه براتب عقد ٤٠٠ دينار في الشهر. استخدم جهاز إشعاع كنا قد جمعناه بأيدينا حول مصدر نيترونات كان مهملًا في سلطة المصادر الطبيعية كلفنا ٥٠٠ دينار فقط.. هذا المهندس العبقري اكتشف طريقة لاستخراج النفط من الصخر الزيتي بتجربة بسيطة باستخدام هذا الجهاز.. حاول أن يسجل براءة اختراع في الأردن.. ولما تأخر أنهى عقده وعاد وسجلها في الولايات المتحدة بمل لكل برميل نفط يستخرج بطريقته.. اليوم أمريكا تنتج حوالي ٤ مليون برميل في اليوم من الزيت الصخري..
هذه هي الطاقة النووية وهذه هي فوائدها الهائلة قليلة الكلف..
تصور ان تعمل ١٠٠٠ تجربة في جميع قطاعات التنمية الإنتاجية والخدمية مثل التجربة السابقة.. ستكون الكلفة ١٠ مليون دولار فقط.. فستتحول الأردن في سنوات قليلة الى بلد مزدهر زراعيًا وصناعيًا وصحيًا وعلميًا يشار اليها.. إن امتلاك مفاعل بحثي صغير.. يخفض كلف هذه التطبيقات بالحد الأدنى..
اما بالنسبة لما يتم الحديث عنه واصبح الشغل الشاغل للجميع.. وهو مشروع المحطات النووية لتوليد الكهرباء.. فهو مكلف جدًا جدًا.. عشرات مليارات الدنانير.. وكلفة الإنتاج للكيلو واط ساعة كما يقول القائمون عليه -وهو خطأ فاحش- ٨ قروش.. وقارن مع الطاقة المولدة من الشمس والرياح.. والتي تكلف حوالي ٣ قروش.. ولا حوادث ولا تلوث ولا ماء ولا ولا.. واود ان اشير هنا.. انه يمكن لاي شخص ان يتحقق من المعلومات السابقة فهي معروفة ومتداولة.. وهي ايضا منشورة في كتاب قمت بتأليفه للهيئة العربية للطاقة الذرية التابعة للجامعة العربية.. وغيرها..
وسأعطيك نبذة عن المشروع -حديث الناس- وما واجهته شخصيا.. بدأ المشروع عام ٢٠٠٦ قبل انتقال "طوقان" من التربية وليس ٢٠١٠.. تمت إحالتي على التقاعد في عام ٢٠٠٨ مباشرة بعد معارضتي إحالة مشروع اليورانيوم على "شركة أريفا".. حيث كانوا يريدون تلزيمها بدون دراسة جدوى وتقرير بيئي.. وأنا طالبت بعطاء دولي يشترط الأمرين.. فاختلفنا حينها وأحلت على التقاعد.. وقبل ذلك استدعاني وزير الطاقة د. خالد الشريدة في احد الايام الساعة ١٠ مساءا من عام ٢٠٠٦.. وقال إن د. خالد طوقان يريد إنشاء محطة نووية "١٠٠٠ م و" من خلال مفاعل "كاندو" في منطقة العقبة.. قلت له الخيارات الثلاثة المطروحة جميعها خاطئة.. وقمت بإعداد مذكرة من ثلاث صفحات في اليوم التالي بناء على طلبه.. وسلمتها له ليعرضها على رئاسة الوزراء.. وبينت فيها الموقف العلمي وأسباب الخطأ والمخاطر.. التي تترتب على هذه الخيارات (القصة طويلة وثبتت صحتها فيما بعد).. ولكنهم أصروا ودفعوا ١٢ مليون دولار لشركة بلجيكية لدراسة موقع العقبة وصلاحيتها للمشروع.. وخَرَجت بالنتيجة التي خرجت انا بها.. بدون ان اكلف الخزينة أي فلس.. وذلك لأنني شاركت في برنامج تأهيل عام ١٩٨١ في مجال اختيار المواقع المناسبة للمنشآت النووية. ولدينا معرفة مسبقة بخصائص منطقة العقبة الإشعاعية والزلزالية..
وها انتم ترون.. لا هم أنتجوا اليورانيوم عام ٢٠١٢ كما كانوا يصورون.. ولا بنوا محطة كهرباء نووية عام ٢٠١٥ كما كانوا يعلنون.. وحسب تلك التصريحات.. كان مقررا إنتاج يورانيوم بدءاً من عام ٢٠١٢ وبما يكفي لتسديد ثمن المحطات النووية الأربع التي كانوا يريدون إنشائها.. وتوفير الوقود لها مدة ١٥٠ سنة.. وحتى تحويل الأردن لمركز عالمي لتخصيب وتجارة اليورانيوم..
في يوم من الايام تمت دعوتي الى اجتماع.. وقدم فيه د. خالد طوقان محاضرة.. تحدث فيها عن المشروع النووي واليورانيوم.. والذي قال إنه يكفي لتشغيل المفاعلات وقودًا وايضا للتصدير والتخصيب.. قمت بتسجيل العديد من النقاط الخطأ التي وردت في محاضرته.. لأتكلم وأرد عليه.. وحسبت ثمن كمية اليورانيوم التي قال إنه سينتجها كل سنة.. فكانت ١٦ مليون دينار.. وكانت العملية الحسابية بسطر ونصف السطر.. ضجت القاعة.. واعترض السيد حماد سلامة الذي كان قد عُين رئيسًا لشركة مصادر الطاقة (اليورانيوم)..
وقمت بحسابها مرة أخرى.. فما كان منهم الا ان أنهوا الاجتماع..
وهنا لا بد من ذكر ان.. المفاعلات الصغيرة غير مجدية بسبب قلة الإنتاج.. والحاجة إلى بنية تحتية وخدمية تشمل كل قطاعات التنمية والخدمية وهي ١٩ قطاعًا حكومياً.. كما بينت للدكتور شريدة.. الزراعة والصناعة والدفاع والأمن والصحة والمياه والطرق والتعليم وشبكة الكهرباء.. الخ..
المحطات النووية الكبيرة غير مجدية.. فهي عالية الكلفة الرأسمالية.. اما الطاقة المتجددة فهي.. أقل كلفة رأسمالية وجارية.. ونظيفة وبدون حوادث.. وصيانتها قليلة.. ولا تستهلك الماء والذي مصادره شحيحة أصلًا.. ولا تخضع للموردين والمشغلين الأجانب.. وتقلبات السياسة الدولية والسوق النووي الأكثر احتكارًا.. والرقابة الدولية الأشد دقة وصعوبة وكلها مكلفة..
أما المفاعلات المبردة بالغاز التي يتحدثون عنها فهي خطيرة.. وتستخدم في نطاق ضيق في روسيا والدول التي كانت معها الاتحاد السوفييتي فقط.. ولبعض الصناعات العسكرية والبحوث.. وحتى روسيا منتجة هذا النوع تخلت عنه بسسب الحوادث وصعوبة التحكم والتبريد.. مثل ما حدث في تشرنوبل.. رفضنا خيار الخربة السمراء لبناء المحطات النووية فيها لعدم وجود ماء كاف.. ولاعتماد المشروع المتوقع على مياه مجاري مكررة.. وخط نقل طويل لمياه المجاري.. عرضة للتصدع بسبب الزلازل الشديدة في المنطقة.. ونقص ماء التبريد للحوادث..
اضف الى ذلك ان الماء الذي سيؤخذ للتبريد سيحرم عددًا مكافئا من المزارعين من مصدر مياه يستخدمونها في الري.. الامر الذي سيتسبب في حرمان المزارعين من الدخل واختفاء الغطاء الأخضر في منطقة صحراوية.. علاوة على كلفة التكرير لمياه المجاري.. وجميعها مكلفة ويجب أن تضاف للكلف الجارية والرأسمالية.. علاوة على كلف الوقاية البيئية والزلزالية وأخطارها..
الا ان القائمين على المشروع أصروا ودفعوا ١١ مليون دولار لدراسة صلاحية الموقع للمفاعلات النووية الكبرى.. ولم تثبت جدواه وصلاحيته..
في النهاية اود ان اسوق قصة قصيرة وطريفة حدثت.. كنا في مؤتمر شعبي عن المشروع النووي عقد في قصر الثقافة في مدينة الحسين الرياضية ضم خبراء دوليين.. وحضره طبيب أردني متقاعد كهل.. بالكاد كان يمشي مترنحًا.. وقف بعد ان فهم الموضوع.. وذهب إلى المنصة للحديث بدون أن يكون على قائمة المتحدثين.. فتعجبنا وانتظرنا ما سيقول.. فقال أيها الإخوة.. إذا كان هذا هو الحال.. وسيبرد المفاعل بماء المجاري المكررة.. فإن الحل بسيط لدي.. فوجئنا وانتظرنا ما سيقول.. فقال.. أقترح على دولة الرئيس والحكومة.. مضاعفة كميات حبوب مدر البول التي تستوردها المملكة كل سنة بمقدار يكفي للتبريد العادي وفي الحوادث.. هذا هو مشروع المحطات النووية باختصار شديد جدا.. وسامحني يا صديقي.. وشكرًا لك..
وفي الختام لا يسعني الا ان اختم بما اختم به دوما..
حمى الله الأردن ملكا وشعبا وأرضا..
ابو الليث..
مدار الساعة ـ نشر في 2021/02/07 الساعة 01:22